بقلم : علي المطاعني
التقنيات الحديثة تتوالى على البشرية يوماً بعد الآخر بإفرازاتها المتعددة الايجابية منها والسلبية بعضها يصدم المجتمعات المحافظة بما تحمله بين ثناياها من جديد ومثير وخطير يخالف كليا معتقداتها الإيمانية وأعرافها الاجتماعية، وعلى الفور تنطلق صفارات الإنذار مؤكدة ضرورة منع هذا وحجب ذاك.
ولكن وفي إطار حقيقة ثابتة وقائمة وهي أن السماوات باتت مفتوحة، وانسحقت بالتالي الحواجز التقليدية التي كانت تفصل قديما بين الدول والكيانات البشرية فما عادت صفارات الإنذار بكفاية ولا قادرة على إيقاف ذلك المد البحري الجارف والعابر قسرا وقهرا للحدود والأوطان، فالتكنولوجيا الحديثة أفرزت برمجيات ووسائل قادرة على تدمير حوائط الصد النارية أو حتى الأسمنتية أو حتى اختراقها وبغير أن تدري بأنها مثقوبة منذ وقت طويل مضى، وعبر هذا الثقب يتسلل الممنوع والمرغوب من قبل أصحاب الفيل أقصد أصحاب الثقب، لنخلص من بعد ذلك أن لا فائدة ترتجي من هذه الوسائل والحوائط النارية أو الفولاذية، ولنبحث عندئذ عن البديل.
ولعل الفضاءات السحابية المفتوحة في توتير واحدة من الاستحداثات التي شغلت الساحات المحلية بما تتناوله من موضوعات وحوارات ونقاشات أغلبها كلام لا يجدي نفعاً ولا يؤثر على أي مجتمع، فنجد عدد المتابعين له محدود للغاية لا يتجاوز العشرات وأغلبهم من هواة القيل والقال، وباعتبار أن الذي يؤثر ويتأثر به الناس هو وحده المرتكز الأساسي القائم على الحقائق وعلى المنطق والمتسق مع العقائد والأخلاق والأعراف والوجدان السليم، وما دون ذلك يذهب جفاء ليبقى في الأرض فقط ما ينفع الناس.
وفي هذه الحال لا ينبغي أن نصاب بالقلق إزاء هذه النوعية السطحية من السِجَالات التي لا تعدو أن تكون انطباعات شخصية لا تترقي لأنْ تكون قضايا رأي عام، لافتقارها للحد الأدنى الذي أشرنا إليه، وفي مقابل ذلك علينا إعداد أنفسنا جيدا متسلحين بقيمنا القادرة على إيجاد التوازن بين الثوابت والمتغيرات بنحو لا يفقدنا هويتنا الوطنية ولا يذيبنا في أحماض العولمة المكتنزة بالغث والسمين والثمين، وعلينا أيضا أن لانحسب الشحم فيمن شحمه ورم.
والمطلوب في هذا الموضع أن نتفاعل إيجابا مع هذا الصخب متسلحين بما نملك من أدوات الصد والرد، وهي كافية في اعتقادنا على إيجاد التوازن المطلوب في هذا النزال الكوني المميت، ولعل الفضاءات السَحَابِية واحدة من المؤثرات التي أصبحت جزءا مهما وفاعلا من أدوات الإعلام الاجتماعي حيث يتحلق العشرات من المتابعين لمناقشة موضوع مقترح قد يحظى باهتمام ما وفقا لطبيعته ونوعيته وعلاقته بالراهن القائم، فاليوم الناس تميل لمدى الفائدة التي يمكن أن تجنيها من القضية المطروحة اتساقا مع الفلسفة البراغماتية التي تحض على التعامل مع القضايا بطريقة عملية وصولا لجوهرها ومركزها التي تقوم الأعمدة الخرسانية ارتكازاً عليها.
فعلى سبيل المثال الموضوعات الصحية تحظى باهتمام أكبر من الموضوعات السياسية، وباعتبار أن صحة الإنسان هي نعمة الله الكبرى التي لا معنى ولا لا طعم للحياة بدونها، وبالتالي فهي تتقدم بمراحل على القضايا السياسية والاجتماعية والقانونية.
وبما أن العالم ما برح يمور ويفور سياسياً فأضحت السياسة لا تستهوي الكثير من المتابعين بإعتبارها المسبب الأكبر للصداع و(عوار) الرأس لا غير.
وعمليا وميدانيا نجد أن البرامج السياسية على إختلاق موضوعاتها في قنوات مشهورة كال BBC والجزيرة وغيرها من القنوات نجدها لم تعد تحظى بالمتابعة مثل غيرها من الموضوعات التي ذكرناها.
وإذا كان الأمر كذلك فكيف ببرنامج في مساحة فضائية تٌوتِيرية يحضره اقل من 100 شخص فقط لا غير، لذا فإن المخاوف من هذه البرامج ليس في محله ولا يسنده مسوق علمي أو موضوعي، وفي المقابل مناقشات في جروبات الواتساب تجمع حوالي 250 مشترك ربما نجدها أكثر موثوقية رغم عن أنها بالكتابة فقط خلاقا لتلك الصوتية في تويتر.
بالطبع تأثيرات أي وسيلة أو أداة مستجدة تؤخذ في الاعتبار، ولها تأثيرات ما حتى لو كانت محدودة ومنها الفضاءات السحابية التوترية لما تشكله من خطورة على الدول والمجتمعات، لدخول اشخاص بأسماء مستعارة تتهجم على الشعوب والمعتقدات والأيدولوجيات والأعراف والتقاليد لذا تجد اهتمامات واسعة ونقاشات جدلية بين المشاركين تَطٌول الى المشدات وتبعث الفتن، غير إنها لا يمكن أن تقلقنا على الإطلاق.
نأمل أن نتعاطى مع المستجدات بكل إيجابية ولا نقلق من كل قادم جديد في عالم يمور بالحركة والمتغيرات المذهلة على نحو لحظي ويومي، وأن نستخدم الأدوات الحديثة التي تخدمنا وتحقق أهدافنا في التعاطي الإعلامي الإيجابي، وهذا هو قمة مستوى الفهم والإدراك للحركة الإعلامية الإجتماعية الدؤوبة التي تحيطنا إحاطة الإسوارة بالمعصم.