بقلم : علي المطاعني
في ظل الظروف الإقتصادية والصحية وتأثيراتها على قطاع الأعمال وإنعكاسات ذلك على أوضاع القوى العاملة في الشركات سواء بالتسريح أو الإقالات وغيرها، فإن التسريع بإنشاء محاكم عمالية باتت ضرورة كبيرة وملحة لمواكبة هذه المستجدات التي فرضت واقعا جديدا أدى إلى تراكم القضايا العمالية بالمحاكم بالآلاف وشكلت ضغوطا على القضاة، وأخرت الفصل في حقوق العمال لفترات طويلة مما أثر سلبا على أوضاعهم المعيشية، بل هم يعايشون حالات من القلق والتوتر النفسي أفضى لإعتلال صحتهم، الأمر الذي يفرض التسريع في إيجاد المحاكم العمالية ليتسنى سرعة البت والفصل في القضايا المعلقة ونيل العمال لحقوقهم بدون أي تأخير يذكر.
بلاشك أن المحاكم والقضاة يبذلون قصارى جهدهم في التعاطي مع أكبر عدد ممكن من القضايا تصل يوميا إلى 50 قضية لكل قاض مع ما تتطلبه من دراسات ومقارنات وتنزيل القوانين والتشريعات والاطلاع على ردود أطراف النزاع وغيرها من الإجراءات.
إن تسريع وتيرة التقاضي برفد السلك القضائي باحتياجاته ومستلزماته من شأنه أن يحقق التطور الذي يشهده القضاء العُماني ويسهم في تسريع العدالة الناجزة ويبعث على الإرتياح في الأوساط العمالية المتأثرة من طول فترة البت في القضايا وإنتظار الأحكام على أحر من الجمر.
فعلى الرغم من أن قانون (تبسيط إجراءات التقاضي في شأن بعض المنازعات) الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (125/2020) وفي المادة (10) منه نص على الآتي:
(يجب على الدائرة الإبتدائية أن تصدر حكمها في النزاع خلال مدة لا تزيد على (30) ثلاثين يوما من تاريخ إحالته إليها، ويجوز تمديد هذه المدة لمدة أخرى مماثلة، ولمرة واحدة إذا كانت الدعوى غير صالحة للحكم فيها).
ومع هذا فإن الواقع مغاير بشكل كامل نتيجة للأسباب المشار إليها، وحتى نحدد مفهوم مصطلح (المحاكم العمالية) بنحو قانوني سليم فقد أوضحت موسوعة ويكيبيديا بأنها محاكم مختصة بالنظر في القضايا العمالية بمختلف أشكالها وأنواعها، وتختص في القضايا المتعلقة بعقود العمل والأجور والحقوق وإصابات العمل والتعويض عنها، إضافة لتخصصها في المنازعات المتعلقة بإيقاع صاحب العمل العقوبات التأديبية على العامل، والقضايا المرفوعة لإيقاع العقوبات المنصوص عليها في نظام العمل.
إن تسريع إجراءات التقاضي مسألة لا يختلف عليها اثنان فأهميتها كبيرة لأنها تتعلق بحقوق عمال سلبت حقوقهم وقطعت أرزاقهم واصبحوا بلا دخل يعينهم على مواجهة متطلبات الحياة واستحقاقاتها المتزايدة، لذلك يتعين الفصل في قضاياهم بأسرع وقت ممكن وقبل أن يصرعهم الجوع والمرض.. لقد كانت (المحاكم العمالية) كمفهوم ومعنى على طاولة مبادرات مختبر سوق العمل والتشغيل في البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي، إذ تهدف المبادرة إلى رفع كفاءة المعنيين بتسوية المنازعات العمالية، فضلاً عن تقليص الفترة الزمنية اللازمة لتسوية تلك المنازعات بما يؤدي لدعم بيئة الأعمال والإرتقاء بسوق العمل والتشغيل، وهو ما يفرض تسريع انشاء المحاكم العمالية لتتواكب مع متطلبات رؤية عُمان 2040.
إضافة إلى أن إنشاء محاكم عمالية سيسهم في تجويد النظام القضائي وإضفاء التخصص مما يساعد على إيجاد قضاة متخصصين في قضايا العمل المرشحة للارتفاع في السنوات القادمة طبقا للمتغيرات المستجدة في مجالات العمل واشكالياتها.
ثم أن من شأن ذلك أن يعزز ويجمل صورة سلطنة عُمان في المجتمع الدولي وخاصة لدى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ومنظمة العمل الدولية على وجه الخصوص التي تعنى بضمان حقوق العمال وتسريع الفصل في قضاياهم.
وإذ نظرنا للدول الخليجية الشقيقة نجد أن لديها محاكم عمالية متخصصة لمواكبة التطورات في الشكاوي وتسريع وتيرة البت فيها حتى أن بعض الدول أنشأت محاكم عمالية متنقلة تذهب للنزاعات بنفسها تأكيدا على حتمية سرعة الفصل والبت وإعلان الأحكام.
محاكمنا تبذل جهودا كبيرة في تسريع القضايا العمالية ومجلس الشؤون الإدارية للقضاء لا يألو جهدا في توفير متطلبات المحاكم لتواكب التطورات والمتغيرات الإقتصادية والصحية وانعكاساتها والذي أفرز تراكم القضايا بالنحو الذي نرى.
نأمل أن تُسرع الدولة بإنشاء المحاكم العمالية لتحقيق العديد من الأهداف التي تطرقنا إليها وغيرها، وإذا كنا نقر بأن إنشاء هذه المحاكم لا محالة قادم، ولكن التعجيل بها الآن أمسى أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى.