صدمة الأشياء

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٦/مارس/٢٠٢٢ ٠٠:١٤ ص
صدمة الأشياء

بقلم : محمد بن علي البلوشي

صدم الرئيس المصري الجميع حينما تحدث عن وظائف في سوق العمل عندما أوعز لحكومته بطرح وظائف لمبرمجين فتقدم لها 300 ألف شاب وشابة خضعوا لإمتحانات .كانت الصدمة أن عدد الذين اجتازوا الامتحان نحو 110 متقدما..تصوروا من 300 ألف متقدم تأهل منهم 110 فقط..هذا رقم صادم ينبئ عن مقياس جودة التعليم ليس في مصر وحدها بل العالم العربي وبخاصة في مثل هذه التخصصات الدقيقة التي يطلبها سوق العمل والمستقبل لها وعائدها المادي عال جدا..وكما قال الرئيس فإن ذلك لن يحبطه بقدر ماسيقاتل لتصحيح مساره.

هذه قصة يمكن ربطها بتوجيه وزيرة التعليم العالي للجامعات والكليات الخاصة لأن تتهيأ للتصنيفات العالمية.. إن جامعات البلاد حكومية وخاصة حتى اليوم بعيد بسنوات ضوئية عن التصنيفات العالمية ولربما أقتربت الجامعة الحكومية وحدها من بعض التصنيفات من بعيد.. هذا الطلب الذي دعا وزيرة التعليم العالي لأن تجتمع بمسؤولي الجامعات يضع الاخيرة في تحد لربما قادرة عليها او غير قادرة ولن تتمكن منه وأميل إلى الاخيرة فهي جامعات انشأت لسد حاجة السوق المحلي وليس لتنافس التعليم الغربي أو الأقليمي. ومع ذلك فإنه مطلب مهم حتى لاتتحول الجامعات لمجرد مباني و"صنادق"تقدم شهادات دون مراعاة الجودة التعليمية وتنسى كذلك العملية البحثية.. ويصبح هم القائمين عليها قذف الشهادات لمئات الخريجين والخريجات إلى سوق العمل وهم غير مؤهلين بالمهارات وبخاصة إلى تلك العلوم والتخصصات التقنية والتكنولوجية ومايشابهها والتي تحتاج إلى مهارات غير عادية..فالتأسيس أهم مطلب في هذه التخصصات وبمجرد فتح نافذة العمل سينخرط فيه بكفاءة. ترى هل رأت التعليم العالي أن هناك حلقات مفقودة في التعليم الجامعي الخاص وبحاجة إلى تصحيح وتعديل مساره الحالي..هل نستطيع أن نقول أن جودة التعليم العالي الذي تقدمه المؤسسات الخاصة بدرجة 5 نجوم أم نجمتان تصلح فقط للسوق العماني المتواضع بقطاعه الخاص والمهمين عليه من غير العمانيين بذريعة عدم امتلاكهم المؤهلات والقدرات للاعتماد عليهم فقط أو للاسباب الأخرى المآلوفة كالإنضباط والرواتب العالية التي لايستطيع القطاع الخاص دفعها..قصة طويلة.لاأدري ماذا تقدم أو ماذا كانت تقدم هذه الجامعات للسوق..لكن ذلك لايعني أن المخرجات رديئة وسيئة.

يحيط بي هذا التساؤل: هل تمكنت جامعاتنا من تأهيل الخريجين والخريجات ليس لسوق العمل وحسب بل كذلك للحياة..قدرتهم على تحدي الظروف وشق طريقهم واستثمار امكانياتهم حينما لاتتوفر الوظيفة أو العمل المؤسسي سواء بالحكومة أو القطاع الخاص لينافسوا في السوق ويبدأون بمشاريعهم الخاصة وكما أعلم أن هناك عدة مؤسسات حكومية وخاصة كذلك تقدم الدعم لمن يتبنى مشروعا خاصا وتسنده..هل يستطيع هؤلاء ان ينافسوا بمهاراتهم في هذا الجانب..لست على يقين..فحينما يصطف مئات أو الالاف من الخريجيين للحصول على فرصة عمل مؤسسي أقول أن هؤلاء بحاجة إلى إعادة تأهيل.

هنا استحضر مايتداول لخريجيين أنفقوا سنوات في الدراسة وتخرجوا وطال صبرهم للعمل لكنهم لم يفكروا بالمبادرة على بدلا من الانتظار..والنتيجة أن قدرتهم على مواجهة الحياة والصعاب والرغبة في بناء الذات ولو بالقليل يقودهم ضمن سقف بيع الشاي أو المأكولات الشعبية ولاأدعي ان ذلك بسيء فالكفاح لأجل لقمة العيش حق مشروع لكن ماهي القدرات التي قدمتها له الدراسة لمواجهة الحياة هل سقفها بيع الشاي ..إن المال ليس معضلة لطالما ان وجد فكرة تسويقية لكن ليس بكل الطلاب افقهم واحد لكنني هنا اشعر بالإحباط أن هؤلاء الخريجيين لم تقدم لهم علومهم ان تتبعها مهارات مواجهة الحياة فظلوا نياما في منازلهم وقلة منهم واجهوا واستثمروا مهاراتهم.هل هناك قصور في التعليم..لاأدري لكن لا أتوقع أن خريجا سقف عقله هذه المهن التي يستطيع أي شخص أن يقوم بها بدون أن يكون متعلما.هناك الحالة الثانية التي تدفعني إلى التساؤل كيف يتقدم مئات الباحثين عن عمل إلى وظيفة حارس..الوظيفة التي في مخيلتنا لاتتطلب تعليما ولاجهدا سوى تنظيم حركة المكان وحراسته في غرفة النوم فالبلاد أمنة وليس حارسا على محل صرافة أو مكينة صرف ألي كما نشاهده في كثير من الدول.هل هؤلاء الذين درسوا على الأقل بجرعات تعليمية لانستطيع أن ندربهم ونؤهلم لسوق العمل وتعجز الحكومة عن تنمية مهاراتهم ليتقدم على سبيل المثال نحو 200 شخص لوظيفة حار س بجهة حكومية..هذا خلل مهاراتي وكذلك مجتمعي..الخلل تعالجه الحكومة وهو ضمن مسؤوليتها لتغيير أفكار المجتمع السلبية عن العمل حيث تتلقف النشء من التعليم الاساسي إلى يوم تخرجه من المدرسه.كيف وظفت وزارة التربية والتعليم يريد كثير من الخرجين والخريجات سواء من داخل السلطنة وخارجها ليقوموا بالتعليم في وظيفة معلم وهم لم يجتازوا معايير القبول..لكن توظيفهم كان لإسكات النداءات الإجتماعية.هذه علل ينبغي تصحيحها.