مسقط – حنان العمدوني وحسن اللواتي
قال رئيس اللجنة الوطنية لتطوير خدمات أمراض الكلى بالسلطنة، استشاري أول رئيس قسم الكلى بالمستشفى السلطاني د. عيسى بن سالم السالمي إن هناك فجوة تعانيها مستشفيات السلطنة من حيث التبرع ووجود المتبرعين بأعضائهم.
وأشار في حديث لـ "الشبيبة" إلى أن هناك 1 % على أقل تقدير من الأفراد بالسلطنة لديهم فشل كلوي شديد و9 % يعانون من فشل كلوي متوسط و30 % لديهم فشل كلوي بسيط، وهناك 1500 مريض يجرون الغسيل الدموي و160 يجرون الغسيل البروتوني.
وأضاف السالمي: تتمثل هذه الفجوة بناء على ذلك في أن الذي يجرون عمليات زراعة للأعضاء هم قليلون فلا يتجاوزون 20 أو 25 شخصاً سنويا، وهو عدد متواضع جدا، إذ إنه في المقابل توجد أسبوعيا 30 حالة وفاة، ما يعني أنه لو كان هناك واحد او اثنان من المتوفين أسبوعيا يتبرع بعضو على الأقل فسنكون قد أغلقنا الفجوة ويكون لدينا احتياطيا كذلك.
وأكد السالمي أنه لا يتم شراء وبيع الأعضاء في السلطنة، وأوضح بالقول "كل العمليات تتم من خلال التبرع بالعضو وأغلبها من أقارب المريض وأحيانا من غير الاقارب، ولكن وفق نهج معين، فيجب أن تستوفى مجموعة من الشروط والموافقات".
وأضاف أن كل عمليات الزرع التي حصلت في السلطنة اقتصرت على الكلى والنخاع وتمت بالتحديد في المركز الرئيسي بالمستشفى الجامعي وكانت كلها ناجحة.
وذكر أن عدد حالات الزراعة نحو 60 إلى 80 شخصاً سنوياً، 20 حالة تتم في السلطنة والبقية خارجها عن طريق الشراء، لافتا إلى أن أكثر الدول التي يشتري منها العمانيون الأعضاء هي باكستان.
وبين أن ذلك يعود إلى نقص المتبرعين في السلطنة، ما يجبر مئات المواطنين على السفر والتعرض لصعوبات أملاً في حياة صحية.
وقال إنه لمعالجة هذه المعضلة، فقد قامت وزارة الصحة بتوزيع بطاقات تبرع بالأعضاء، في خطوة مهمة لإنقاذ الأرواح.
أهمية التبرع بالأعضاء
وأكد السالمي أهمية وجود الوعي بالتبرع في المجتمع العماني، حيث إن الشخص المتوفى يكون من الأجدر إنسانيا له أن يتبرع بكلية أو بكبد لإنقاذ حياة إنسان، بدلا من أن تذهب تلك الاعضاء إلى التراب.
وقال: أهمية التبرع بالاعضاء بعد الموت الدماغي نابعة من عدة أسباب أولها كثرة الامراض غير المعدية مثل السكري والضغط التي أدت إلى ارتفاع نسبة مرض الفشل الكلوي في السلطنة كما هي في باقي دول العالم، ثانيا أن العلاج الأمثل للفشل الكلوي هو زراعة العضو، وليس ذلك حكرا على الفشل الكلوي فهناك أيضا الفشل الكبدي الذي يتطلب زراعة أيضا.
وأضاف رئيس اللجنة الوطنية لتطوير خدمات أمراض الكلى بالسلطنة أن زراعة العضو تنقذ الانسان من كونه عبئا على نفسه وأسرته ويراجع المستشفيات لاكثر من أربع مرات أسبوعيا وفي كل مرة يجلس لاكثر من أربع ساعات مربوطا بالاجهزة وهو شيء متعب قبل وخلال وبعد عملية الغسيل فتحقق الزراعة نقلة نوعية لهذا الشخص في حياته إنسانيا وبعد زراعة العضو يعود هذا الانسان إلى كونه فردا منتجا في المجتمع يستطيع القيام بواجباته تجاه أسرته ومجتمعه.
