بقلم: سمير بن خميس السعدي
تمر الأيام والأزمنة سراعا وتتوارى خلف ستارها أحداث وأخبار عديدة ، بعضها تطوى صفحاتها بعد فترة وجيزة من حدوثها ولا يبقى لها أثرا سوى النسيان ، في حين يخلد بعضها في الذاكرة ، ويسكن عميقا في النفوس لا تدثره السنين ، ولا يواريه تراب جثامين أصحابها ، فترصد على مر السنين كتاريخ كتبه أولئك الخالدون بعطائهم تتناقله الأمة جيلا بعد جيل ، ومن أولئك الخالدون في عمق النفس العمانية ممن تركوا أثرا طيبا لا يخفى على أحد ،هو جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -، وجزاه عن عمان وأهلها خير الجزاء ، فشكرا لقابوس من كل قلب يتردد صداها اليوم وتلهج بها الألسنة منذ حال حياته وإلى اليوم ، لم يتغير ذلك الحب ولم يتبدل ، إلا أنه بعد رحيله تحول إلى دعاء صادق مرفوع إلى السماء بأن يبدله بدار خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله ، وأن يدخله جنات الخلد مع الشهداء والصديقين وخير أولئك رفيقا ، ففضل هذا الزعيم الراحل على عمان وترابها فضلا كبيرا لا تحصيه سطور ولا يختزله مقال ، وقد أمتد ذلك الفضل حتى بعد وفاته بسويعات ، عندما كشفت وصيته والتي فتحت بعد وفاته عن اختياره لخلفه من بعده ، وهو السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- والذي أثبت خلال هذه المدة الزمنية القصيرة من تثبيته سلطان للبلاد ، بأنه ماض على ذات النهج والرؤى بما يحفظ للشعب العماني رفاهيته وأمنه واطمئنانه ، وهو ما يستخلص من الخطوات التي اتخذها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حال توليه مقاليد الحكم في البلاد ، وستكشف الأيام المقبلة بلا شك صدق تلك الرؤى وسلامة تلك التوجهات المتأنية المدروسة التي تمضي بخطى حكيمة وثابتة وتستهدف المستقبل المشرق لعمان وابناؤها.
لقد كان ليوم العاشر من يناير من عام 2021 وقع كبير في أفئدة العمانيين ، شهدت فيه البلاد حزنا عميقا أمتد من جبال عمان حتى سهولها ومن بحرها حتى برها ، تنادت فيه القلوب لتحتشد على ناصية حزن ألم بالبلاد من أقصاها إلى أقصاها ، اعتمر صدور الصغار قبل الكبار، وظهرت فيه نساء البلاد ثكلى يئن حالها ، إلا أنه القدر الذي لا مناص منه ولا محيد عنه ، والذي ترجمه العمانيون بالالتفاف خلف قيادتهم عاهدوا فيه سلطانهم هيثم المعظم بالولاء وتجديد العهد لعمان التاريخ والسلام بالعمل والجهد والتفان لما فيه خير البلاد وسعدها وضمان أمنها واستقرارها ، فحزن العمانيين فجر ذلك الفقد.
أول يوم ألقى فيه السلطان هيثم المعظم خطابه الأول ، ورسم خارطة للطريق وحدد فيه ملامح المرحلة المقبلة من عمر النهضة العمانية المباركة ، إلا أن مرد ذلك الحزن الكبير هو لأن جلالة السلطان الراحل انتشل الوطن والمواطن من براثن الفقر والجهل وتفشي المرض في فترة زمنية تكاد أن تكون قصيره منذ توليه مقاليد الحكم في عمان ولأن ما كان يواجه السلطان الراحل حين تسلمه الحكم كان من التحديات العظيمة التي لا يمكن فيها إلا الرضوخ للوقت وظروف المكان ، إذ أن التحديات في تلك المرحلة كان عديدة ومازالت نشطة ليس من السهولة تغيير واقعها ،انطلق جلالته في تنمية الموارد البشرية وشرع في بناء مؤسسات الدولة الضرورية وذات الأولوية والتي كان على رأس أولوياتها الصحة والتعليم ، ولأن جلالته - طيب الله ثراه - وجد أن موضوع التعليم أهمل لسنين طويلة ، فافتتح سريعا ستة عشر مدرسة ، وارسل 59 طالبا إلى الولايات المتحدة لتلقي التعليم العالي وألغى نمط التعليم السابق المعتمد وشكل نمط جديد لتعليم جديد من خلال اليونيسكو ومختصين عرب ، وفي الجانب الصحي فقد أمر جلالته - طيب الله ثراه - ببناء ستة مستشفيات وكذلك افتتاح مطار السيب الدولي عام 73 بدلا من مطار بيت الفلج ، كما افتتح عام 1974 ميناء السلطان قابوس والذي أعاد للنشاطات البحرية والتجارية زخمها من جديد بعد توقف دام زمنا طويلا .
أن المستطلع لخطابات جلالة السلطان الراحل - طيب الله ثراه - والتي جاءت في عمر السنوات الأولى من النهضة أنه ظل مخاطبا الإنسان في عمان لمعرفته وحكمته من أن الأوطان لا تبنى بداية بالآلات والمعدات بل بسواعد وجهود أبناؤها ، فكان يردد في تلك الخطابات كلماته كشعبي .. أصدقائي ، أيها الشعب العزيز ، وبعد سنوات طوال من العمل المضن والجاد استمرت لخمسون عاما ، تحقق لجلالة السلطان الراحل ما يصبو إليه من بناء الدولة العصرية واكتمال مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والتشريعية ، ومن ثم فإن هذه المنجزات على أرض الواقع لم تكن وليدة لحظتها أو تهيأت ظروفها مباشرة بل أخذت من فكر جلالته وتعبه الكثير، وأصبح لزاما على كل مواطن المحافظة عليها والعمل على تطويرها بالعمل والعلم والفكر القويم.