العجز التجاري الأميركي يبدأ في الداخل

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠١/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٢٠ م
العجز التجاري الأميركي يبدأ في الداخل

ستيفن س. روتش

كانت تكتيكات الترويج للخوف في إطار الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة سببا في تشويه المناقشة الدائرة حول التجارة وتأثيرها على العمال الأميركيين على طرفي الطيف السياسي. فمن تقريع الصين على اليمين إلى ردود الفعل المعاكسة ضد اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ على اليسار، عَرَض الساسة من المنتسبين إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي صورة مشوهة للتجارة الخارجية باعتبارها الخطر الاقتصادي الأعظم الذي يهدد أميركا.
في عام 2015، كانت الولايات المتحدة تدير عجزا تجاريا مع 101 دولة ــ أو عجز تجاري متعدد الأطراف كما في لغة الاقتصاد. ولكن هذا العجز من غير الممكن أن يُعَلَّق على عاتق واحد أو اثنين من "العناصر السيئة" على حد تعبير الساسة. صحيح أن الصين ــ كبش الفداء المفضل لدى الجميع ــ تمثل القسم الأكبر من اختلال التوازن، ولكن مجموع العجز مع الدول المائة الأخرى أكبر.
لن يقول المرشحون للشعب الأميركي إن العجز التجاري ــ والضغوط التي يفرضها على العمال المجهدين المنتمين إلى الطبقة المتوسطة ــ ينبع من مشاكل صُنِعَت في الداخل. والواقع أن السبب الحقيقي وراء العجز التجاري المتعدد الأطراف الضخم الذي تواجهه الولايات المتحدة هو أن الأميركيين لا يدخرون.
كان مجموع ادخار الولايات المتحدة ــ إجمالي مدخرات الأسر والشركات والقطاع الحكومي ــ لا يتجاوز 2.6% من الدخل الوطني في الربع الرابع من عام 2015. ويعادل هذا انخفاضا بنحو 0.6 من النقطة المئوية عن العام السابق وأقل من نصف المتوسط (6.3%) الذي ساد خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين.
الواقع أن أي مقرر تعليمي يتناول الاقتصاد الأساسي يؤكد على الهوية المحاسبية الصارمة التي تجعل من تساوي الادخار مع الاستثمار ضرورة أساسية عند أي نقطة زمنية. وفي غياب الادخار يصبح الاستثمار في المستقبل ضربا من المستحيل.
بيد أن هذا هو موقف الولايات المتحدة حاليا. والواقع أن أرقام الادخار المذكورة أعلاه هي الصافي بعد تناقص القيمة ــ أي أنها تقيس الادخار المتاح لتمويل القدرة الجديدة وليس إحلال المرافق المنهكة. والمؤسف في الأمر أن هذا هو على وجه التحديد ما تفتقر إليه أميركا.
ولكن لماذا يشكل هذا أي أهمية في المناقشة الدائرة بشأن التجارة؟ لكي تتمكن الولايات المتحدة من مواصلة النمو، فيتعين عليها أن تستورد فائض الادخار من الخارج. وبوصفها القوة الاقتصادية الأكبر على مستوى العالم والدولة المصدرة للعملة الاحتياطية العالمية في الأساس، لم تواجه أميركا أية متاعب ــ على الأقل حتى الآن ــ في اجتذاب رأس المال الأجنبي الذي تحتاج إليه للتعويض عن النقص في الادخار المحلي.
ولكن الأمر لا يخلو من تطور بالغ الأهمية: إذ يتعين على الولايات المتحدة لكي يتسنى لها استيراد الادخار الأجنبي أن تدير عجزا ضخما في ميزان المدفوعات الدولي. وتتمثل الصورة المنعكسة لنقص الادخار في أميركا في عجز الحساب الجاري، الذي بلغ 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط منذ عام 1980.
هذه الفجوة المزمنة في الحساب الجاري هي التي تدفع العجز التجاري المتعدد الأطراف مع 101 دولة. ولكي يتسنى لها أن تقترض من الخارج، فيتعين على أميركا أن تعطي شركاءها التجاريين شيئا في مقابل رؤوس أموالهم: أو الطلب الأميركي على المنتجات المصنوعة في الخارج.
وهنا تكمن العقبة المتمثلة في تسييس مشاكل أميركا التجارية. ذلك أن إغلاق التجارة مع الصين، كما قد يفعل ترامب عمليا بفرض الرسوم الجمركية المقترحة بنسبة 45% على المنتجات الصينية التي تباع في الولايات المتحدة، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية. فمن دون علاج مشكلة الادخار، سوف يُعاد توزيع الحصة الصينية في اختلال التوازن التجاري الأميركي المتعدد الأطراف ببساطة على دول أخرى ــ في الأرجح لصالح منتجين أعلى تكلفة.
تشير تقديراتي إلى أن معدلات تعويض العمالة الصينية تظل أقل كثيرا من نصف مثيلاتها السائدة لدى أعلى عشرة موردين أجانب لأميركا بعد الصين. وإذا كان لهذه الدول أن تملأ الفراغ الذي يخلفه فرض العقوبات على الصين، كتلك التي يقترحها ترامب، فمن المؤكد أن المنتجين الأعلى تكلفة سوف يتقاضون ثمنا أعلى من ذلك الذي تتقاضاه الصين في مقابل المنتجات المباعة في الولايات المتحدة. وسوف تكون الزيادة الناجمة عن ذلك في أسعار الاستيراد بمثابة زيادة ضريبية فعلية على الأميركيين المنتمين إلى الطبقة المتوسطة. ويؤكد هذا على عقم المحاولات الرامية إلى إيجاد حلول ثنائية لمشاكل متعددة الأطراف.
ستيفن س. روتش عضو هيئة التدريس في جامعة ييل، والرئيس السابق لبنك مورجان ستانلي في آسيا.