عواصم –
يستهجن الكثيرون استمرار استخدم الطاقة النووية في ظل غياب حلول حاسمة للتخلص من النفايات المشعة، وتتراوح خطورة هذه النفايات من منخفضة ومتوسطة إلى عالية الإشعاع وفقاً للفترة الزمنية التي تستغرقها كل منها لفقدان أثرها الإشعاعي طبيعياً والتي تتراوح من دقائق إلى آلاف السنوات.
النفايات عالية الإشعاع لا زالت تحتاج لوسائل أكثر تطوراً وصرامة لاحتوائها رغم التقدم الذي أحرزته الصناعة في هذا الصدد، ويتم تخزين هذا النوع في مستودعات مؤقتة ومعزولة لمنع التسرب الإشعاعي.
هي تساعد على استخلاص أكبر قدر من الوقود النووي لإعادة استخدامه بتكلفة أقل هذه المرة، كما تسرع بوتيرة فقدان الأثر الإشعاعي قبل مهلته الطبيعية، وينتج العالم نحو 12 ألف طن سنوياً من هذا النوع وهي كمية ضئيلة جداً مقارنة بمخلفات الصناعات الأخرى.
جدل وخوف
ذكرت تقارير إخبارية أمس الجمعة أنه تم اختيار مزرعة نائية للماشية في جنوب أستراليا كموقع محتمل لأول مستودع للنفايات النووية في أستراليا.
واختارت الحكومة المزرعة في بارنديوتا بالقرب من فلندرز رينجز (400 كيلومتر شمالي أديلايد) من بين خمسة مواقع محتملة أخرى عرضها ملّاك أراضي. وتخضع المزرعة لملكية السيناتور السابق ورئيس الحزب الليبرالي في الولاية جرانت تشابمان.
وقالت صحيفة «أديلايد أدفيرتايزر» إن قيمة الأرض يتوقع أن تزيد بمقدار أربعة أضعاف إذا تم اختيارها في النهاية كمستودع للنفايات النووية ما بين المستويين المنخفض والمتوسط من جميع أنحاء البلاد.
وقال تشابمان لهيئة الإذاعة الأسترالية (إيه بي سي) إنه سيتم دفن النفايات النووية في غرفة محصنة تحـــت الأرض على مســاحــة 100 هكــتار من مزرعـــة المــاشية التي يملكها ومساحتها 25 ألف هكتار، أي ما يعادل مساحة أربعة حمامات سباحة أولمبية.
وكشف وزير الموارد جوش فريدينبرج عن تفاصيل لكنه قال للصحيفة إن الأمر سيستغرق 12 شهراً لتقييم البنية الأساسية اللازمة لإنشاء مستودع النفايات النووية في الموقع والتشاور مع المجتمع المحلي. وقال فريدينبرج للصحيفة: «أؤكد مجدداً أن تلك المنشأة ستقام فقط في موقع يحظى بدعم واسع من المجتمع ويفي بالمتطلبات الأسترالية الصارمة فيما يتعلق بالبيئة والحماية من الإشعاع».
ويمكن أن ينتهي المطاف بأستراليا بعرض الموقع لبقية دول العالم لاستخدامه كمستودع للنفايات النووية بما في ذلك الوقود النووي المستنفد.
وتقول الزعيمة القبلية إنيس مارش، وهي من السكان الأصليين، إن قبيلتها ترفض إنشاء مستودع للنفايات النووية بالمنطقة وتخشى أن يتسبب ذلك في الإضرار بمواقع مهمة للتراث الثقافي.
مستودع تحت الأرض
يذكر أن الحكومة الفنلندية أعلنت موافقتها على إصدار ترخيص لإنشاء مخزن مستديم تحت الأرض لطمر النفايات النووية، ما يجعلها أول دولة في العالم توافق على تلك الخطوة، بحسب وكالة رويترز.
وسيتم تغليف نحو 6500 طن من الوقود النووي المستنفد، «اليورانيوم النووي المنضب»، على عمق نحو 450 متراً من سطح الأرض، حيث سيوضع في حاويات أو عبوات من النحاس، ثم سينقل إلى أنفاق، وصولاً إلى لحفر للطمر أو الدفن مبطنة بمادة البنتونايت العازلة.
وستقام منشأة الدفن على جزيرة أوكيلوتو بغرب البلاد، وهو ما وافق عليه السكان المحليون، ويتوقع بدء تشغيلها بحلول العام 2023.
المشروع المسمى «بوسيفا أوي»، وصفه الرئيس التنفيذي بالخطوة العملاقة، التي تأتي بعد جهد أكثر من 40 عاماً من عمليات التطوير والبحوث.
وتقدر كلفة المشروع ببليون يورو، فيما تقدر تكاليفه الإجمالية، متضمنة تشغيله لمدة 100 عام، نحو 3.5 بليون يورو.
وستجري عدة تحاليل جديد للآثار البيئية للمشروع، قبل تشغيله، من ضمنها دراسة إمكانية استعادة النفايات النووية إذا اقتضى الأمر ذلك، وحساب مخاطر نقل تلك المواد المشعة. ويبحث العالم منذ سنوات عن حل مستدام لمشكلة النفايات النووية، التي تستمر سميتها وآثارها الضارة لمئات الآلاف من السنين، إذ يوجد 270 ألف طن من بقايا الوقود النووي يرقد معظمها في قاع قنوات مائية بالمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربية.