وذكر السالمي أن زراعة الاعضاء في دول الخارج كأوروبا وأمريكا وكندا واستراليا تكون من المتوفين دماغيا أو الموت المفاجئ مهما كان سببه وبذلك يتم نقل أعضائهم إلى أشخاص يعانون الفشل الكلوي او الفشل الكبدي او غير ذلك من الامراض التي يكون فيها العلاج الامثل عن طريق زراعة الاعضاء.
وأكد بالقول: في النهاية هو أمر إنساني بغض النظر عن الامور الاجتماعية او الدينية حيث ان نقل الاعضاء من الاحياء وبخاصة الاقارب هو شيء جيد لكن، يظل نقلها من شخص متوفى أفضل من أخذ عضو إنسان حي.
الجانب الديني
وقال د. السالمي إن المتوفى حينما يتبرع بأعضائه فإن ذلك يعتبر نوعا من الصدقة أو الحسنة. وأضاف: اعتمدنا على فتوى من سماحة المفتي العام للسلطنة وكذلك من مجمع الفقه الاسلامي بمكة المكرمة ومن الازهر الشريف وفي جميع الدول الاسلامية حيث أقرت هذا الموضوع.
ومن المنظور الديني قال السالمي ان المجتمع المسلم لا بد ان يكون أفراده متلاحمين حيث ان المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص كما ان الفرد المسلم حينما ينقل عضوا لإنقاذ حياة إنسان فإنه ينطبق عليه قول الله عز وجل: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". ومن ناحية أخذ أعضاء المتوفين فهي تعتبر صدقة جارية وقد تكون من الأفضل في هذا الباب.
الموت الدماغي
وقال رئيس اللجنة الوطنية لتطوير خدمات أمراض الكلى بالسلطنة: عندما نتحدث عن الموتى الدماغيين فمن المفترض أن يكون الشخص قد وصل إلى المستشفى إما في أقسام الطوارئ أو في الانعاش. ولدينا في مختلف مناطق السلطنة مراكز عناية مركزة بالاضافة إلى أقسام الطوارئ، فالشخص الذي يأتي إلى المستشفى في حالة خطرة يتعاملون معه أولا بالتنفس الاصطناعي او التغذية الاصطناعية وبعد ذلك تحدد ماهية الحالة، بمعنى ما إذا كان الشخص متوفى دماغيا أو لديه قابلية للحياة. وبعد فحوصات مكثفة يتم التأكد من الموت الدماغي للشخص وأنه لا أمل من عودته للحياة إلا في حال استمرار ربطه بالأجهزة إلى ما لا نهاية، فالموت الدماغي هو أن يكون الدماغ غير قادر على أداء وظائفه.
وأضاف د.السالمي: هنا يمكن أخذ الكلى أو أي عضو. وعلى سبيل المثال إذا حصل الموت الدماغي لشخص من ولاية نزوى وكنا نريد نقل العضو إلى حالة في مدينة صلالة فإن الجراح يستطيع أن يأخذ الكلى وتوضع في جهاز مخصص يحافظ على سلامتها وجاهزيتها للزرع لغاية 30 ساعة، وهو وقت كفيل بنقل العضو، ففي الدول الاوروبية يتم نقل العضو من دولة إلى دولة بسهولة.
حالات متعددة
وتطرق رئيس اللجنة الوطنية لتطوير خدمات أمراض الكلى بالسلطنة الى عدد الحالات التي تعاني من أمراض تتطلب نقل اعضاء بشرية إليها قائلا: لدينا سنويا نحو 150 شخصا مصابا بالفشل الكلوي المتأخر من كل مليون، ما يعني تقريبا أن 300 شخص يصابون سنويا بالفشل الكلوي ويحتاجون إلى نوع من الغسيل او الزراعة.
