بقلم : محمد الرواس
قبل فترة وجيزة كتبت مقالة تحدثت فيها عن أهمية عودة المزارعين إلى أراضيهم الزراعية واستثمارها مجدداً خاصة أولئك الذين هجروها ، وذيلت مقالتي بعبارة وللحديث بقية.. ، واليوم نستكمل حديثنا في ذات السياق والتطرق للتطرق لإحدى المجالات المهمة في ثروات سلطنتنا الحبيبة ألا وهي الثروات البحرية والتي تحتاج اقصى درجات الأهتمام والإقبال على الاستثمار فيها ودعم العاملين فيها، ومن مسندم إلى صلالة مروراً بمحافظة الوسطى الرائدة في هذا المجال، بإطلالة على كافة موانئ الصيد البحري ، والخلجان البحرية والمصايد الطبيعية بطول شواطئ تمتد إلى أكثر من 3165كم يُعد قطاع الثروة السمكية وأحد من أهم الأنشطة الاقتصادية العُمانية التي ساعدت على وجود استقرار اجتماعي مستدام ومستمر على مر الزمن والسنين نظراً لما تتمتع به سلطنتنا الحبيبة من اطلالة مميزة على واحد من أكبر محيطات العالم (المحيط الهندي) فكان ارتياد البحر سواء للصيد او للتجارة مهنة أساسية اختارها العُمانيون من خلال توفر المساحات الواسعة المتاحة على البحر سواء للنشاط التجاري أو نشاط الصيد البحري، ومن خلال هذه الموقع الفريدة للسلطنة وبالتحديد على خليج عُمان وبحر العرب المرتبطين بالمحيط الهندي كان ولا يزال البحر هو الرفيق الخالد للإنسان العُماني ، فلقد أنعم الله على عُماننا الحبيبة بواحدة من أهم واكثر المناطق ثراء بمخزونها السمكي بالشرق الأوسط ومحيطها الإقليمي ، حيث تزخر مياهها الاقليمية بخيرات بحرية تفوق التوقعات سواء من اسماك أو قشريات أو رخويات وبأصناف متعددة ولا محدودة من الروبيان والجيذر والكنعد وغيرها المئات من الانواع البحرية ، والبحر رزق وميرة أهل عُمان منذ القدم ، حيث وضع الله بركة الرزق فيه.
واليوم وفي ظل ما يشهده العالم من تطورات علمية وتقنيات حديثة للصيد البحري فإن الحديث يدور حول التحدي الأكبر الذي تمثله شركات الأسماك التجارية العالمية مالكة سفن الصيد التجاري البحري الحديثة التي تجوب المياه الإقليمية العُمانية فيما تشكله من صراع بينها وبين الصيادين أصحاب القوارب ، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة العاملة بالصيد البحري ، الأمر الذي يجب النظر فيه بتمعن ويفترض على الجهات المعنية مراقبته مراقبة شديدة بسبب ممارسات سفن الصيد البحري سواء كانت مرخصة أو غير مرخصة والتي تمارس البحث عن أسماك محددة وبعد ذلك تتخلص من باقي الأسماك التي تم اصطيادها والقائها بالبحر مرة أخرى فينتج عن ذلك افراط ، وانخفاض في مخزون الأسماك ، هذا بالإضافة الي وجود تلوث وخلل بتوازن النظام البيئي البحري مما يؤدي إلى انقراض بعض أنواع الأسماك واختفائها.
إن الوضع الاقتصادي الراهن بالسلطنة الذي نحن بصدده يملي علينا ان نلتفت لكل نزيف لثرواتنا الوطنية خاصة البحرية منها وعلى رأسها الثروات السمكية ، وحري بنا ان نسلط الضوء على التحديات والصعوبات التي يواجهها هذا القطاع ، نظراً للعائد الكبير من هذا النشاط الحيوي ، وعليه فإن تأمين هذا القطاع أصبح واجباً وطنياً يحتاج ان تدعمه كافة الجهات المختصة بمؤسسات الدولة ترفده الحكومة والشركات العُمانية التي يتعين عليها المساهمة لإيجاد همزة وصل بينها وبين الصيادين العُمانيين من خلال شراء الأسماك منهم بهدف إيجاد منظومة متكاملة للعمل في هذا القطاع وتوفير سلسلة متصلة من البحر عند الصيد الى الأسواق عند التسويق، وهو ما يحتم قيام الجهات المختصة سواء المعنية ببرامج الدعم المالي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ، أو قيام قطاع الثروة السمكية بوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بتقديم الخبرات اللازمة والمهارات المطلوبة من توعية ودورات وتأهيل ودعم خاصة لفئة الشباب المقبلين على ارتياد البحر لصيد الأسماك ، وربطهم ببرامج متخصصة لتسويق أسماكهم سواء كان ربطهم بشركات أو أسواق او خدمات لوجستية من مخازن وشاحنات تبريد وغيره.
يذكر محمد بن نادر الغنبوصي صاحب أحد المشاريع السمكية بالدقم انه من خلال مشروعه الذي وفر فيه قوارب صيد للصيادين العاملين معه من الشباب العُماني المقيمين بالمناطق القريبة من مشروعة قد حقق نجاحاً ملموساً، هذا بالإضافة إلى تواصله وربط مشروعه مع مكتب الثروة السمكية بمحافظة الوسطى ، وذكر الغنبوصي أنه بفضل الله وتوفيقه استطاع امداد الأسواق المحلية والقريبة من مشروعه خاصة ولايات جنوب الشرقية بالأسماك المتنوعة باستمرار، مما ساعد ذلك في انخفاض واستقرار أسعارها بالأسواق وهذا هو تحديداً ما يطلق عليه الأمن الغذائي المحلي ( حيث ان تتوفر ثروات الوطن بالوطن اولاً وهو أمر بغاية الأهمية قبل تصديرها للخارج ، هناك الكثير من قصص النجاح للشباب العُماني الذي أقبل بسواعده الشديدة الى خوض البحر وحصاد خيراته وهناك من ينتظر الفرصة للانطلاق.
هذا القطاع سيحقق النجاح المطلوب بإذن الله تعالى خلال تكاتف الجهود لدعم المقبلين عليه من الشباب وتوفير مزيد من موانئ الصيد بمختلف الولايات خاصة بمحافظة الوسطى ، بجانب توفير الحكومة للدعم اللازم لما تقوم به وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه للصيادين ومشاريعهم لتسهيل وتذليل الصعوبات التي يواجهونها ، وتوفير التدريب ببرامج التقنية الحديثة لهم وإقامة المؤتمرات والندوات والمعارض المتخصصة للشباب الملتحق بهذا القطاع والحرص على زيادة واستمرار البرامج المتخصصة للمنخرطين في هذا القطاع سواء أفراد أو أصحاب مشاريع صغيرة ومتوسطة.
ختاماً لا يفوتني إلا أن اشيد ببرنامج القوارب المتطورة والتي يبلغ طولها 14 متراً وبدفعة أولى بعدد 270 قارباً بمواصفات استجابة بحرية والذي اطلقته وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه لتمكين الشباب من الأستخدام الأمثل للصيد حيث تتميز قوارب الصيد المتطورة هذه ببرامج الأمن والسلامة بمواصفات عالية.