أندرو فوكسال
مازالت أوكرانيا وروسيا في حالة حرب. ومنذ أن دخلت اتفاقية مينسك الثانية للسلام حيز التنفيذ في الخامس عشر من فبراير، قُتل نحو 400 جنديا وأكثر من 200 مدني أوكراني. وقد يموت كثيرون بعد ذلك أيضا. ولذلك، ليس بوسع قادة أوروبا تجاهل الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار.
لقد حصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المزايا الأفضل في اتفاقية مينسك الثانية. لقد أجبر أوكرانيا على قبول السلطات التي ثبتها في الأراضي التي غزتها روسيا باعتبارها سلطات شرعية. وقد ضبط بوتين الاتفاقية حتى يضمن خضوع الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو للضغط من كل من حلفائه وخصومه السياسيين على السواء عندما تكون كييف قد وفّت بالتزاماتها. وقد جعل من تقدم أوكرانيا نحو عضوية الاتحاد الأوروبي المحتملة أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد.
لكل هذه الأسباب نجد أن بوتين هو الذي قدم أقل شيء ممكن لضمان أن تظل اتفاقية مينسك الثانية قائمة.
لقد أثبت أن لديه القدرة على إيقاف وبدء الحرب في أوكرانيا عندما يناسبه الحال. وفي الأشهر الستة الأولى بعد الاتفاقية، سجلت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا انتهاكات يومية – شملت ليس فقط إطلاق النيران من أسلحة خفيفة بل أيضا استخدام مدافع الهاون والدبابات والمدفعية الثقيلة. ثم بعد ذلك في الأول من سبتمبر، توقفت الحرب – عندما بدأت القوات الروسية الوصول إلى سوريا.
على مدى شهرين، كان هناك "هدوء نسبي"، كما ذكرت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ثم في أوائل نوفمبر استؤنفت الأعمال القتالية وكان هناك عشرات الحوادث يوميا. وقد صعّدت القوى الانفصالية المدعومة من روسيا الصراع مرة أخرى.
وليس كسر وقف إطلاق النار فقط هو ما يعد انتهاكا من جانب بوتين لاتفاقية مينسك الثانية، بل لابد من سحب جميع الجماعات المسحلة والأسلحة والمرتزقة الأجانب من أوكرانيا. بيد أن روسيا تواصل نشر ما يقدر بنحو 9000 فردا من القوات النظامية وتسيطر على أكثر من 30000 من القوات غير النظامية، فيما يسمى بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين.
يجب أن يكون لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا الحرية في تنفيذ الاتفاقية، ولكن القوات الموالية لروسيا قيدت قدرة المنظمة على مراقبة وقف إطلاق النار وحرمتها من الوصول إلى الحدود بين أوكرانيا وروسيا ورفضت تزويدها بتفاصيل أسلحتها الثقيلة. إن طائرات الاستطلاع بدون طيار التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تستخدم لمراقبة الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون تعرضت للتشويش الملاحي العسكري من قبل الانفصاليين مما جعلها عديمة الفائدة.
من المفترض أن تسمح جمهوريتا دونيتسك ولوهانسك بتوزيع المساعدات الإنسانية في شرق أوكرانيا، ولكنها بدلا من ذلك حجبتها؛ ففي سبتمبر الفائت، منعت سلطات لوهانسك عشر منظمات إنسانية دولية، منها اليونيسيف، من دخول الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون، وفي أكتوبر منعت سلطات دونيتسك منظمة "أطباء بلا حدود" من العمل هناك. وبحسب الأمم المتحدة، تحرم الجمهوريتان 150000 فرد من المساعدات الغذائية الشهرية.
ولكن روسيا أفلتت من انتقادات الحكومات الأوروبية التي توسطت في إبرام اتفاقية مينسك الثانية. فنفس تلك الحكومات منشغلة بقضايا أخرى: الحرب السورية وتنظيم الدولة الإسلامية وأزمة اللاجئين.