وبين أن أهم الأسباب في ذلك هي أمراض السكري وضغط الدم والالتهابات المناعية والاستخدام غير الصحيح للادوية والاعشاب.
ونفى السالمي ما يشاع عن أن مياه الشرب في السلطنة سبب من أسباب الاصابة بالفشل الكلوي، وأكد أن هذا غير صحيح إلا في بعض حالات المياه التي تنبع من أماكن محدودة وفيها كميات كبيرة من الرصاص أو الزئبق، ما ذكر أنه نادر جداً.
اللجوء للخارج
وقال د.السالمي إن النظام الصحي للتبرع بالاعضاء للموتى الدماغيين في السلطنة لايزال في بداياته، ولو اكتمل لدينا هذا النظام وزاد الوعي عند المجتمع فإنه لابد من التبرع وجعله قانونا، ففي بعض الدول مثل سنغافورة وبعض الدول الاوروبية فإن أي شخص يتوفى دماغيا يعتبر متبرعا بأعضائه قانونيا ولا يحتاج لأخذ أي نوع من التصريح أو الاستشارة ليصبح لديهم فائض في حين لدينا في السلطنة قوائم طويلة لأشخاص ينتظرون أي متبرع لإنقاذ حياته في الوقت الذي لدينا فيه حالات وفاة تتجاوز الـ 30 حالة أسبوعيا، ولكن الوعي بأهمية التبرع هو المشكلة.
واعتبر السالمي أن هناك نوعا من "الأنانية" عندما لا يريد الشخص أخذ عضو من أحد الاقارب وفي الوقت نفسه لا يمانع التحول إلى الخارج وشراء العضو من شخص فقير.
وأضاف: في الواقع حتى هذا الفقير لا يحصل إلا على القليل من المال حيث تسيطر مجموعة الوساطة أو السماسرة، فحين يدفع أحد العمانيين 20 ألف ريال عماني مثلا مقابل عضو فإن الشخص المتبرع لن يحصل سوى على 500 ريال عماني في ظل وجود السماسرة والتجار، وهو عمل غير قانوني لا يتم في المستشفيات بل في عيادات مختصة بهذا النوع من العمليات. وبالرغم من نصائحنا يذهب المواطن مخالفا كل القوانين والاعراف فضلا عن الدين الاسلامي الذي يمنع استغلال الافراد ويقوم بتلك العمليات التي تعد استغلالا ولا تصح في أي حال من الاحوال.
وقال رئيس اللجنة الوطنية لتطوير خدمات امراض الكلى بالسلطنة إن الزراعة غير الشرعية والمخالفة للقوانين والاعراف تعني أن يزرع المصاب عضوا مقابل مبلغ من المال، ما يعد أمرا غير شرعي وغير قانوني، مشيرا إلى وقوع استغلال لحالة الاشخاص الفقراء والذين لا يحصلون في المقابل سوى على القليل.
وأشار إلى أن عمليات الشراء والزراعة في الخارج بدأت في الهند والفلبين وإيران والعراق ولكن خلال الـ 10 سنوات الاخيرة اتجه العمانيون أكثر إلى باكستان والصين بخاصة بعد أن شددت الدول السابقة على القوانين وغلظت العقوبات تجاه كل من يتاجر بالأعضاء.
في السلطنة قال السالمي: نعمل الآن على بناء نظام نبدأ فيه من الابسط والاسهل حيث بدأنا بعمليات زراعة الكبد والنخاع. ومن خلال مرسوم سلطاني ستكون هناك مدينة صحية تشمل مركزا مختصا في زراعة الاعضاء بكل أنواعها. واكد أن الخطة موجودة ويقوم دورنا حاليا على عملية تثقيف المجتمع والافراد بأهمية التبرع بدءا بالشيء البسيط كالكلى والكبد لأن السلطنة تملك إمكانيات وكادرا مؤهلا وصولا إلى زراعة أعضاء أخرى في المستقبل.
