بقلم : عيسى المسعودي
كتبنا كثيراً وسنواصل الكتابة والمطالبة بتعزيز واستثمار الفرص الخليجية المشتركة ، فدول الخليج لديها إمكانيات ومقومات عديدة ليس فيما يتعلق بالإمكانيات المالية فقط، وإنما في الأفكار والعقول الاستثمارية التي تستطيع تحقيق نجاحات في هذا المجال واستثمار مختلف المقومات الاقتصادية التي تتمتع بها دول المنطقة سواء كانت صناعية أو سياحية أو في مجالات أخرى، مثل الطاقة والتطوير العقاري والأمن الغذائي وغيرها من المجالات التي تحقق عوائد مالية كبيرة، يمكنها أن ترفد اقتصاديات هذه الدول ، فلقد أنعم الله عزوجل على دول مجلس التعاون بنعم كثيرة و بالعديد من المقومات المختلفة التي تعطيها ميزة تنافسية ، وخلال السنوات الماضية نجحت عدد من هذه الدول في تعزيز علاقتها ببعض لدرجة أصبحت بعض الدول علاقتها نموذجية ويحتذى بها في مختلف المجالات والقطاعات وبينها توافق ورؤى مشتركة في كثير من الأمور التي تتعلق بالمنطقة أو بالعالم إضافة إلى الروابط الأخرى الأساسية كاللغة والتاريخ المشترك والعادات والتقاليد والمصير الواحد التي دائما مانتحدث عنها ونتباها بها ، كذلك تربط دول الخليج بعضها ببعض بالعديد من الاتفاقيات المشتركة التي ساهمت في تعزيز هذه العلاقة وتطورها حتى أصبحت دول الخليج اليوم من الوجهات الرئيسية التي تنظر لها دول العالم كدول متقدمة وبها فرص استثمارية متعددة تشمل مختلف القطاعات ، لذلك تتسابق كثير من الشركات العالمية في استثمار الفرص الاقتصادية والتجارية الموجودة في المنطقة وقد حققت هذه الشركات أرباح كبيرة من هذه الاستثمارات سواء كانت منفردة أو من خلال الدخول في شركات وتعاون مع رجال أعمال محليين أو مع شركات خليجية لتكوين كيانات استثمارية جديدة تحقق عوائد ضخمة تقدر بالملايين الريالات، ولدينا العديد من الأمثلة الناجحة في مثل هذا النوع من الاستثمار ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ويهمنا بعد كل هذه السنوات : لماذا لا نشاهد دول المنطقة تستثمر أموالها فيما بينها من خلال الاستثمارات المشتركة بدلا من التركيز والإصرار على الاستثمار خارج المنطقة طالما الفرص موجودة وتحقق عوائد اقتصادية ؟!
أن كل دول المنطقة لديها المعلومات الكاملة عن الفرص الاستثمارية الموجودة وبلا شك أن هناك بعض المحاولات والاستثمارات المشتركة الناجحة ولكنها لاتزال غير كافية ولا تلبي الطموح فالتبادل التجاري والاستثماري بين دول مجلس التعاون قليل جداً ، مقارنة بالاستثمارات الخليجية العالمية، ونحن هنا لا نعترض على هذه الاستثمارات فهي مهمة وتحقق عوائد ممتازة لهذه الدول ، ولكن مانطمح إليه أن تخصص دول المنطقة نسبة معينة من هذه الاستثمارات وتوجهها إلى الاستثمار في دول المنطقة نفسها والمساهمة في تنمية وتطوير منطقتنا باستثمارات نوعية مبنية على احتياجات هذه الدول فالبعض لديه فرصة استثمارية ولكن ليس لدية الإمكانيات المادية لاستغلال هذه الفرص بالشكل الصحيح ، وهنا يتضح أهمية التكامل والشراكة بين دول مجلس التعاون وتعزيز الثقة المتبادلة ، فهذا الأمر في غاية الأهمية وهنا يأتي دور صناديق وأجهزة الاستثمار السيادية لكل دول المنطقة ، من خلال وجود القرار السياسي والدعم الحكومي لتوجية جزء من هذه