بقلم: محمد محمود عثمان
تعمل الحكومات بكل طاقتها لمساعدة أسواق العمل وعناصرها من والشركات والمصانع والأفراد على الاستمرار في العمل والإنتاج لمواجهة التحديات القائمة والمتوقعة من تداعيات كورونا التي لم نتخلص منها بعد حتى الآن، إضافة إلى أثار الحرب على أوكرانيا وما سوف تفرضه من تداعيات سوف تكون هي الأسوأ إذا ما استمرت طويلا، لأن تقارير المعهد الوطني للبحوث لاقتصادية والاجتماعية البريطاني تشير إلى أن الحرب في أوكرانيا قد تضيف 3% إلى التضخم العالمي وتمحو تريليونات من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حيث إن جميع الأسواق تتفاعل سلبا وإيجابا مع المتغيرات الجيوسياسية في العالم، لأننا لا يمكن ان نعيش بمعزل عن الأحداث والمتغيرات العالمية وتأثيراتها
لذلك إذا لم ننحج في فرض الاستقرارفي اسواق العمل، وتحفيز الاقتصاد وتهيئة المناخ الاستثماري وبيئته المواتية المشجعة، فسوف لا نجد إنتاجا ولا نجد اقتصادا قادرا على التنمية وعلى توفير احتياجات المجتمع ومتطلباته، خاصة أن مايحدث من تطورات على الساحة الدولية، له تأثيرات على التصدير والاستيراد والسياحة وحجم الاستثمارات، ومعظم شعوبنا العربية - قد يكون بلا استثناء - تعتمد على استيراد احتياجاتها الغذائية من الخارج، ووقف الاستيراد حتى وإن كان جزئيا سوف يؤثر على حياة المواطن مباشرة، وينعكس ذلك على مصداقية الحكومات في مسؤوليتها في توفير الاحتياجات الغذائية والدوائية والصناعية، وارتباط ذلك بزيادة الأسعار، حتى وإن وفرت الحكومات احتياطا ت غذائية أومواد خام تدخل في الصناعات المحلية تكفي لعدة شهور، لأن العالم أجمع قد شعر بارتفاع اسعار السلع والمنتجات مع توقف سلاسل الإمداد لعدة أيام أو حتى ساعات، لأن الحرب على أوكرانيا وتداعيات العقوبات الأمريكية والأوروبية الشاملة على روسيا سوف تؤدي حتما إلى زعزعة الإمدادات التي تمر عبر البحر الأسود، حيث تعد روسيا موردًا رئيسيًا للخام والغاز الطبيعي والحبوب والأسمدة والمعادن مثل الألومنيوم والنحاس والنيكل، إلى جانب المنتجات الأوكرانية، فما بالنا إذا استمرذلك لعدة شهور أو سنوات وهى احتمالات قاتمة وقائمة ومتوقعة، واعتقد أن مخططي الاستراتيجيات الوطنية، يعلمون ذلك جيدا وعليهم من الأمس قبل اليوم توفير البدائل والاستعداد لهذه المواقف والتخطيط للاعتماد على النفس في توفير الاحتياجات من السلع الغذائية والإنتاجية بقدر المستطاع تحسبا لمثل هذه الأحدات الطارئة، ولا يمكن أن ننجح في ذلك بدون أعداد الأسواق وتهيئة بيئة العمل والتشريعات العمالية المتطورة التي تواكب المستجدات والتوجهات العالمية، ولا تكون عائقا أمام المستثمرين وشركات القطاع الخاص، لأن اسوق العمل لم تفق بعد من حالة الترنح التي لازمتها منذ جائحة كورونا، ولا من الضربات الموجعة التي أصابتها من القرارات غير المدروسة بداية من تسريح الخبرات العمالية الوطنية والوافدة، التي تسببت في نقص العمالة الفنية المدربة التي يحتاجها القطاع الخاص ويطالب بها المستثمرون في كل القطاعات، وفوق كل ذلك زيادة رسوم استقدام الأيد العاملة التي يمكن من خلالها مواجهة هذا العجز الذي لا ينكره أحد، وهذه واحدة من العقبات "الهيكلية والمتجذرة" التي تحول دون التحوّل إلى التنمية المستدامة والشاملة
وعلى الرغم من تكرار الشكوى والصرخات والمطالبات بتسهيل الإجراءت وتخفيف الرسوم الباهضة التي تكبل حركة الاقتصاد وتصيبه بالركود والكساد، في الوقت الذي يحتاج فيه إلى الانتعاش، وعدم إدراك ذلك خاصة عندما يعتقد - بلا وعي - بعض أصحاب القرار أنهم يعملون للصالح العام ويظنون أنهم يحسنون صنعا، وهو ضد الانطلاق إلى مضاعفة ساعات العمل واستغلال الطاقة الكاملة لخطوط الإنتاج المتوقفة، والمتأثرة من سلبيات الإجراءت الاحترازية التي فرضتها مواجهة فيروس كورونا ومتحوراته،
في ظل ما نعانية من المستويات العالية من البطالة وضعف الإنتاجية وإهدار الوقت وطاقة الشباب، لأنه بحسب تقريرللإسكوا ومنظمة العمل الدولية، بلغ عدد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية 14.3 مليون، مسجلة بذلك أعلى مستوى بطالة في العالم، والأخطر من ذلك ما يقوله خبراء في منظمة العمل الدولية: " إنه من المتوقع أن تسهم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد في بطالة عالمية لأكثر من 200 مليون شخص في 2022" خاصة إذا اضيفت إلى ذلك والضغوط المخاطر الجيوسياسية في منطقة البحر الأسود، والتقلبات والاضطرابات العالمية التي تجعل الأمر أكثر تفاقما، بعد أن تأثرت أسواق العمل كثيرا في العام الماضي إلى درجة الترنح الشديد، نتيجة لعدد من الإجراءات منها خفض الإنفاق وتسريح العمال وإجبار البعض على التقاعد المبكر، ، وتخفيض رواتب فئة كبيرة من العمال والموظفين بنسب تصل من 30 إلى50%، مع الحرمان من العلاوات والحوافز وفرض ضرائب مثل ضريبة الدخل والقيمة المضافة، وزيادة رسوم الخدمات واستقدام الأيد العاملة، وإذا استمرت هذه الإجراءات السلبية، مع استمرار نمط المعالجات التقليدية لها، مع عدم القدرة على خلق فرص عمل جديدة للأعداد المتزايدة من الباحثين عن عمل، فإن المخاوف ستظل مُسيطرة على الأسواق العالمية خاصة مع تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية وتوسيع نطاقها، مع وجود مأساة إنسانية بسبب زيادة اللاجئين والفارين من ساحة الحرب، ومع استمرار تداعيات كورونا الممتدة.