بطاقة المتبرع
وحول بطاقة المتبرع قال د. السالمي إنها تحمل اسم الشخص والرقم المدني الخاص به والتوقيع وكذلك رقم أحد أفراد العائلة المقربين، ويتم وضع علامة على عضو معين أو على جميع الاعضاء، وبذلك يكون صاحب البطاقة متبرعا في حال موته سواء بعضو واحد أو بجميع الاعضاء مثل الكلى والقلب والكبد والرئة والبنكرياس والعيون وغيرها، ويمكنه ان يسجل ويتسلم بطاقته من المستشفى.
وأضاف: لدينا في المقابل بيانات كل الاشخاص على الاجهزة وعند وفاته يتم الرجوع للبيانات والمعلومات، وهذا نظام مبدئي إلى أن يتم الانتهاء من وضع رغبة التبرع في البطاقة الشخصية إذا ما رغب الشخص بذلك لتصبح في سجله المدني وكذلك في رخصة القيادة حيث انه لدى استخراج الرخصة او تجديدها تتم تعبئة استمارة ومن ضمن الاسئلة سيكون هناك سؤال خاص بالرغبة في التبرع بالاعضاء وإذا كان الجواب بالايجاب يتم إعلامنا عبر النظام كنوع من التنبيهات.
وأشار إلى منذ انطلاق الحملات التثقيفية بضرورة التبرع هناك تجاوب كبير وبخاصة من بعض أعضاء مجلس الشورى الذين سجلو وتسلموا بطاقات المتبرعين، ما يدل على الثقافة العالية والوعي الكبير لديهم.
وقال: هناك أشخاص جاؤوا إلى المستشفى، والاقبال جيد، وهذا دليل على مقدار تحضر المجتمع وقبوله لخدمة أبنائه. وليس هذا بالشعارات بل بالانخراط في العمل الاجتماعي والانساني.
ولفت إلى أن البطاقة كانت موجودة منذ 10 سنوات في المستشفى السلطاني وكانت عبارة عن ورقة بيضاء تحمل فقط اسم الشخص لكن تم تعديلها، آملا أن تتم الامور كلها الكترونيا تماشيا مع التوجه نحو الحكومة الالكترونية وأن تكون صفة المتبرع موجودة على الانظمة الالكترونية مثل البطاقة الشخصية أو رخصة القيادة.
----------------------------------------------------------------
من واقع المعاناة.. فتى مريض وأب مكلوم و"أطباء سماسرة"
"لقد قادونا إلى بيت مهجور في منتصف الليل. تركوني أنتظر في مجلس متسخ بينما أخذوا ابني ذا التاسعة عشرة من العمر إلى المطبخ، حيث أجروا عملية زراعة الكلية بين الصحون الملطخة ببقايا الطعام والأفران المتسخة".. هكذا تحدث المواطن "س.س." عن رحلته إلى دولة آسيوية لزراعة كلية لابنه بسبب عدم وجود متبرعين بالكلى في السلطنة وعدم رغبة أحد بالتبرع له.
لم يكن المواطن "س.س." يدرك ما ينتظره في المطار عندما قرر اصطحاب ابنه إلى تلك الدولة الآسيوية لإجراء عملية استزراع كلية، بعد أن تقطعت به السبل – كغيره من العمانيين- في الحصول على متبرع محلي.
وبسبب النقص الحاد في عدد المتبرعين بالأعضاء في السلطنة، فإن الكثير من العمانيين يتوافدون سنويا إلى دول آسيوية لإجراء عمليات استزراع غير شرعية، بحسب الأطباء المحليين.
