بقلم : علي بن راشد المطاعني
لعل من متطلبات المرحلة الراهنة والقادمة ومن بينها تنفيذ رؤية عُمان 2040، أحداث تغيرات كبيرة في منهجية العمل والتوظيف القائمة علي الجدية ومكافأة الجادين والمبدعين ونبذ الكسل والإتكالية والركون والنوم على وسائد العقود الأبدية.
ولعل قرار وزارة العمل باصدار نظام العقود للعمل في الأجهزة الإدارية للدولة يأتي من هذا المنطلق الهادف إلى تغيير فلسفة العمل في القطاع الحكومي من أشبه بالجمعيات الإجتماعية والخيرية إلى نظام عمل أكثر جدية وصرامة في الإلتزام بمؤشرات العمل المتمثلة في الأداء المتميز والتطوير المستمر والإرتقاء الشخصي عبر أخلاقيات المهنة كإحترام أنظمة العمل والوقت والإنتاجية والكفاءة المفضية لتحقيق معدلات عالية في مقياس ريختر الخاص بالفاعلية المهنية وغيرها من المتطلبات الجوهرية التي يتطلب توفرها في أمكنة العمل وبيئاته.
فمثل هذه القرارات لايجب أن تثير الشارع أو تزعجه العكس هو الذي ينبغي أن يسود بإعتبارها جزءا لا يتجزأ من التغيير الذي يتطلب أن يشهده القطاع الحكومي في الإنتقال من مرحلة إلى أخرى تتسم بالمواظبة والجدية في الأداء وبما يحقق أهداف كل جهة في الوصول إلى التطلعات التي تستهدفها كل جهة والحكومة بشكل عام، وإذ الكل يطالبها أي الحكومة بتحسين أداء قطاعاتها وخدماتها، وتلبية تلك التطلعات المشروعة يتطلب معه إصدار مثل هذه القرارات التي تجعل الموظف أبدا حاضرا وملبيا لرغبات المراجعين وأصحاب الحاجات والمستفيدين من خدمات الجهة التي يعمل لديها، خاصة عندما يدرك بأن هناك تقييم أداء ومؤشر لفاعليته وعقد عمل قد يتجدد تلقائيا والعكس أيضا صحيح وبناء لمعطيات العامل، فهو على الأقل سيدرك من تلقاء ذاته إن كان عقده سيتم تجديده أم لا.
على ذلك يتطلب منا أن نحسن الظن في مثل هذه التوجهات ومواكبتها بتغيير نمط حياتنا القائم قبلا على الإتكالية واللامبالاة فذلك زمن قد ولى، وليس هناك الآن أنصاف حلول، فإما أن تكون بمستوى الوظيفة أو بمستوى ترك الوظيفة ليست هناك منطقة وسطى أو لون رمادي في هذا الشأن.
فالحكومة يهمها في المقام الأول تحقيق إستقرار العاملين، وفي الوقت ذاته إستقرار الأداء في كل مؤسسات الدولة وبمستوى فاعلية فردي عالي المستوى لكل موظف، فالمؤشرات القديمة كانت تشير إلى أن مستوى فاعلية أغلب العاملين متدن للغاية، فهناك من يأتي مبكرا لمقر العمل، ويخرج عند إنتهاء الدوام، ولكن في قرارة نفسه يعلم إنه لم يؤد أي عمل يذكر، رغما عن إنه ينال راتبا كاملا، وإذ نقص هذا الراتب ريالا واحدا سيملأ الدنيا صياحا وهو أيضا يعلم في دواخله بأنه لايستحق هذا الراتب من أساسه.
إذن فإن النظام الجديد يهدف بداية ونهاية لرفع مستوى فاعليه الموظف أو العامل لأعلى مستوى ممكن من خلال ما يقدمه من إنتاج فردي حقيقي، فلا يعقل أن يتساوى صاحب الفاعلية اليومية بمستوى 99% مع آخر مستوى فاعليته لن تزيد عن 5% الفرق شاسع والبون كبير، لنا أن نتفق جميعا من أنها كارثة عندما ينال الأول والثاني نفس الأجر، وقد يكون صاحب ال 5% راتبه أعلى من صاحب الـ 99%، فأين العدل هنا، بل اين الإستواء، فعقود العمل الجديدة تهدف لإقتلاع مثل هذه التشوهات من أنظمة العمل والرمي بها في أقرب سلة مهملات، كما أن الحكومة ليس من مصلحتها الإستغناء عن موظفيها، هي حريصة عليهم بالتأكيد، وفي المقابل ليس أقل من أن يكونوا هم أيضا كذلك.
الجانب الآخر فإن مثل هذه القرارات جاءت بعد رصد وتحليل أخطاء المراحل الماضية حيث تراجعت فيها مستويات الفاعلية الوظيفية لمستويات متدنية ومؤسفة في آن معا، على ذلك ما من مناص غير إعادة الأمور لنصابها بهذا النحو الجريء والذي يجد الترحيب من كل حادب على مصلحة الوطن والمواطن.
إن مثل هذه القرارات الجادة من الطبيعي أن تصدر في إطار إعادة هيكلة منظومة العمل والأداء في مرافق الدولة المختلفة وبما ينسجم ويتسق مع رؤية عُمان 2040 كما أشرنا بعاليه، ففي إطار هذه الرؤية التي نعول عليها كثيرا لامكان لعشاق النوم على الطاولات.
ومن الجوانب المهمة التي ألهمت الوزارة اتخاذ هذه الإجراءات هو تسوية الفوارق بين القطاعين العام والخاص، في ظل عزوف الباحثين عن عمل في القطاع الخاص وتمركزهم في خانة القطاع العام ليل نهار أملا في إيجاد ثغرة يدلفون عبرها إلى تلك الجنة وارفـــــــة الظلال، والنأي عن جهنم القطاع الخاص عبر كافة الوسائل والسبل، لقد آن الأوان لانتهاء هذه الإزدواجيــــــــة اللا منطقية وإلى الأبد.
وهناك ناحية أخرى هي أن مثل هذا القرار يوفر ديناميكية للجهاز الحكومي ليتسنى له عبرها الوصول للكوادر المؤهلة والقادرة على العطاء الدائم عبر نسبة فاعلية وظيفية تصل لـ 100% في أسوأ الأحوال، عندها يمكننا القول أن هذا القطاع يحقق بنحو كامل تطلعات المواطنين ويستجيب بإيجابية لمتطلبات المرحلة.
بالطبع أن العقد الجديد يشمل العاملين الجدد الذين سوف يلتحقون بقطار العمل الحكومي في المرحلة القادمة بعد إصداره ولن يمس حقوق الموظفين الحاليين الذين ستتاح لهم الفرصة كاملة إزاء البقاء بهذا القطار المسرع، أو الترجل عنه في أقرب محطة قادمة.
نأمل أن نكون جزءا لا يتجزأ من التوجهات الجديدة في العمل، إذ ليست هناك تحفظات تذكر عليها ما بقيت النوايا خالصة ومتفقة ومتوحدة حيال حتمية تطوير الأداء العام في كل مرافق الدولة ودواوينها.