بقلم : محمد بن علي البلوشي
لأننا نعيش في إقليم جاف ومناخ حار وقاس يهل علينا خبر هطول المطر بالفرح والسرور..فنسميها أمطار الخير ولم لا؟ نعيش معظم شهور العام تحت وطأة اللهيب والحرارة التي تلفح اجسادنا..وعند المطر يستبشر الناس خيرا به لأنه يلطف الجو ونشعر بالبرد الذي نفتقده فقط ..فليس لدينا زراعات قائمة على المطر كبقية البلدان الزراعية حينما ينقطع عنها المطر حيث تكسد الزراعة وتقل المحاصيل بل وتموت الماشية إثر الجفاف.مثل المطر يأتي النفط فهو الخير التالي..النفط أكثر من المطر لكنه يمكن أن يغنينا ويمكن أن يفقرنا ويعود بنا إلى سنوات عجاف فارتفاع أسعار النفط يفرح الناس قبل الحكومات فيتوقعون الخير من هذا الارتفاع والخير في الغالب وفي الصورة السائدة هي زيادة الرواتب والهبات والعطايا كالرواتب المضاعفة وتخفيض الرسوم والضرائب ومن حق الناس أن يتوقعون في رغباتهم مجانية بعض الخدمات أو رسوما رمزية من باب أننا ندفع رسوما وليس كل شيء مجانا. رفعت الأزمة الاوكرانية أسعار النفط وبات الناس يراقبون الارتفاع الجنوني للأسعار حتى وصل نفطنا الجميل إلى 127 دولارا وكان ذلك اجمل خبر مفرح هلّ علينا بعد أزمة كورونا وتراجع مداخيل النفط حينما وصلت قبل سنوات إلى مادون 20 دولارا.ومعها بدأ شد الأحزمة.وحينما يرتفع سعر النفط لايمكن أن نقول سوى أنه بقي عزف المزامير وقرع الطبول احتفاء بهذا الخير..لكن الخير في بعض الأحيان لايكتمل فقد تراجع إلى 110 دولارات ومع ذلك فالموازنة مبنية على سعر أقل..وعيون الجميع ترقب مؤشر صعود الأسعار وتبني التحليلات والآراء التي تقود إلى أنها سنوات خير.
وصف ولي العهد السعودي اعتماد اقتصاد بلاده والناس على النفط بـ»الإدمان» وليست السعودية بمفردها في هذا الإدمان فدول الخليج مدمنة على النفط ولازالت تفتقد لاقتصادات قوية يمكن ان تقلل مساهمة النفط باليسير في موازناتها..وليست الحكومة كذلك مدمنة للنفط فالناس أدمنوا الاعتماد على النفط.فحينما ترتفع أسعاره يطالبون بالوظائف..الوظائف بمعنى التوظيف في الحكومة للحصول على راتب من عائدات النفط..لايهم حاجة الحكومة لهم أو تشبعها بالوظائف فقط لتحليل الراتب بالوظيفة.لا أحد يسأل كثيرا عن تقوية القطاع الخاص ودعمه حتى يصبح أكثر قوة ومنافسة فهو الأخر يترنح بسبب كورونا ويفتقر إلى قاعدة صلبة وقوية..فيعتمد على أسعار النفط وانفاق الحكومة وانفاق الناس الذين يتحصلون معظم رواتبهم من مداخيل النفط.
الحقيقة أن فرح الناس ورغباتهم في تقاسم مداخيل النفط ينبغي أن يتوقف فإن كانت الأسعار اليوم خيرا لنا فغدا ستطيح بنا إلى الحضيض في ظل الاعتماد والإدمان الاقتصادي عليه. قد تكون هذه الأيام أيام خير على الجميع إلا أنه ينبغي توجيه عائدات الخير في إطارها السليم الذي يفيد الناس في حاضرهم ومستقبل أبنائهم وليس فقط لتشجيع النمط الاستهلاكي الذي يتمناه الناس من توزيع الإيرادات في صورة رفع رواتب وغير ذلك من التمنيات.ينبغي أن تقود أسعار النفط إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط في الموازنة السنوية وكذلك إلى التخلص من الديون أولا بأول ضمن توازن بين خدمة الدين العام وبين الأولويات الأخرى..ومن ضمن الأولويات هي استثمار هذه الإيرادات في تنويع الاقتصاد وبناء اقتصاد إنتاجي..لا بأس أن تدخل الدولة شريكا فيه ثم تسلمه للقطاع الخاص مستقبلا..وكذلك رفع جودة التعليم التقني والمهني وتقليل إقبال الطلبة على التخصصات التي باتت غير مرغوبة في السوق إذ أن فرص إيجاد عمل لها شبه معدومة مما يضع الدولة تحت ضغط مجتمعي للتوظيف كونها لازالت الأب الحاني على أبنائه فلازال السوق بحاجة إلى هذه التخصصات. لازالت لدينا فرصة من هذه الإيرادات لبناء المشاريع الاقتصادية الصناعية المجدية والملحة والتي تنتج أموالا داخل البلاد وتجلب لنا العملة الصعبة بالتصدير لنستطيع أن نقلل من إدمان النفط خلال السنوات المقبلة وكذلك زيادة وتيرة التدريب والتأهيل للشباب ليكونوا قادرين على المنافسة وكذلك دعم مخصصات تشجيع مبادرات الأعمال الحرة وتأسيس المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للحد من فجور التجارة المستترة الذي يسيطر على مفاصل الاقتصاد المحلي ودعم قطاع الإسكان فهناك مئات الطلبات تنتظر مخصصات مالية..فأموال النفط ايها الكرام لاتوزع كهبات في الرواتب بل تستثمر في الخدمات التي تنفع الناس وأبناءهم والاجيال اللاحقة.