ما بين الطب الحكومي والخاص وأمانة الطبيب

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٠/ديسمبر/٢٠٢١ ١١:٠٤ ص
ما بين الطب الحكومي والخاص وأمانة الطبيب

بقلم : خالد عرابي

ثمة  تجربة صعبة مررت بها مؤخرا - والحمد لله- ، لكنها وبقدر ما كانت اختبار صعب، كانت كاشفة لكثير من الأمور الشخصية والمعرفية، فالشخصية أنه وبقدر ما تمر بمواقف مادية صعبة واختبار في الرزق بسبب ظروف مثل كورونا إلا أنه يظل أن نعمة الصحة تظل على رأس هرم النعم، وأما معرفيا فقد أدركت ولو جزء بسيط حول الفرق الحقيقي ما بين الطب الحكومي والخاص في السلطنة والمستوى الحقيقي لكل منهما، وكان الدرس الأهم أن مسؤولية وأمانة الطبيب وخبرته العلمية والعملية في النهاية هي التي تصنع الفرق علاجيا.

فقبل أكثر من شهر أصيب أبني الأكبر (عمرو) ربي يحفظه وأخيه ويحفظ لكم ابناءكم (11 عاما) بلدغة بعوضة (نموسة) ونظرا لأن لديه حساسية نفسية مفرطة من مثل هذه الأشياء ففي العادي أنه حينما يحدث معه ذلك يكون الورم في المنطقة التي لدغ فيها و في الحال، ولكن في هذه المرة كان الأمر جد مختلف، فقد بدأت باحمرار بسيط في المكان ثم انتشرت على منطقة الذراعين ومنها إلى مناطق متفرقة على الجلد على شكل (الجدري أو الحصبة) -لا قدر الله- لدرجة أنها غطت مناطق كثيرة من الجسم.

بالطبع وكما يعرف الكثيرون ممن مروا بمثل هذه تجارب فإن الأبناء أغلى ما لدى الإنسان وأن التوجه مباشرة إلى طبيب مختص، وهنا كانت التجربة حيث أننا ذهبنا إلى طبيب جلدية في إحدى المستشفيات الخاصة، والذي مباشرة وبدون أي مقدمات طلب عدد منا عدد من التحاليل المختلفة قائلا : لا أستطيع أن أعطي أدوية دون أن تقوموا بعمل هذه التحاليل، بالطبع حتى الآن الأمر عادي، وبالفعل قمنا بما طلب، وعدنا له فكتب لنا خمسة أنواع من الدواء ما بين كورتيزون وهيستامين وأدوية للمعدة وغيرها.. أخذنا الأدوية وذهبنا للبيت وبدأنا إعطاء بعضها لعمرو، ولكن كانت المفاجأة أن الأمر زاد وأصبح عرض مستمر من الألم المتواصل في منطقة البطن لدى الولد، وتبعها لمدة ثلاثة أيام متتالية، كما أنه لا يستقر أي شيء في معدته حتى الدواء لدرجة أنه أصبح يخاف من تناول أي شيء..

خلال تلك الأيام بالتأكيد لم ننتظر وذهبنا إلى أكثر من طبيب وطبعا جميعهم في مستشفيات خاصة، وفي كل مرة يحدث نفس السيناريو الذي حدث في أول مرة لدرجة يطلب منا عمل تحاليل معظمها هي نفسها التي أجريتها بالأمس، وحينما أعطي له نتيجة التحاليل التي أجريتها بالأمس وأخبره أنها نفس النوع يقول لي لابد من تحاليل جديدة حتى نعرف إن كان هناك فرق أو تحسن أم لا – و بالتأكيد كل هذه التحاليل مكلفة جدا وكلفتنا مبالغ كبيرة جدا- ..

الأغرب في الأمر أن ذلك الطلب المتكرر لإجراء هذه التحاليل حدث في بعض الأحيان من نفس الطبيب، وبعد ذلك قال لي من ناحيتي الأمر غير واضح، سأحيلك بابنك إلى طبيب أطفال، وبالفعل أحالني ليكون هناك عدة تحاليل أخرى، والأمر (المفرح المبكي) أن كل التحاليل تعطي نتائج واحدة وهي أنها جيدة ولا يوجد خلل أو نقص ما في مركبات أو عناصر يحتاجها الجزم من فيتامينات أو غيرها، غير أن بعض الأطباء يهول من الأمر ويرعبنا ويقول بأن هناك احتمالية لأن يكون هذا المرض "كذا .. أو كذا" أو أي نوع خطير من الأمراض، مما يضعنا في دوامة وأزمة نفسية أكبر ويجعلنا نفعل كل ما يطلب منا من تحاليل وغيرها دون تفكير أو حتى اعتراض ..

