بقلم : علي بن راشد المطاعني
تكتسب زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لسلطنة عُمان أهمية كبيرة على العديد من الأصعدة والمستويات الثنائية والإقليمية والدولية وبما يخدم البلدين والشعبين الشقيقين وتفتح آفاقا أوسع لتطويرها إلى ما تتطلع وتصبو إليه القيادتان العُمانية والسعودية. وذلك عبر المزيد من التعاون في كل المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الهادفة لترجمة العلاقات النوعية بين البلدين إلى واقع ملموس يستفيد منه أبناء البلدين الشقيقين ويتمثل في ربط المصالح بالوشائج الأخوية والمصيرية والتاريخ المشترك وغيرها من الروابط وتوظيفها بشكل صحيح بمتابعة شخصية من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظهما الله ـ وعبر تقييم مشترك لما تفضي إليه من تطورات تستفيد من المقومات التي تزخر بها السلطنة والمملكة والتسهيلات والمزايا التي توفرها الحكومات في البلدين ، الأمر الذي يضع الجميع أمام مسؤولياته في النهوض بهذه العلاقات وترجمتها من كل الأطياف المستفيدة سواء مواطنين أو القطاع الخاص في كل من مسقط والرياض ، وذلك على هيئة مشروعات مشتركة وإستثمارات متبادلة وزيادة في حجم التبادل التجاري وغيرها من الجوانب التي نتطلع أن تشهد تطورا نوعيا في المرحلة القادمة. بلاشك أن زيارة الأمير الملكي محمد بن سلمان لها طابع خاص يتمثل في أنها جاءت ردا علي زيارة قام بها جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - إلى المملكة في الأشهر القليلة الماضية وهو ما يؤشر إلى أن هذه العلاقات تحظى بإهتمام عالي المستوى من قيادة البلدين بهدف الإرتقاء بها إلى ما يتطلعان إليه ومتابعة لما يتم إنجازه من الجهات الحكومية والقطاع الخاص في البلدين بين فترة وأخرى والتي تعقب زيارات القيادات العُمانية والسعودية. وما يثلج الصدر أن هذه الزيارة تأتي بعد لقاءات عُمانية وسعودية تمت في الشهور الفائتة من بينها زيارة الوفد السعودي الكبير برئاسة وزير الإقتصاد ، وعقد إجتماعات مشتركة مع العديد من الأجهزة والجهات العُمانية والسعودية ، فهذه اللقاءات تعكس مدى جدية الجانبين في الإرتقاء بالعلاقات والنهوض بها وترجمة ما تقره القيادة في البلدين من السمو بهذه العلاقات إلى ما نتطلع إليه جميعا. في الواقع هناك رغبة عُمانية سعودية بإحداث نقلة نوعية في مسار العلاقات بين قطبي منطقة الخليج والإستفادة من المقومات التي تزخر بها البلدان وتوظيفها بنحو أفضل. كما أن للزيارة دلالات كبيرة لعل من أهمها الإهتمام السعودي المرحب به عُمانيا بتطوير العلاقات في كل المجالات وعبر هذا الإهتمام المتبادل هاهي وتيرة الأعمال تتزاحم أكثر من ذي قبل مؤطرة بالرغبة السعودية التي نشيد بها عاليا في الإستفادة من موقع السلطنة على بحر العرب والمحيط الهندي في تصدير النفط السعودي بعيدا عن مضيق هرمز ونأيا به عن التوترات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة بين فترة وأخرى والتي تؤثر سلبا على تدفق الخام الأسود إلى العالم وما يشكله ذلك من مخاطر. ولا يخفى على المتابعين للأوضاع في المنطقة التحرك السعودي لإنهاء الحرب في اليمن وتسوية الأوضاع هناك لتتفرغ دول المنطقة للتنمية الإقتصادية المفضية لتحقيق وتأصيل الرفاهية والإزدهار ، كما أن علاقات السلطنة المحايدة مع دول المنطقة والأطراف اليمنية من الممكن الإستفادة منها وتوظيفها في إنهاء الأزمة التي طال أمدها بشكل مرضٍ لكل الأطراف ، إضافة إلى أن التقارب السعودي الإيراني الجديد وما يمثله من أهمية في تهدئة الأوضاع بالمنطقة سيجد في مسقط نقطة إرتكاز مهمة في تفعيل هذا التقارب وتنزيله لأرض الواقع على صيغة تفاهمات راسخة تبعد عن المنطقة شبح التدخلات الأجنبية وذلك بحكم العلاقات المميزة أبدا التي تربط مسقط بطهران وصولا لصيغة مشتركة تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل منهما والعمل على تنمية التعاون الإقتصادي. فما يجمع بين المملكة وإيران كدولتين محوريتين في المنطقة والعالم أكثر مما يفرق بينهما على ذلك فإن الخصومة ستسقط من تلقاء ذاتها تقديرا لتلك الحقيقة ، وفي ذات الوقت فإن السلطنة تتفهم كل المخاوف والتوجسات التي مابرحت قائمة بين الطرفين والتي تزكيها أطراف خارجية من مصلحتها أن يبقى التوتر قائما. فضلا عن أن الزيارة الأولى لولي العهد السعودي للبلاد ستضيف زخما حميدا لمساعي حلحلة القضايا التي تخيم على المنطقة وتشكل تحديا لانطلاقة المملكة لتحقيق تطلعاتها في رؤية 2030 حيث تتطلع المملكة لأن تشكل الرؤية إنطلاقة لمستقبل أرغد يحتاج لتكريس الأمن والإستقرار في المنطقة وعدم إستنزاف الموارد وهو توجه من شأنه أن يفضي إلى المزيد من المصداقية لتوجهات المملكة للإنطلاقة الإقتصادية في العالم وتفضليها من قبل المنظمات والمؤسسات الدولية. بالطبع الزيارات التي تقوم بها قيادة البلدين تشكل منطلقا مهما للمزيد من التعاون والتبادل التجاري وغيره ، لكن المنفذ الأول والأخيرة لمجالات التعاون هو القطاع الخاص والأهلي الذي عليه أن يضطلع بمسؤولياته في المرحلة المقبلة. نامل أن تحقق زيارة صاحب السمو الملكي ولي العهد السعودي للبلاد كل أهدافها المحددة بدقة سلفا ، وأن تمضي العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في النمو والتقدم وصولا لتكامل إقتصادي فريد يغدو نموذجا يحتذى به لكل دول المنطقة.