ولكن أسباب انتهاكات روسيا ليست واضحة. ربما يسعى بوتين إلى عرقلة خطوات أوكرانيا نحو عضوية الاتحاد الأوروبي، بما فيها اتفاقية التجارة الحرة المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير المقبل، ومن ثم إضعاف حكومة كييف الموالية للغرب. وربما يحاول أيضا استخدام الانتباه العالمي الموجه نحو سوريا لزيادة الضغط العسكري على كييف على أمل أن يستسلم بوروشينكو لمطالب موسكو حول التسوية السياسية في شرق أوكرانيا.
ومهما كانت دوافع بوتين، فمن الواضح أنه يرى غفلة العالم عن أوكرانيا باعتباره مؤشرا على ضعف الغرب. وهذا فقط يغري الرئيس الروسي أكثر.
في مارس الفائت، قال رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، إن عقوبات الاتحاد الأوروبي التي تم فرضها على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا العام الفائت لن يتم رفعها حتى يكون هناك "تنفيذ كامل" لاتفاقية مينسك الثانية. ولكن هذا كان قبل أن تدفع الهجمات الإرهابية في باريس فرنسا إلى التقارب مع روسيا. إن بوتين يراهن على أن الغرب سيقايض التحالف في سوريا بتقديم تنازلات حول أوكرانيا.
لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يسمح بوقف العقوبات على روسيا. إن حدث ذلك فإن الاتحاد الأوروبي في الواقع يعترف بأن لروسيا الحق في أن تعزو وتزعزع استقرار أي إقليم كما تشاء، وتكون روسيا بذلك قد انتصرت على النظام العالمي الذي فرضه الغرب بعد الحرب الباردة، ويكون استبداد موسكو قد هزم ديمقراطية بروكسل الليبرالية.
ولكن مجرد تجديد العقوبات الحالية ببساطة لن يكون كافيا. ولن يكون كافيا أيضا تحديد مواعيد نهائية جديدة لوقف إطلاق النار إذا ما انتهكت روسيا المواعيد القائمة.
يتعين على الاتحاد الأوروبي تشديد تنفيذ عقوباته. ويتعين على خدمته الدبلوماسية النظر في مدى قدرة الأفراد والكيانات المفروضة عليهم العقوبات على التحايل على القيود الموجودة في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
بالنسبة لأوكرانيا والغرب، يجب أن يكون الهدف الأساسي هو ضمان الالتزام باتفاقية مينسك الثانية – بدءا باستعادة أوكرانيا للسيطرة على كل حدودها، وهو ما كان يفترض أن يحدث قبل نهاية العام. ولتحقيق ذلك، على الغرب أن يثبت استعداده لإجراء محادثات مع بوتين واستعداده أيضا لتشديد العقوبات إلى أن تفي روسيا بالتزاماتها. كما أنه ينبغي فرض عقوبات على العديد من الشخصيات الروسية الكبيرة، بما فيها بوتين نفسه، من ذوي المصالح المالية في الغرب.
إن معاقبة روسيا على سلوكها السيء ليس كافيا؛ وعلى الغرب أن يفعل المزيد لمساعدة أوكرانيا. فإذا ما قرر بوتين تصعيد الحرب، لن يكون جيش كييف قادرا على هزيمة القوات الخاصة والقوات المجندة الروسية – حتى وإن كانت روسيا تحارب أيضا في سوريا. على الغرب أن يواصل إرسال مستشارين عسكريين إلى كييف وتدريب القوات الأوكرانية وإرسال المعدات العسكرية، ولو فقط من أجل زيادة التكلفة على بوتين إذا ما فكر في أي تدخل جديد.
بدون هذه التدابير، فإن الحكومات الأوروبية التي تدرس التحالف مع روسيا في سوريا تخاطر بتشجيع حرب بوتين المتجددة في أوكرانيا.
مدير مركز دراسات روسيا بجمعية هنري جاكسون وهي مؤسسة بحثية تعنى بالشؤون الدولية مقرها لندن.