الخليج ومصر في رؤية موحدة

مقالات رأي و تحليلات السبت ٣٠/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:١٢ م
الخليج ومصر في رؤية موحدة

احمد المرشد

تكتسب العلاقات البحرينية – المصرية أهمية خاصة تزداد مع الزمن لتترسخ في أكثر من اطار، يبدأ بالخليجي، يليه العربي ، لينتهي بالشرق أوسطي، وهذا نابع من دور وأهمية كل دولة في محيطها، مما يستلزم ضرورة الإسراع بتعميق هذه العلاقات الثنائية أولا ، ثم توسيعها خليجيا.

ونذهب مباشرة الي زيارة الملك حمد بن عيسي أل خليفة للقاهرة ومباحثاته مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث تؤصل هذه القمم العلاقات بين الدولتين والشعبين الشقيقين، فالملك المفدي أكد في مصر تميز وخصوصية ما يجمع البلدين من تاريخ مشترك ومصيرٍ واحد.. وكان من اللافت أن يشير في بداية كلمته الي مصر الثقافة والعلم والفكر :"
يسرنا بداية أن ننقل تحيات ومشاعر المحبة والتقدير التي يكنها أهل البحرين لمصر الشقيقة التي ستبقى في الذاكرة والوجدان منبعًا للثقافة والعلم والفكر الذي لم ينقطع سيله منذ بعثات أهل مصر الأولى للبحرين، ومن بينهم، الأساتذة الكرام من المعلمين والمربين الأوائل، والقضاة الأجلاء الذين لن ننسى بصماتهم التأسيسية لصرحي التعليم والقضاء اللذين سنحتفل بذكراهما المئوية قريبًا".

حقا، كانت نعم البداية التي استهل جلالة الملك المفدي كلمته في مصر، فنحن لا ننكر فضل المصريين في التعليم والقضاء كما ذكر الملك حمد الذي ينتقل في فقرة أخري الي تعهد البحرين بتكريس جميع إمكانياتها السياسية والتجارية والاقتصادية خدمة لمصر الشقيقة.. كلمة الملك حمد التي بدأت بالتاريخ، اتجهت الي الحاضر مباشرة ليؤكد جلالته أهمية إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، ومن هذا المنطلق أكد تأييده لمبادرة مصر بتشكيل قوة عسكرية عربية لدرء الأخطار التي تواجه العرب جميعا. ولهذا ينبه جلالة الملك الي أن هذه المبادرة تستدعي وحدة الصف دفاعا عن مصالح العرب العليا والمصير الواحد وبما يضمن أمن واستقرار ورخاء الأمة العربية.

لقد وضع جلالة الملك حمد يده علي أخطر أزمة تواجه المنطقة في وقتنا الراهن، وأفصح عنها مباشرة، ليس هذا فقط، بل وضع الحلول الناجعة لتجاوز هذه الأزمة التي ستأكل الأخضر واليابس ما لم تنتبه الدول والعالم للتعامل الفوري معها اليوم قبل غدا.. فعندما يحدد جلالته هذه الأزمة في انتشار الإرهاب والجماعات المتطرفة، بسبب انهيار الدولة الوطنية في عدد من المنطقة، فهو يضع يده أيضا علي خيوط الحل، الذي يبدأ بضرورة تكثيف التعاون العسكري تعزيزا للأمن والاستقرار في المنطقة ككل.

أزمات المنطقة مثل السلسلة ترتبط ببعضها بعضا، وهذا ما أشار إليه جلالة الملك حمد الذي لم يتحدث عن البحرين فقط وإنما حمل معه هموم منطقة الخليج بالكامل، فكانت الأزمة التالية للإرهاب هي ما تواجهه البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي والعديد من الدول العربية والإسلامية، من تدخلات إيران في شئونها الداخلية . وهنا تؤكد مصر أنها تقف إلى جوار البحرين لدعم وحدتها واستقرارها، ولتشير في هذا الصدد الي أن العلاقات بين مصر وإيران مقطوعة ، مع دعوة القاهرة لطهران إلى اتخاذ سياسات إزاء مصر والحيز العربي ودول الخليج تتسم بالاحترام المتبادل والاعتراف بسيادة الدول واستقرارها، والامتناع عن أي شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم التأثير على الأمن العربي.

