بقلم : علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي يتحدث فيه الكثيرون عن صلاحيات مجلس الشورى، ويطالبون بضرورة إعطائه زخما يتواكب مع متطلبات المرحلة المقبلة لتوجهات الدولة، إلا أن ذلك لا يعني بأن المجلس بدون صلاحيات يمارسها الأعضاء بشكل يسهم في تطوير أدائه؛ إذ أن الصلاحيات المتوفرة للمجلس جيدة؛ متى ما استغلت بالشكل المطلوب من الأعضاء، وهو ما يتطلب تداركه في المرحلة المقبلة من العمل البرلماني. فالمجلس لديه صلاحيات تشريعية تصنع الفارق لو أحسن استغلالها، فمثلا له الصلاحية في مناقشة وتعديل مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة؛ سواء كانت عادية أو مستعجلة وإحالتها إلى مجلس عمان لإقرارها أو تعديلها، ثم رفعها إلى جلالة السلطان مباشرة، دون إعادتها للحكومة مجددا، كما له الحق في اقتراح قوانين على الحكومة، وإلزام الحكومة بالرد عليها خلال فترة محددة، كما يناقش المجلس الخطط التنموية والميزانية العامة للدولة، ويرفع توصياته ومرئياته للحكومة، كما يملك صلاحية مناقشة وتدارس كافة الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية قبل أن توقعها السلطنة، وإرسال مرئياته إلى الحكومة. وحتى على الصعيد الرقابي لدى المجلس أدواته الرقابية مثل البيان العاجل، وطلب الاحاطة، وإبداء الرغبة، والسؤال، وطلب المناقشة، وصولا إلى مناقشة بيانات الوزراء والاستجواب؛ كلا وفق الإجراءات المتبعة لتنفيذه، وهي أدوات مهمة للتعبير عن مصلحة المنتخب؛ إذا أحسن استغلالها في إرساء دوره الرقابي. كما ألزم المشرع وزراء الخدمات بموافاة مجلس الشورى بتقرير سنوي خاص بالمشاريع الكبرى ومراحل تنفيذها، لذا فالحديث عن نقص الصلاحيات يحتاج قليلا من الإنصاف، فالصلاحيات كما سردنا موجودة ويبقى حسن الاستفادة منها. ومن هذا المنطلق لا يوجد عذر لمجلس الشورى أو حتى الحكومة في استخدام هذه الصلاحيات التي أقرها القانون، بعد أن كانت موجودة في إطار لائحة المجلس التي كانت الحكومة ترفض استخدامها؛ حيث كانت تتعلل بأنها شأن داخلي للمجلس، أما الآن وبعد إقرار تلك الصلاحيات بشكل قانوني، بل إن القانون شرح كيفية استخدامها، وهو ما يسقط أي عذر للمجلس حول استخدام صلاحياته، فعلى أعضاء المجلس التمسك باستخدام تلك الصلاحيات والإصرار على الاستفادة منها، وعدم التذرع عند التقاعس بحجة عدم تجاوب الحكومة، فالإصرار على استخدام تلك الصلاحيات لابد أن يأتي من قبل أعضاء الشورى للقيام بدورهم التشريعي والرقابي، وهو الدورالذي انتخبوا من أجله، ويأتي حقا للوطن وللمواطن. وللأمانة في الطرح علينا أولا أن نشير إلى وجود خلل ذاتي يمنع المجلس من القيام بأدواره المنوطة به؛ فمعظم أعضاء المجلس غير ملمين بتلك الصلاحيات وكيفية استخدامها؛ لذا نرى حتمية أن يتم عقد دورات تدريبية وحلقات عمل للأعضاء تساعدهم وتطلعهم على دورهم التشريعي والرقابي، والأدوات التي تمكنهم من القيام به على أكمل وجه.