الاستثمارات التي تقدر بملايين الريالات لدعم اقتصاديات هذه الدول وإنعاش الحركة التجارية بين دول المجلس ، والتي بلا شك ستعود بالمنفعة والخير على الجميع وأعتقد في هذا المجال من الضروري لتحقيق هذا النجاح والتوجة أن تكون بين دول الخليج ثقة أكبر وتفاهمات لفتح آفاق جديدة من التعاون في مسيرة دول المجلس ، بحيث تقوم كل دولة بدورها في هذا المجال فالمكاسب ستكون كبيرة إذا حققنا هذا التوجة بالشكل السليم ، فعلى سبيل المثال السلطنة وخلال السنوات الماضية قامت بدورها في تعزيز العلاقات المشتركة مع دول الخليج دون استثناء وهناك العديد من المكاسب والنتائج الإيجابية التي حققتها السلطنة وفي مختلف القطاعات ، ولكن ولعدة أسباب مختلفة نجد أن السلطنة نجحت وبشكل كبير في علاقاتها الاقتصادية مع بعض الدول بالمنطقة مقارنة بدول أخرى، وهذا أمر طبيعي يعود لعدة أسباب معروفة وهناك لا تزال فرص عديدة لتطوير هذه العلاقات وتعزيزها واستثمار كل المقومات الموجودة في السلطنة وفي دول المنطقة ، بشرط أن تكون الإرادة السياسية والرغبة الصادقة موجودة لدى كافة الأطراف والاستفادة من المناخ الاستثماري الذي تتمتع به كل دولة واأضا الاستفادة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال السنوات الماضية وتفعيل هذه الاتفاقيات لخدمة تعزيز التبادل التجاري وتطوير العلاقات الاقتصادية وفي مختلف المجالات والقطاعات .
مع بزوغ عصر النهضة المتجددة وإطلاق السلطنة لرؤية 2040 نتابع وجود نشاط كبير ورغبة صادقة في ترجمة العلاقات الخليجية المشتركة لتعزيز الجوانب الاقتصادية مع كلا من المملكة العربية السعودية ودولة قطر وقبل ذلك هناك علاقات اقتصادية وتعاون كبير مع الأشقاء في الكويت ، ونجد هناك تقارب في الرؤى والأهداف بين هذه الدول الشقيقة مع وجود إرادة سياسية لدفع هذه العلاقات المشتركة إلى آفاق أكبر ولعل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها مؤخراً والزيارات الرسمية لأصحاب الجلالة والسمو لهي أكبر دليل على هذا التوجه الذي نتمنى أن يثمر عن حصاد كبير بعود بالمنفعة، ليس فقط على مستوى هذه الدول وإنما على دول المنطقة بشكل عام وأن تبادر الدول الأخرى لتعزيز واستثمار الفرص التجارية والاقتصادية بين بعضها البعض خاصة ، وكما ذكرت هناك فرص كبيرة في قطاعات مهمة وواعدة مثل قطاعات النقل والموانئ والسياحة والاستزراع السمكي والتعدين والنفط والغاز والاتصالات والخدمات اللوجستية وغيرها من القطاعات الأخرى التي تحتاج إلى من يبادر ويستثمرها بالشكل الصحيح ، فكل دولة لها مقوماتها المختلفة، لذلك أعتقد ان إنشاء صناديق أو مؤسسات مشتركة بين دول المنطقة تركز على الاستثمار وعلى تعزيز التعاون الاقتصادي سيكون من الخطوات الهامة في هذا المجال، وسيمثل دفعة معنوية قوية لفتح آفاق جديدة للاستثمار المشترك ، وإلى تحقيق أفضل النتائج التي تعود بالمنفعة على كل دول المنطقة مع التأكيد على أهمية وجود الثقة المتبادلة والإرادة السياسية لدعم هذا التوجة نأمل بالفعل أن تشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول الخليج تطور ونمو خلال الفترة المقبلة ينعكس إيجابياً على تعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين دول المنطقة.