بقلم: محمد بن علي البلوشي
يبث الناس جزءا من تجاربهم المريرة ومآسيهم المرة في أروقة الدوائر الحكومية التي كما يبدو لاتتوانى في ابتكار جزء من المطبات التي تفرمل تمرير حاجات الناس المتمثلة في معاملاتهم ..المراجعة المستمرة لهذه الدوائر هي الهدر الزمني الضائع الذي لايسأل الموظف أو المسؤول عمن يتحمل ثمنه..لأن الوقت لدينا ليس مهماً..والمواعيد يمكن ان تتمدد بدلا من الحرص عليها.مئات من الحكايات اليومية للناس في أروقة الدوائر الحكومية تذكرنا بالأفلام العربية والبيروقراطية في خدمات الحكومة.نحن ضحايا هذه الحلقة التي يترهل بها الجهاز الإداري للدولة.لايوجد أحد لم يمر بهذه التجارب فمن لم يمر بها إما من ذوي النفوذ وإما يعيش خارج الزمن. وحينما يؤكد مولانا جلالة السلطان المعظم أن مسؤولي الوزارة أو المؤسسة الحكومية بالتسلسل الإداري وضعوا لخدمة الناس فهي إشارة لجميع موظفي الدولة بكل مستوياتهم «اتركوا التخشب» الإداري المقيت الذي ينخر في الجسد المؤسسي.الواقع يتحدث عن كثرة الموظفين المتخشبين في أدائهم وتفانيهم على تدقيق الجوانب الصغيرة دون ابتكار الحلول لها وتحميل الناس ذلك فيصنعون دائرة مغلقة عنوانها رفض التيسيير الإداري المباح..لايطالب الناس بتجاوز القانون لكنهم يعتقدون أن الحكومة قادرة على توفير الحلول وتنهي بسلاسة مراجعات الناس المتعلقة بمنافعهم ومصالحهم اليومية والتي للحكومة السيطرة على تمريرها ومنعها. حينما تتأصل هذه الممارسات في جسد الإدارة الحكومية من حق الناس أن تصيح وتتذمر وتنتقد فهي ترى أن ذلك ليس بمبرر حتى نضع العراقيل لإنجاز مصالحهم. يتكدس الموظفون في بعض الدوائر ومع ذلك تتكدس المعاملات وتتراكم أياما وأسابيع وتستمر شهورا كل ذلك نتيجة تلكؤ البعض بإنجاز الاعمال المنوطة بهم وسوء فهمهم أنهم ليسوا موظفين لخدمة الناس..وكذلك الصلاحيات الإدارية الغائبة لمن هم أعلى منهم رتبة وظيفية..مشكلة المعاملات والقوانين القديمة واللامبالاة وطرق العمل الجامدة والمواعيد غير الدقيقة متجذرة في الجهاز الإداري للدولة وبخاصة في وزارات ومؤسسات الخدمات.. هل هي بسبب ثقافة العمل التي ترسخت وتراكمت لسنوات أم أن اهتمام الموظفين بجزء من اعمالهم ومصالحهم والجزء الاخر لعملهم الوظيفي؟..حينما يغضب الناس من الموظفين فهم مواطنون كذلك لكنهم يتسببون بتلك البيروقراطية..لكن على الحكومة أن تغربل هذه الصورة فهي مشكلة متجذرة وتتطلب اقتلاعا من أساسها ..ولايكمن ذلك فقط في الدورات التي تنمي المهارات أو تطور طريقة العمل وتقديم الخدمة بل أن الإدارة الصارمة والمراقبة هي من الأدوات التي تؤدي بالجميع للعمل بإخلاص.ينبغي ألا ننسى أن الموظفين كذلك يسعون خلف مصالحهم في الدوائر الحكومية الأخرى وقد يعانون من بيروقراطية سيئة كما يصنعون ذلك امام مراجعيهم وبسبب علاقاتهم قد ينجزون مراجعاتهم باتصال هاتفي..لاينبغي لهذه الصورة أن تستمر. بعض الموظفين ولاأقول كلهم قد اعتمدوا في السابق وشكلوا مابينهم «وزارة عميقة» داخل الوزارة أو مديرياتها تحالف يهدف إلى تسيير مصالحهم ربما وتسيير كذلك مدير الوحدة.كذلك سوء استخدام السلطة كالمخالفات التعسفية التي لايمكن مراجعتها وهي مخالفات انطباعية تتباين من موظف لآخر أو مفتش ميداني..في مخالفات الشرطة يحق لنا على سبيل المثال التظلم على المخالفة التي يسجلها الشرطي لك ويحررها خلال اسبوعين كما أعلم ..وهو أمر حسن حتى لا تتحول المخالفة لمجرد المخالفة فيحرر مخالفة غير مستحقة وهي تدل أن تحرير المخالفة يخضع للنظام والقانون.بينما تحرير بعض المخالفات من المؤسسات الحكومية لاتوجد به ورقة تدل على قدرتك للتظلم طالما تم تسجيلها بالنظام.. هنا يسرع الموظفون لتسجيلها وعند المراجعة لن ترى مسؤولا لتشكو له وإن شكيت أجابك قائلا «لقد سجلت المخالفة» وإن كانت تعسفية ..مثل هذه الإجابات تأتي من موظفين قضوا سنوات طويلة لكن نمط العمل لديهم واحد لم يتغير..والصلاحية لديهم هي تحويل النهار السعيد إلى يوم بغيض في حياتك..هناك مؤسسات حكومية تتجنب مراجعتها بسبب عقم انجاز المعاملات أو حتى الخدمات التي تقدمها وحداتها وتضع نحو ألف احتمال لأن تعود بخفي حنين منهم .تخسر يومك ويوم عمل اجلته دون فائدة من تكرار المراجعة. دعونا لانغرق في التشاؤم فنحن نترقب هنا تأثير منظومة الإجادة الفردية والمؤسسية الذي بدأت الحكومة بتطبيقه حيث ينبغي أن يغير الموظفون من نظرتهم للوظيفة ولتغيير هذه الثقافة من الأهمية بمكان أن تكون الرقابة والمتابعة حاضرة بقوة حتى لاتتبدد الأموال والنوايا الحسنة في غياب الرقابة والمتابعة..اللوبيات العميقة والعتيقة التي تسيطر على طريقة العمل وتضع عقبات التطوير ينبغي اقتلاعها من جذورها حتى لاتصيب بعدواها الموظفين الجدد..اعملوا ولاتتخشبوا.