من الواضح أن الاهتمام الخليجي بمصر يزداد في هذه الآونة ، اهتمام محوره العمل علي استقرار مصر كنقطة ارتكاز لاستقرار المنطقة، وهذا يثبت أهمية أن تكون دول مجلس التعاون ومصر على تواصل مستمر، فقوة العلاقة تمثل رسالة بالغة المعني للقاصي والداني، لمن يستهدف مصر واستقرارها، ولمن يستهدف دول الخليج واستقرارها. وهذا ما أكده الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية علي هامش زيارة الملك حمد لمصر . الرسالة إذن واضحة تماما، مفادها أنه لن تستطيع أي قوة أيا كان موقعها من الاستفراد بدولة مثل مصر أو بدول الخليج على حدة، ومن هنا نفسر زيارة قادة دول الخليج لمصر خلال فترة زمنية قصيرة بدأت بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عاهل السعودية ثم ولي عهد أبو ظبي ثم الملك حمد بن عيسي آل خليفة. والرسالة تؤكد في مضمونها ومعناها أن العلاقة الحالية مع مصر هي مبنية على الترابط والتعاون في مواجهة المخاطر، مما يستدعي ضرورة التعاون لمحاربة الإرهاب وتثبيت الأمن والاستقرار في العديد من دول المنطقة.

ومن شأن التعاون الخليجي – المصري دفع إيران الي انتهاج سياسة خارجية جديدة، وأن تبدل سياستها الحالية القائمة على دعم المنظمات الإرهابية وعلى إشاعة عدم الاستقرار، وعلى صرف أموال الشعب الإيراني على كل هذه المنظمات والتدريب، وممثليهم ومريديهم في العالم كله، وأن يركزوا على بناء علاقة مع الدول، وأن يمدوا يدهم إلى الدول وليس الي داخل الدول. وهذا لا يعني معاداة لأي طرف من الأطراف الاقليمية، فدول الخليج لا تتطلع ولا تطمح إلى أي تغيير سياسي في إيران، فهذا شأن يخص الإيرانييين وحدهم، لكننا نحن نعاني من هذه السياسة ونريد من العالم أن يسمع ويرى الهموم التي لدينا قبل أن نستمع لنصائح منهم فيما يتعلق بنظرتهم للقضايا التي تهمهم ، فنظرتنا تهمنا في المنطقة وهمومنا تتعلق بأمننا واستقرارنا.. وهذا ما أوضحه وزير خارجيتنا في مناقشاته بمصر.

كلمة الي أوباما..وداعا غير مأسوف عليك

جاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمنطقتنا وذهب كما جاء، ومهما قيل أنها زيارة تصحيحية لتصرفاته وأقواله بشأن السعودية والخليح في حديث صحفي قبل فترة، فهذا غير مقبول منه لأسباب عدة، ربما يكون أولها أنه في مرحلة الوداع، أي توديع منصبه، فما قاله بحقنا لا يهم، وربما تكون نظرتنا لما ردده ايجابية، لأنه نبه قادة الخليج وشعوبها أيضا بأن عليهم الاعتماد علي قوتهم واتحادهم وعدم التفكير في اللجوء الي الشرطي الأمريكي للدفاع عنهم بالوكالة. هذا الحليف الأمريكي الذي اعتدنا وصفه في السابق بالحليف الاستراتيجي يريد في وقتنا الراهن استرجاع وظيفة قديمة كانت موجودة بالمنطقة في الماضي، وهنا اتحدث عن شرطي المنطقة والمقصود به إيران، التي يسعي أوبامها لإعادة تنصيبها في المنصب الذي تراه واشنطن أو لو شئنا الدقة الرئيس الأمريكي شاغرا.

اعتقد أن الخليج قد تعلم الدرس جيدا وخرج بنتائج ايجابية لعل أهمها ضرورة اعادة النظر في العلاقات الخليجية – الأمريكية سواء علي مستوي الدول أو مستوي الخليج ككل. وإذا كان أوباما يريد تعيين إيران كشرطي للمنطقة، فنحن بقوتنا وإرادتنا لن نسمح بهذا، فالرئيس الأمريكي كمن يريد بيع سلعة لا يمتلكها أصلا، وبدلا من العمل بقوة علي استمرار العقوبات ضد إيران، رأيناه يفك الحصار الاقتصادي عنها، بل يعلن رغبته في لقاء مرشده الأعلي ورئيسها..وكلنا يعلم أن الرئيس الأمريكي حتي قبل تصريحاته المثيرة للجدل بحق الخليج، رفض الاستجابة لمطالبنا الاقليمية، وعلي رأسها دعم وتسليح المعارضة السورية، مما نتج عن هذا الرفض نشأة التنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها من الحركات التي تقتل الألاف وتدمر الأرض والتاريخ.. ثم يخرج علينا الحليف الأمريكي الاستراتيجي باتفاق جنيف اعترافا منه بقدرات إيران النووية.

إذن، العلاقات الخليجية – الأمريكية لم تتقدم قيد أنملة في عهد باراك أوباما، الذي اعتاد علي بعث رسائل الي الإيرانيين يبثهم فيها أشواقهم للقاء زعمائهم. وعلينا أن ندرك نحن شعوب الخليج، أن ما كان من علاقات استراتيجية تربطنا مع الولايات المتحدة علي مدي عشرات السنوات الماضية، لم يعد قائما على حاله الآن .

أحمد المرشد