احتجاجات صاخبة
في فبراير من العام 2008 عاد الجدل حول طرق التخلص من مخلفات الطاقة النووية إلى ألمانيا، بعد أن عطلت مظاهرات عنيفة وصول نفايات نووية إلى مستودع ألماني لدفن النفايات النووية لساعات طويلة. وكانت الشرطة قد بدأت في إبعاد نحو ألف متظاهر نصبوا مخيماً على الطريق خارج منشأة النفايات النووية في جورلبين، بولاية سكسونيا السفلى، وسدوا الطريق إليه منذ يوم السبت الفائت، متسببين بذلك في تأخير كبير في وصول شحنة النفايات النووية.
ومن جانبه، طالب ماركوس سودر، وزير البيئة في ولاية بافاريا، باتخاذ القرار بأن تكون منشأة جورلبين مخزناً نهائياً للنفايات النووية. وأكد سودر في مقابلة مع صحيفة برلينر تسايتنونج أنه ليس هناك سبب علمي لتأخير قرار جعل جورلبين مخزناً نهائياً للنفايات؛ لأنها المكان المناسب على حد قوله. وأضاف: «ليس هناك سبب للتأجيل المستمر من جانب وزير البيئة الألماني زيجمار جابريل، حيث إن تقرير علمي صدر مؤخراً من المدرسة الاتحادية لعلوم الجيولوجيا والمواد الخام أثبت أن جورلبين موقع مناسب لهذا الغرض، كما أن إنشاءه تكلف 1.5 بليون يورو، مما يعني أن تغيير هذا الموقع ليس مجدياً من الناحيتين البيئية والاقتصادية».
أما هانز هاينبريش ساندر، وزير البيئة في ولاية سكسونيا السفلى، فقد طالب جابريل باقتراح بدائل للتخلص من النفايات النووية، وأضاف في مقابلة مع صحيفة هانوفريشه ألجيماينن تسايتونج، أن نقل النفايات بهذه الطريقة ليس مناسباً لولاية سكسونيا السفلى ولا لسكانها. وطالب ساندر الحكومة الألمانية باتخاذ خطوات واضحة لحل إشكالية نقل النفايات النووية والتخلص منها.
من ناحية أخرى، اعترض وزير الداخلية في ولاية سكسونيا السفلى، أوفه شونيمان، على تحمل ولايته وحدها مهمة تأمين الطريق أمام الشحنة التي تحمل النفايات، مؤكداً أن الأمر تكلف أكثر مما كان متوقعاً، نتيجة المظاهرات العنيفة التي اضطر رجال الشرطة لمواجهتها. وأضاف شونيمان في حوار مع الصحيفة نفسها، أن مهمة حماية نقل الشحنات يجب أن تقع على كافة الولايات.
وكانت رحلة الشحنة القادمة من فرنسا قد تأخرت طويلاً بسبب المظاهرات التي نظمتها الحركة المناهضة للطاقة النووية. وبدأ القطار رحلته من فرنسا إلى ألمانيا يوم الجمعة قبل الفائت، لكنه تأخر نحو 13 ساعة بعد أن ثبت ثلاثة محتجين أنفسهم على قضبان القطار على الحدود الفرنسية الألمانية يوم السبت. ووصل القطار إلى بلدة داننبرج صباح الاثنين الفائت، لتكمل الشحنة طريقها على ناقلات خاصة إلى المنشأة النووية تحت حماية الشرطة. وأقام المحتجون متاريس في محاولة لمنع نقل النفايات النووية إلى المنشأة الخاصة بتخزينها، ونام الكثير منهم على الطريق كما أقاموا الخيمات مما عطل المرور على الطريق. كذلك تظاهر مئات المعارضين للطاقة النووية صباح الاثنين الفائت على الطريق المؤدي للمستودع المذكور الذي يراه المسؤولون الألمان حتى الآن محطة مؤقتة وغير نهائية للنفايات المشعة، وتراص المتظاهرون جلوساً بالقرب من مدخل المستودع.
أخطار الإشعاع
وعندما يتعرض الإنسان للإشعاع سواء ذلك الصادر عن العناصر المشعة المستخدمة في المفاعلات النووية، أو الصادر عن نفايات تلك المفاعلات فإنه يتعرض لجملة من المخاطر، أيسرها الإصابة بالأنيميا (فقر الدم) نتيجة كبح نشاط نخاع العظام لإنتاج خلايا دم. ومن المخاطر الأخرى، كبح نشاط جهاز المناعة في الجسم، وبالتالي التعرض المتكرر للإصابة بأمراض متعددة لا يصاب بها الإنسان في حال نشاط جهاز المناعة.
أما أخطر آثار التعرض للإشعاع فهو الإصابة بالسرطان، خصوصاً سرطان الجلد. وعلى المدى البعيد يمكن أن يؤدي الإشعاع إلى الإصابة بالعقم، وإلى إحداث تحورات في الجينات تؤدي في حال انتقالها إلى الذرية إلى تشوهات خلقية.
وبينما يحدث فقر الدم في غضون أيام أو أسابيع قليلة من التعرض للإشعاع، فإن الإصابة بالسرطان تحدث بعد زمن أطول عدة شهور أو سنوات تبعاً لمقدار الإشعاع. وما دام الحال كذلك، فلا عجب أن يكون التخلص من العادم النووي مشكلة مؤرقة، سيما وأن أعداداً أكبر من الناس يحتمل أن تتعرض للإشعاع الصادر عنه، على خلاف المفاعلات النووية التي يقتصر عنصر الخطر فيها على العاملين فحسب. وهؤلاء أمكن تأمين سلامتهم بملابس واقية ووسائل وقائية أخرى.