بداية تصحيح المسار جاءت حينما طلب أحدهم عمل أشعة مقطعية وهي غالية جدا ونحن نعلم أنه لا داعي لها وأنها في حالات خاصة ونادرة جدا، ولذا رفضنا عملها، ثم جاء الحل بأمر رب العالمين وهو أن أحد الأطباء قال من ناحيتي وبناء على التحاليل لا أجد أي مشكلة عند ابنك، ولذا فالحل لدى هو أن أحيلك إلى دكتور متخصص في الأطفال وتحديدا أمراض الدم والمناعة، وهو البروفيسور ياسر والي أستاذ طب الأطفال، ورئيس وحدة أمراض الدم والسرطان بكلية الطب والمستشفى الجامعي بجامعة السلطان قابوس، ولكن تستطيعون أن تذهبوا له في مستشفى عمان الدولي ..

وبالفعل لم نضع الوقت وذهبنا إلى هناك ليكون حظنا أنه موجود في هذا اليوم، وما أن سجلنا في الاستقبال ثم ذهبنا إلى عيادته وجاء دورنا ودخلنا إليه حتى تلمسنا أولا إنسانية هذا الدكتور وأنه طمأننا منذ البداية ولم يخوفنا أو يرعبنا – وهذه إنسانية ورسالة الطبيب أولا- ومن ثم وجدنا الشفاء على يديه، فقد شخص العلاج قبل أن يكشف وأخبرنا اسم هذا المرض نادر جدا ولكنه غير مؤذي ولا معدي وليس له علاج وأنه كما جاء يذهب بشيء واحد فقط هو الراحة وعدم فرط الحركة وذلك خلال 4 إلى 6 أسابيع، ونظر في كل التحاليل التي أجريناها سابقا، وكذلك الأدوية وقال: كل هذه الأشياء لا داعي لها.. ألقوها جانبا وفقط أجعلوا ابنكم يستريح تماما في السرير ولا يتحرك مع توصيات بتناول أطعمة وسوائل معينة ومنع أخرى، ويا سبحان الله فمجرد أن فعلنا ذلك بدأت هذه البثور على الجلد تتلاشي شيئا فشيئا لدرجة أنه في اليوم الثالث أختفى بعض منها.

وهنا ما تعلمته بالفعل أن الطب الحكومي في السلطنة بحق على أفضل المستويات العالمية بل وأفضل بكثير من الطب الخاص، وذلك من حيث الجودة والنظافة وكل شيء، وأنه وبكل أسف فإن الطب الخاص في بعض المستشفيات في السلطنة يسيطر عليه فكر "البيزنس" والكسب السريع ولذلك فهناك مبالغة في طلب إجراء التحاليل لما يستحق وما لا يستحق خاصة وأن بعض الأطباء وكما عرفنا يحصلون على نسبة من المستشفى عما يكتبونه من تحاليل واشعات وغيرها.. وهنا أتذكر أنني في إحدى المرات أصبت بدور برد عادي وذهبت إلى طبيب أنف أذن وحنجرة بمستشفى خاص شهر، وكانت المفاجأة أن طلب مني عمل أشعة مقطعية، لدرجة أنني انفعلت عليه وطلبت منه كتابة مضاد حيوي وبخاخ للأنف وخيرا فعل ذلك وشفيت بأمر الله .

وهنا تذكرت قصة حكاها لي أحد رجال الأعمال الكبار من الأخوة العمانيين وذلك عندما أختبر بمرض نادر لزوجته وذهب ليعالجها في إحدى الدول الأوربية الشهيرة بالطب وهناك وبالصدفة البحتة وبينما هو في واحدة من أشهر المستشفيات بزوجته قابله بروفيسور عالمي كان قد زار عمان سابقا، وعرفه من الزي العماني فسأله أأنت من عمان فأجابه: نعم، وتحدثا سويا حتى سأله ماذا تفعل هنا؟ وأخبره صديقي بقصة مرض زوجته فقال له: ولماذا تأتي إلي هنا، وبالطبع أجابه صديقي العماني لتقدم الطب هنا ومرض زوجتى خطير .. فقال له هذا البروفيسور العالمي خذ زوجتك وإذهب إلى المستشفى السلطاني ببلدك وأسأل عن الدكتور (فلان) فعلاج زوجتك عنده هناك .. وأكمل البروفيسور: الطب عندكم في المستشفيات الحكومية متقدم جدا بل وأفضل بكثير من عندنا علاوة على أنه مجاني لكل عماني أيضا.. وبالفعل يقول لي صديقي لم يتردد في الاستجابة لنصيحته، وطلب أمر خروج من المستشفى الأوروبي الشهير لزوجته وجاء بها إلى عمان وسأل عن الطبيب الذي وصف له، ووجده وتابع معه وفعلا وكان الشفاء على يديه .

فكل الشكر والتقدير لوزارة الصحة ولجميع القائمين على الطب الحكومي في السلطنة وجميع كوادرها، ولكن رجاء أن يكون هناك رقابة صارمة أكثر على المستشفيات الخاصة، خاصة وأننا بالفعل نسمع عن تراجع في بعض المستويات وكذلك حدوث بعض الأخطاء الطبية في بعض المستشفيات الخاصة.