ولابد أن يدرك الأعضاء ما حدث من تغيير في صلاحيات المجلس؛ فالصلاحيات الاستشارية مرحلة من مراحل صلاحيات المجلس لم يعد لها وجود حاليا، لذا عليه التعرف على صلاحياته الحالية والعمل على تطبيقها. يلاحظ أيضا أن الإعلام يلعب دورا سلبيا بإبراز بعض الأعمال غير المنوطة بالمجلس؛ مثل مناقشة أحد مكاتب المجلس لقضية ما يدرجها عضو؛ لكنها ليست من صميم عمل المكتب، مما يبني صورة ذهنية لدى المواطن بأنها إحدى صلاحيات المجلس؛ صحيح أن تلك المناقشات كانت من صميم عمل المجلس فيما قبل 2011، لكنها الآن أضحت خارج نطاق صلاحياته، لذا على الإعلام أيضا أن يتطور بتطور صلاحيات المجلس، وأن ينشر الأخبار ذات العلاقة الوثيقة بصلاحيات المجلس. ويبقى لقيادة المجلس المنتخبة، أن تكون خير معين للأعضاء بفتح الآفاق أمامهم للقيام بدورهم، والاستماع لطرحهم ومناقشتهم داخل أروقة المجلس وتحت قبته، بدلا من تضييق الخناق عليه، مما يدفعه للجوء لمنصات أخرى خارج إطار المجلس، تشوه دور المجلس أمام الرأي العام، وتعطي صورة سلبية ليس لها علاقة بواقع الجهود التي يبذلها المجلس. كما ندعو الأعضاء للقيام بدورهم دون ضجيج والعمل في صمت، وعدم استخدام الإعلام بشكل سيئ، فإعلان بعض الأعضاء عن استخدام أدواتهم التشريعية والرقابية للإعلام قبل الإجازة من المجلس وفق قوانينه ولائحته الداخلية يؤثر أيضا على الصورة النمطية للمجلس، ويظهر أعضاءه كمن يتقاعسون عن المصلحة العامة، ويظهر أيضا عددا من التساؤلات غير المحمودة، والتي تنتج من لجوء أحد الأعضاء للشو الإعلامي قبل أوانه كما يقولون، وعدم الانتظار حتى يتسنى له القيام بدوره بشكل قانوني، ما يؤثر على عمل المجلس. ونعود ونؤكد بأن الصلاحيات الحالية قادرة على تلبية الدور المنوط بأعضاء المجلس، وتبقى فقط بعض «الرتوش» التي ستمكنهم من القيام بدورهم التشريعي والرقابي، بصمت دون ضجيج لا يصنع طحينا بالالتزام بهذا الدور، ومعرفة كل عضو بصلاحيات المجلس هو البوابة المثلى لممارسة تلك الصلاحيات، ومن غيرها فأكبر الصلاحيات لن تصنع فارقا يشعر به الوطن والمواطن. بالطبع هناك تحديات يواجهها المجلس وأعضاؤه في تعاطي الأجهزة التنفيذية وفق مسوغات معينة لكل سلطة، وهذا موجود حتى في البيت الواحد، فما بالك في سلطات دولة، فكل المجالس التشريعية تعاني من عدم التعاون بدرجة أو بأخرى. فوفق معطيات كثيرة ومتغيرات ما زال البعض لا يؤمن بالمشاركة السياسية ويعتبر الحكم منفردا لا أكثر، وأن السلطات المعينة لا رقيب عليها، فهذه تصرفات وممارسات وأمزجة نعي أنها موجودة في الدولة وما زالت تمارس هكذا ممارسات سلطوية، لكن مع الوقت سوف تتغير ولا نحكم على التعاطي والتعاون من منطلق هذه الممارسات. نأمل أن نعي بأن هناك صلاحيات لمجلس الشورى؛ فقط على أعضائه تفعيلها بالشكل الكامل، وعكس ذلك إعلاميا؛ بما يتناسب مع الأحداث، وبلغة برلمانية ترسخ هذه التجربة في السلطنة، وتطويرها بما يتواكب مع مراحل التطور في البلاد، والعمل على النهوض بها بشكل يعزز من الثقة بتحسينها في المستقبل، بدون القفز على المتحقق أو التجاهل مرة واحدة؛ فتجارب المشاركة السياسية تمر بمراحل؛ وعدم تحقيقها لبعض التطلعات ليس معناه إلغاءها؛ وإنما الحرص على تطويرها بالممارسة الفاعلة والعميقة. بل إن هذه التجارب أي المشاركة السياسية في صنع القرار جزء لا يتجزأ من التنمية الشاملة التي تشهدها البلاد ولا يمكن أن تمضي منفردة.