بدأت قصة "س.س." عام 2014 عندما أقنعه أحد زملائه بالتوجه إلى دولة آسيوية حتى يخضع ابنه لعملية "مضمونة" وبسعر "ملائم" لا يتعدى 14 ألف ريال عماني.
ويقول: "للأسف وثقت باقتراحه واتبعت تعليماته. أدركت –بعد فوات الأوان- أنه قد تم خداعي. لقد كان هذا الشخص يعمل مع أطباء منخرطين في السوق السوداء للأعضاء ويتقاضى أجراً مقابل تحويل المرضى لهم".
في سبتمبر 2014، وصل الأب وابنه إلى العاصمة الآسيوية واستقبلهم عميل في المطار، ثم أخذهم عبر المناطق المزدحمة إلى أحد الأحياء الراقية.
ويقول: "مكثنا في منزل جيد حيث تم توفير عاملة تقدم لنا الفطور، والغداء، والعشاء"، مضيفا أن العميل قام بتحذيرهم من الخروج من المنزل نهائيا.
وبعد مرور عشرين يوما من انتظار خبر من العميل حول الحصول على كلية، تلقى المواطن "س.س." مكالمة مفاجئة في العاشرة مساء من العميل الذي طلب منه الصعود إلى المركبة التي تنتظره خارج المنزل، مشيرا إلى أن ذلك أصابه بالقلق لشعوره بأن ثمة شيئا مريبا في الأمر.
أخبرهم سائق المركبة أنه سيأخذهم إلى موقع إجراء العملية، ولكن بعد 15 دقيقة من القيادة ليلا، تفاجأ الأب أنه في قلب منطقة سكنية لا مستشفى فيها، حيث قام الأب المرتبك وابنه باتباع السائق الذي أوصلهما إلى منزل مهجور.
ويقول: "بمجرد دخولنا، شاهدنا أربعة بانتظارنا وطلبوا مني الانتظار في المجلس بينما أخذوا ابني إلى المطبخ.. النوافذ كانت مغطاة بستائر سوداء غليظة".
وأشار المواطن "س.س." إلى الضرورة التي ألجأته إلى هذا الطريق بالقول "لم أعلم ما علي فعله.. ابني كان في حاجة إلى كلية وكان من المحتم علي إنقاذ حياته".
كان المكان غير مهيأ إطلاقا لإجراء أي عملية، ولكن لم يكن لدى "س.س" خيار آخر. قام الرجال بتخدير ابنه عند الساعة الواحدة صباحا. وخلال ساعات الانتظار، طلب الأب من العميل أن يدله على الشخص الذي باع كليته، حيث يقول "أشار العميل إلى غرفة مغلقة، عندما دخلت، فوجئت برجل عار يرقد على الأرض" مضيفا أنه عرف في وقت لاحق أن الرجل تلقى 200 ريال عماني فقط لقاء "تبرعه".
بعد ثلاث ساعات، بدأت عملية التعقيم من قبل الأطباء الذين لم يكونوا قادرين على فهم أي كلمة باللغة الإنجليزية، وفقاً لحديث الأبى الذي يقول "كانت عملية التعقيم مثيرة للاشمئزاز.. المضمدة كانت تجلب الماء الساخن في وعاء قديم من الحمام وتغسل به ابني.. وكانت الأرضية الرخامية الباردة ملطخة ببقع الدم".
لم يمض وقت طويل بعد الانتهاء من الجراحة عندما طلب الأب من ابنه مغادرة المنزل المهجور. وعن ذلك يقول "كان متعبا، لكني ضغطت عليه للمشي في أقرب وقت ممكن".. ذلك المكان كان فظيعا، وكنت أرغب العودة مع ابني إلى مسقط".
بعد وقت قصير من وصوله إلى السلطنة، أخذ المواطن "س.س" ابنه إلى مستشفى محلي للخضوع لبعض الفحوصات. ولسوء الحظ، كانت النتائج صادمة.
