عن الفرص الضائعة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٦/ديسمبر/٢٠٢١ ٠٨:٠٩ ص
عن الفرص الضائعة
محمد بن علي البلوشي

بقلم : محمد بن علي البلوشي

لسنا وحدنا من يمر بحالة من تصحيح السوق..جيراننا في بعض دول مجلس التعاون قاموا بذلك ضمن خطوات لضبط سوق العمل وإنهاء الدعومات غير الضرورية التي تستنزف كثيرا والتي قد يستفيد منها المسيطرون على السوق اكثر من المواطنين لاسيما في المحلات التجارية والصناعات الصغيرة كالورش الحرفية والمهنية..رفع الدعم في بعض الاحيان ضروري حتى «يذهب في طريقه الصحيح» ولايستفيد طرف على طرف منه.وقد يقع بعض الضرر على المستهلكين فالأغلبية الساحقة هم »مواطنين» فترتفع الأسعار وتخرج حالة «ارتفاع التضخم»ومع ذلك مسؤولية الدولة أن تكبح جماح الأسعار، والمستغلون في السوق من يحاولوا رفع الأسعار حتى لايتخلوا عن مكاسبهم السابقة.

يشتكي الناس هذه الأيام فجأة من خلو السوق من المشترين أو فراغها والمحلات التي أغلقت واقفلت أبوابها وخروج عدد هائل من البلاد نتيجة لبعض الاجراءات..هذا توصيف غير دقيق وهو سطحي وانطباعي..الغالب أن السوق يلفظ ماعنده حينما تكون هناك هزة ارتدادية..يخلو السوق عادة قبل اقتراب موعد الرواتب الحكومية في الأغلب فموعدها وتوقيت نزولها إلى الحسابات معروف واكثر القوة الشرائية هم من المواطنين الذين ينفقون اكثر من المقيمين..عند نزول الرواتب أو الأجور تهب فجأة حركة شرائية كاسحة..هذه هي الحال كل شهر..ومع ذلك فالأمور تتغير وماكان الناس قد اعتادوا عليه سابقا لن يعود إلى سابق عهده..كأسعار البضائع والمواد الاستهلاكية التي كانت متغيرة..كان كيلو اللحم بريال إلى ريال ومائتين بيسة..قبل نحو 20 عاما ..حتى وصل إلى ماهو عليه..الغني أو أصحاب الدخل المرتفع لم يتأثروا بذلك..سيتأثر بها ذو الدخل المحدود أو أقل من المتوسط..ذو الدخل المتوسط وفي الغالب الكل يعمل ينبغي أن يغيروا نمط استهلاكهم واولوياتهم الترفيهية والكمالية..الأشياء الضرورية للمعيشة والإدخار وللأيام الصعبة والطارئة.. حتى نوع الترفيه يمكن تغييره كذلك فهناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن يتخذها المرء إن أراد تصحيح طريقة معيشته لتتلاءم مع الظروف الحالية..ليست عمان وحدها حالة استثنائية الاسعار في العالم متغيرة وفق قواعد السوق كما يقول فقهاء الاقتصاد.. ماالحل إذن؟..الحل أن تضبط ميزانيتك ولاتعتقد أن أحدا مسؤول عن مصروفاتك ومطلوب منه أن يراعي إصرارك على العيش بنفس النمط السابق..عملك تكسب منه اجرك وليس جهة تشتكي لها بأن راتبها لايكفي..لست مفتيا في الاقتصاد لكن للسوق والاقتصاد قواعد ومعطيات تتحرك آليا حيث القوة الشرائية والمستهلكين وارتفاع الاجور وتتدخل الحكومة بحزمة انعاش..هذا في السوق الطبيعي وليس السوق المشوه. تخشى الدول على القوة الشرائية حينما تكون اقتصادياتها منتجة ومصانعها تضخ المنتجات للسوق المحلي والخارجي فتتحصل العمالة المحلية على اجورها وتشتري وتبيع وتأخذ الدولة نصيبها من الرسوم والضرائب لإنفاقها في مشروعات عامة تخدم الناس ثم يدور رأس المال في البلد.معظم البضائع في السوق مستوردة..هذه المحلات المنتشرة تبيع سلعا مستوردة وباعتها كذلك هم أصحاب المحلات..في حالتنا نحن بلد مستهلك للبضائع الاستهلاكية والغذائية نشتري معظم مانحتاجه بالعملة الصعبة من العملة الصعبة التي نحصل عليها مقابل بيع النفط وبعض المنتجات المساندة..حالة الجمود الحالية ناتجة عن تصحيح السوق بعد اجراءات حكومية كان لابد منها..يرى الكثيرون حالة السوق من زاوية واحدة فقط لكن الزوايا الاخرى نغض البصر عنها دائما.. مستهلك عماني هو صاحب القوة الشرائية القوية وسوق يديره غير العمانيين يوجد فيه العمانيون في بعض سلسلته ..الاستهلاك والعقار والحكومة في الرسوم..ومطلوب منه أن يتوسع بفتح الباب أمام «الهجرة» أو «الاستقدام» وان من يستطيع تحريك السوق وإنعاشه هم وبدونهم لانملك الحلول..هذه مفارقة عجيبة إنها من الفرص التي لايرغب العمانيون في الاستحواذ عليها.. والسبب بسيط جدا الإتكالية الاستهلاكية التي أدت بالناس العزوف عن امتلاك السوق وتسليمه للآخرين ..لاتتوفر لدي أرقام دقيقة عن حجم التحويلات الخارجية لكن الاكيد أنها تحويلات هائلة مقارنة بحجم السوق وحجم الانفاق والدخل ..كان البعض يقول المنافسة ومع قلة المنافسة يمكن أن نأخذ الفرص..إن كان المتضررون هم من أصحاب المؤسسات الصغيرة والصغرى والمتوسطة وهم من يقومون على رأس عملهم فينبغي على الحكومة إيجاد آليات تحفيزا لهم للبقاء وتجاوز «اضطرابات» تصحيح سوق العمل..في الوضع الحالي فإن السوق مشوه جدا ولاينبغي أن يظل إلى أبد الآبدين..فلنذهب لنرى في هذه الاسواق كم عدد الباعة العمانيين كسوق السيب ومطرح ولنذهب إلى سوق نزوى قبل التباكي على المحلات الفارغة والمغلقة. كذلك فإن الأولويات ينبغي أن تتغير، النمط الاستهلاكي ليس عادة جيدة كما ذكرت إلا حينما يكون الاقتصاد منتجا ويتحرك وفي هذا الجانب فالفائدة مبتورة لأنها تخلو من الطرف الاهم وهو البائع والمنتج العماني..هؤلاء هم الضائعون في القصة..فمتى نقتنص الفرص بدلا من التباكي على السوق.دعوا السوق يصحح ذاته وبدلا من البكاء على المحلات المغلقة لنبكي على حالنا أننا المتفرجون..نحن الحلقة الأضعف.