بقلم : محمد محمود عثمان
لاشك أن زيادة الأسعار الحالية أزمة عالمية، نتيجة لأحداث الحرب الروسية على أوكرانيا والصعوبة أنها جاءت لتفاقم تداعيات جائحة كورونا، واستنفاد العالم لـ 90% من احتياطياته أو أكثر ولذلك آثارها شبه كارثية، ولكن الخيط الرفيع الذي نتمسك به، هو أن إدارة أزمة الأسعار ستكون محلية بالدرجة الأولى، لأن العالم كل معني بهمومه وله معاناته، لذلك ربما تحترق اقتصاديات الدول النامية والفقيرة من النيران القادمة من المياه الباردة وسوف تتعرض لسياسة العصا والجزرة من الجانبين لذلك نشهد الآن الضغوط والتحديات على الاقتصاد العالمي، ثم على كل الاقتصاديات، التي لم تكن مستعدة لمثل هذه التحديات العالمية التي فرضت عليها وما سيفرضه الوضع العالمي والحرب بين روسيا وأوكرانيا، في ظل التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية والإنسانية، بسبب أسعار النفط والغاز في العالم، وفي سوق الذهب، والبورصات العالمية الكبرى وارتفاع أسعار السلع الغذائية حيث لا يوجد اقتصاد بمنأى عن سلبياتها والآن المشكلة سوف تزداد تعقيدا في البلدان التي تعتمد بصورة شبه كاملة على الواردات في تلبية احتياجاتها من الغذاء والدواء، والمواد الخام كالبلدان العربية، التي سوف تشهد موجات من الغلاء ربما تؤدي إلى تدهور المستويات المعيشية، إذا طالت الحرب، وما يتبع ذلك من عجز في مواجهة الارتفاعات المتتالية للأسعار بسبب تواضع الموارد المالية واعتماد البعض بصورة أساسية على المساعدات أو المعونات الخارجية، ومن ثم سوف تُحمله الحكومات للفقراء ومتوسطي الدخل، الذين يعانون في الأساس من زيادة التضخم المستورد، الذي ينشأ بسبب الاعتماد على السلع والخدمات المستوردة من الخارج، إلى جانب التضخم المحلي وانخفاض القوى الشرائية للعملات، لأنه حتى مع ارتفاع أسعار النفط، فلن يكون ذلك مفيدا بشكل إيجابي للدول المصدرة، نظرا لارتفاع أسعار النقل والشحن والتأمين التي تلتهم هذه الزيادات خاصة أن أسعار الطاقة من المدخلات الرئيسة لأسعار كل السلع والخدمات هذا من جهة، ومن جهة أخرى سوف تؤثر على الصادرات النفطية التي سوف يقل الطلب عليها إذا اتجه المستوردون إلى الطاقة البديلة وانعكاس ذلك على منحنيات الأسعار التي تشهد صعودا، مع النقص الحاد للمواد الأولية والغذائية ومستلزمات التصنيع والإنتاج وظهور طبقة المستغلين والجشعين من التجار والمحتكرين الذين يطلق عليهم « تجار الحروب»، لذلك توجد عدة محاور ومسؤوليات على الحكومات منها أولا: وجود سياسات نقدية راشدة وواعدة قادرة على احتواء التضخم المستورد الذي يرتفع مع انخفاض القوة الشرائية للعملات المحلية، خاصة المرتبطة بالدولار ثانيا: عدم تحميل الفقراء وأصحاب الدخل المحدود أو منعدمي الدخل عبء هذا التضخم من خلال الضرائب ورسوم الخدمات المرتفعة المبالغ فيها والتي عانت منها معظم الدول خلال جائحة كورونا خاصة في قطاعات العمل والعمال والقطاع الخاص عامة وتأثير ذلك على الإنتاجية والإنتاج ثالثا: توجيه الأنماط الاستهلاكية للترشيد الشديد والحد من الإنفاق الزائد وغير المبرر خاصة الأزمات أو لمواجهتها بمساعدة خطباء المساجد والكنائس ووسائل الإعلام في ظل المرئية والمسموعة والمقروءة، وإن كان هناك عزوف عن الإعلام المكتوب ومن ثم قلة القراء والقارئية رابعا: مراقبة الأسواق والسيطرة على الأسعارفي إطار القوانين والالتزام بحماية المستهلكين خامسا: استغلال كافة الموارد المتاحة لزيادة الطاقة الإنتاجيّة، لتوفير الإنتاج المحلي بأسعار مقبولة ومناسبة لتغطي نسبة من الاحتياجات سادسا: التوسع في مشاريع الأمن الغذائي ومستلزمات الإنتاج من الموارد المحلية للاعتماد على النفس تدريجيا تحسبا للمتغيرات والأزمات الطارئة، وعدم الاعتماد على الآخرين على الرغم من عدم القدرة على العيش في عزلة عن العالم سابعا: ان تراقب هيئات أسواق المال شركات النقل والتأمين حتى لا تتسبب في جنون أكثر للأسعار وفي المقابل هناك واجبات ضرورية يجب أن يستشعرها أفراد المجتمع بكل فئاته من تجار وصناع وحرفيين وزراع وعمال وموظفين ومستهلكين، خاصة في وقت الأزمات تتعلق بالقناعة وعدم الإسراف والوسطية وعدم الغش والتلاعب في الأوزان والأسعار والبعد عن الاحتكار والتخزين للمواد الغذائية ومستلزمات الصناعة والإنتاج، وألا نجعل من قوائم المتطلبات الرمضانية، موسما للتسويق والإنفاق والإسراف والتخمة، وكأننا مقبلون على حرب مع الطعام، حيث يعد الشهر المبارك الأعلى استهلاكاً للغذاء بين العرب والمسلمين، فحجم الإنفاق في شهر رمضان يرتفع بنسبة 50% وربما أكثر عن شهور العام، على عكس المقاصد الشرعية من هذه العبادة، ومن ثم علينا تعديل أنماط السلوك الاستهلاكي لأن جائحة كورونا وأزمة أوكرانيا تحتم علينا ذلك، خاصة بعد إصابة الأنشطة الاقتصادية بشبه الشلل التام، وتوقف الكثير من الشركات عن العمل بعد أن عجزت عن تدبير العمالة الفنية نظرا لتكلفتها العالية وزيادة الديون والأعباء، وتخفيض مرتبات العمال وحرمانهم من مستحقاتهم القانونية، وتسريح الملايين الذين أصبحوا بلا عمل أو دخل وأثر ذلك على ملايين الأسر وعلى المجتمع بشكل عام.