ويكشف الأب عن هذه الصدمة بالقول "الجراحة أفسدت أمعاء ابني، وتم خلالها قطع مجرى البول، كما تلفت الكلية الجديدة".
قال الأطباء للأب إن ابنه بحاجة لإجراء عمليات متعددة في بطنه، ما دفعه إلى السفر بابنه إلى خارج البلاد لعلاجه من المضاعفات الجديدة.
وذكر أن الفحوصات تمت تغطيتها لاحقا من قبل وزارة الصحة، مشيرا إلى أن ابنه لا يزال يعاني من آثار الجراحة غير القانونية. وفي الوقت الراهن، ما زال الصبي يخضع للعلاج في المستشفي السلطاني.
"س.س" يكرس الآن معظم وقته لتحذير المرضى من الجراحات غير الشرعية، بالإضافة إلى رعاية ابنه بعد أن وقع ضحية الأطباء غير المهنيين.
*************
مرضى عمانيون يتعرضون لخداع الوسطاء
أسابيع وشهور من الانتظار للحصول على كلية بديلة فرضت على كثير من المواطنين العمانيين السفر إلى الخارج اضطرارا وليس رغبة، للخضوع لعمليات استزراع غير شرعية، تكون في بعض الأحيان مميتة.
وعلى الرغم من أن تجارة الأعضاء البشرية عمل مرفوض أخلاقيا ومحظور عالميا، فإأن العمانيين، وبسبب نقص عدد المتبرعين في السلطنة، لا يجدون حلا سوى إنفاق مبالغ طائلة تتعدى 20 ألف ريال عماني في السوق السوداء للأعضاء.
يذكر أن السلطنة هي واحدة من أكثر ست دول في العالم استيرادا للأعضاء، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2003، حيث تأتي باكستان في مقدمة الدول المصدرة إلى السلطنة، تليها إيران والهند، كما سجلت حالات استزراع غير قانونية في مصر مؤخراً.
وبالرغم من سن قرار حظر عمليات أخذ الكلى من المساجين قبل أعوام، فإن بعض الدول ما زالت تتاجر بأعضاء المحكوم عليهم بالإعدام، لبيعها لاحقا بأسعار باهظة تصل إلى 40 ألف ريال عماني، بحسب ما صرح به مصدر في المستشفى السلطاني.
يقول الطبيب الاستشاري د. صادق عبد الباقي "يتعرض المرضى العمانيون للخداع من قبل التجار الفاسدين، الذين يتحايلون على قوانين بلدانهم في بلدان آسيوية".
ويضيف: بما أن هذه العمليات غير قانونية، فإن الجراحين المختصين يرفضون الدخول في هذه التجارة، والكارثة تقع عندما يجري هذه العمليات جراحون مبتدئون في أماكن غير مهيأة، كالسراديب والمنازل وأحيانا المزارع، مشيرا إلى أن هذه العمليات محفوفة بالمخاطر التي قد تودي بالمريض إلى الهلاك.
ويؤكد الطبيب "شاهدت مآسي كثيرة.. مرضى يعانون من مضاعفات عديدة كالتسرب، واسوداد الكلية بسبب نقص الدم، وحالات وفاة أيضا"، مشيرا إلى أن الكلى المزروعة لا تدوم طويلا عادة بسبب كونها غير مأخوذة من أحد أقارب المحتاج.
عمليات وهمية
اللافت أنه في بعض عمليات الاحتيال التي يقوم بها التجار على حساب المعطي والمستقبل، فإن الجراح يجري عملية وهمية دون زراعة فعلية للكلية، بحسب قول د. بدرية الغيثية، التي أشارت إلى محاولات المواطنين اليائسة، ابتداء من بذل مبالغ طائلة، ووصولا إلى السفر عبر وسطاء غشاشين، والتي غالبا ما تذهب أدراج الرياح، ويقع أصحابها ضحايا براثن هذه التجارة البشعة.
