بقلم : علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي تعمل فيه بلدية مسقط على تعزيز الجهود المبذولة لتوفير فرص التشغيل الذاتي لأبنائنا بالتعاون مع وزارة العمل، بما يسهم في استيعاب الكوادر الوطنية في الكثير من المهن خاصة المرتبطة بالأسواق الشعبية؛ نجد أن تلك الجهود تضيع هباء بسبب عدم اكتمال المنظومة، أو عدم تكامل الجهود من كافة الجهات لتحقيق المطلوب.
فحتى يتسنى لتجربة إحلال العمانيين في سوق السيب التقليدي النجاح مثلا يجب ربط ذلك بعدد من الخطوات في تَوَازٍ يحقق المرجو، فمثلا على البلدية لكي تنجح هذه الأفكار أن تقوم بإيجاد أسواق متخصصة لبيع السلع التقليدية حصريا لكي تضمن نجاح التجربة، هذا بجانب توفير غطاء غير مباشر لحماية الكوادر العمانية الشابة، فإقامة مثل تلك الأسواق دون صفة الحصرية يتيح إقامة أسواق بجانب الأسواق المخصصة لأبنائنا تكون بجوارها تبيع سلعا وبضائع مماثلة، وبالتالي سيواجه أبناؤنا حديثو الخبرة بتلك الأعمال منافسة شديدة وشرسة من العمالة غير العمانية، ويكون نهاية المطاف لهذه الأسواق التقليدية الإغلاق وتكون الخسائر مضاعفة، الأمر الذي يتطلب من بلدية مسقط ومديرياتها إكمال معروفهم بتنظيم الأسواق التقليدية مثل كثير من الدول، وحصر السلع التقليدية فيها وعدم السماح ببيعها في منافذ أخرى، لتحقق الفائدة المرجوة.
ولعل تلك الأسواق التقليدية المتخصصة التي يجب أن تديرها بشكل كامل كوادر وطنية جزء مهم في إثراء القطاع السياحي، فتلك الأسواق بمكوناتها العمانية مئة بالمئة، ستكون عنصر جذب سياحي، عندما تتكامل المنتجات العمانية التقليدية، وتباع بِأيدٍ عمانية خبيرة، فستكون تلك الأسواق مقصدا للزوار ومزارا سياحيا فريدا، فتتكامل الفكرة التي يجب دعمها من وزارة التراث والسياحة، ومن الجهات الممولة والحاضنة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فنجاح مثل تلك الأسواق يحتاج لمنظومة متكاملة تعمل على تحقيق هذا النجاح وتدعمه، والشباب العماني يثبت كل مرة أنه عند حسن الظن إذا ما أحسنا نحن دعمه وحمايته من منافسة غير متكافئة..إن الجهود المبذولة في توفير العمل للشباب العماني يجب أن تمضي قدما بالتعاون بين كل الجهات الحكومية مع وزارة العمل كلا في اختصاصه، وليكون ما تقوم به البلدية نموذجا لما يجب أن تقوم به الكثير من الجهات الحكومية، بحيث تتكامل هذه الجهود في مشروع وطني كبير وألا نلقي المسؤولية على وزارة العمل فقط التي تضطلع بدور كبير في هذا الشأن، إلا أن ذلك يتطلب أن تكون البلدية فطنة في هذا الشأن بحيث تكون خطواتها متكاملة مع تنظيم الأسواق الشعبية بحصر البيع فيها على المواطنين، وبالتالي تسهم في إيجاد مناخ إيجابي بعيدا عن المنافسة غير المتكافئة، وكذلك تحسين مستويات الأسواق الشعبية لتكون مزارات سياحية يجد فيها السائح كل ما يمت لهذه الأرض من منتجات، ومنع بيعها في الأسواق الأخرى ومحلات الهايبر ماركت، وذلك حتى تكتمل الصورة الذهنية للأسواق الشعبية من كافة الجوانب. .ويأتي سوق نزوى كنموذج يشهد على نجاح الكوادر الوطنية العمانية، فمن يزور السوق يجده يعج برواد أعمال وقوى عاملة وطنية تدعو للفخر، وهي تجربة نستطيع أن نبني عليها وندعمها حكومة وشعبا، بهدف تعميمها في كافة أسواق المناطق وولايات البلاد، وهي فرصة تؤكد فيها القدرات الشبابية العمانية تحقيق النجاح المنشود؛ متى ما توفر لهم الدعم المطلوب من كافة الجهات لا من جهة واحدة؛ فاستيعاب الكوادر الوطنية ومخرجات التعليم في وظائف يحتاج تضافر جهود كافة الجهات، والعمل بشكل متكامل لتحقيق هذا الهدف الوطني الكبير، الذي يعد أحد أهم الأولويات في الوقت الحالي، وعلى الجميع التلاحم؛ ليس فقط لتوفير وظائف لكوادرنا الوطنية، لكن لتوفير الدعم المطلوب والدافع لهم لتحقيق النجاح في المجالات التي سيتصدون لها..نحن أمام تجربة ملهمة تقوم بها بلدية مسقط، لذا علينا الأخذ بأسباب النجاح، وتوفير مناخ داعم لنجاح التجربة، بهدف تعميمها، وعلى كافة الجهات المعنية توفير كافة أوجه الدعم المطلوب للبلدية ووزارة العمل، حتى نضمن مضي التجربة قدما؛ لما سيكون لها من فائدة ستعمم في كافة ربوع السلطنة، وسنخلق أسواقا تقليدية متخصصة ذات صبغة سياحية، تعبر عن عمق التاريخ العماني وأصالة المقومات الحضارية، وبالطبع لن نصل لهذه الأهداف دون كوادر عمانية تمتلك تلك المقومات، لتكتمل الصورة وتنجح في تحقيق المبتغى، وتقديم الصورة الذهنية المرجوة في مثل تلك الأسواق المتخصصة..بالطبع التحديات التي تواجه مثل هذه المبادرات والأفكار كثيرة، وتتطلب منا المزيد من العمل لتجاوزها بالتعاون بين الجهات المختصة لتمهيد الطريق أمام الكوادر الوطنية للعمل في المهن الحرة والتشغيل الذاتي؛ ولعل منها المنافسة غير المتكافئة من العمالة غير العمانية والتي تعمل على إفشال مثل هذه المبادرات.
نأمل أن تكمل بلدية مسقط ومديرياتها هذه المبادرة بتنظيم الأسواق الشعبية بحصرية بيع السلع التقليدية فيها، وشغلها بالمواطنين، وعدم إقامة أنشطة مماثلة لها في أماكن مجاورة؛ لإنجاحها ولتكون عمانية مائة بالمائة.