أسرة عمانية -رفضت الكشف عن اسمها- ذهبت مؤخرا إلى دولة آسيوية لإجراء عملية زرع كلية لطفلها الصغير، تقول "قابلنا مجموعة من الرجال عند وصولنا، وقد عصبوا أعيننا وأخذونا إلى منزل مهجور وأجروا عملية استزراع فاشلة في غرفة تفتقر لأساسيات النظافة".
من جهته يقول د. عبد الباقي "رأيت كلى مزروعة في أماكن خاطئة، وجروحاً في أماكن عديدة، وجراحات وهمية دون كلى جديدة"، مؤكدا أن الأدوية التي تعطى للمريض بعيد الجراحة عادة ما تكون غير صحيحة.
وأوضح بالقول "الجرعات المعطاة تكون خاطئة، ولا يحصل المريض على ورقة إخلاء واضحة، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بما حصل تحديدا أثناء الجراحة"، مؤكدا أن لمثل هذه الجراحات مضاعفات متعددة.
وذكر أن بيع الأعضاء البشرية ممارسة غير محبذة دينيا، ولا أخلاقيا، أو حتى طبيا، وأن معظم الذين يبيعون أعضاءهم يكونون مدمني مخدرات أو كحول، ويكونون مستعدين لفعل أي شيء للحصول على المال.
25 طفلاً بالانتظار
حاليا، تضم قائمة الأطفال المنتظرين لزراعة الكلى في السلطنة 25 طفلا، وهم يذهبون بشكل دوري للمستشفى لإجراء غسيل الكلى، حيث تقول د. الغيثية "بعض الأطفال يعيشون على الغسيل لفترة طويلة. الغسيل ليس حلا، بل جسرا مؤقتا يبقي المريض حيا حتى يحصل على مبتغاه"، مشيرة إلى مضاعفات سلبية تنتج عن عمليات الغسيل المتكررة.
الجدير بالذكر أن الطفل المستحق لكلية يجب أن يكون عمره أكثر من عام واحد، وأن يزيد وزنه عن 10 كيلوجرامات، حتى يخضع لعملية زراعة. وبالإضافة إلى الأطفال، فإن هناك الكثير من البالغين في قائمة الانتظار الطويلة.
ويقول د. عبدالباقي: يعاني حوالي 1 % من المواطنين من أمراض متعلقة بالكلية، وجميعهم محتاجون لكلى بديلة وصحية.
وبحسب كتيب صادر عن وزارة الصحة فإن المتبرعين بالكلى يميلون إلى الاهتمام بصحتهم بشكل أكبر، وبالتالي تتحسن جودة حياتهم وصحتهم.
وعند سؤالها حول أسباب تخوف العمانيين من التبرع بالأعضاء، تقول د. الغيثية إن "غياب ثقافة التبرع وجهل الناس بأهمية هذا العمل النبيل أبرز الأسباب، بينما لا يستطيع البعض التبرع لعدم كفاءتهم الجسدية، مثل المصابين بالسكري، وضغط الدم، وأمراض أخرى".
وبحسب تقرير تلفزيوني عبر تلفزيون سلطنة عمان، فإن هناك حاليا 15 ألف مريض في السلطنة بحاجة إلى غسيل كلى.
وبالحديث عن غياب الوعي، قال د. عبد الباقي إن كثيرا من المواطنين كانوا يتجنبون حتى التبرع بالدم في سبعينيات القرن الفائت.
وفي سبيل معالجة النقص الحاد في أعداد المتبرعين، قامت وزارة الصحة مؤخرا بإجراء حملة توعوية في مسقط جراند مول، لنشر ثقافة التبرع والتعريف بأهميته.
وفي تقرير صادر عن قسم الخدمات الصحية والإنسانية الأمريكي، فإن 12 شخصا من المسجلين على قوائم انتظار المتبرعين بالأعضاء يقضون نحبهم يوميا.