بقلم : محمد بن علي البلوشي
الحديث الناس عن السياحة لاينتهي كلما قدم موسمها شتاءً في الإجازات في الشمال وصيفا في الجنوب..ففي المواسم والمناسبات يرى الناس مالا قد يراه المسؤول ويرى المسؤول مالا يدركه الناس..البعض يقارن سواء كانت مقارنة متكافئة أو غير عادلة..وهناك من يتطرف في المقارنة رغبة منه في الأجمل بعيدا عن الواقعية سواء بين مكانين أو بين مناخين أو بين ثقافتين.تبنى السياحة على هذه المعطيات..فتصبح السياحة وكأنها ضحية لايجيد أحد قيادتها.. الحديث عن السياحة هو حديث بصري في جمال المواقع والتراث المادي فواضح بصريا ولايتطلب إلا أبسط الأشياء..تبقى بعض الجوانب بحاجة إلى لمسات أو "بهارات" تضفي مذاقا على المكان.هذا بلد تكثر فيه القلاع والحصون وبه معطيات سياحية أخرى.وحتى يتم الاهتمام بهذه الجوانب انشأت الحكومة وزارة للسياحة ثم دمجتها فأصبحت تتكامل وترتبط بالتراث فالتراث والسياحة يكملان بعضهما البعض فيتم الحفاظ على التراث وتوظيفه سياحيا.وهي تدخل في إطار السياحة الثقافية.. السياح طبائع مختلفة ..يأتي السياح الغربيين أو الأوروبيين على وجه الخصوص وهم يعشقون الشرق منطقة مختلفة سكان عصريون لكنهم يعيشون في قصص ألف ليلة وليلة ..تجذبهم حكايات الماضي عبر التراث السحري الذي يميز بلدان الشرق.ومع أن عناصر التراث لدينا متوفرة إلا أنه لا مكان مقارنتها بالمدن العتيقة التي حافظت على شكلها العمراني وروحها المكاني تلك مدن يتجلى فيها التراث المادي المتسلسل ..من المتاحف والأسواق الشعبية إلى المقاهي التقليدية ذات الإمتداد الزمني..نوعية السياح القادمون إلينا في هذا الموسم لايبحثون عن منتزهات أو كفتيريا آسيوية..يبحثون عن الجمال والنظافة والتراث سحر الشرق المدفون..نحن نملك جزءا يسيرا من سحر الشرق المادي الذي يمكن أن نبهر فيه الزوار والسياح بل وحتى المواطنين لكي تتكرر تجاربهم عبر أضافة بعض الأشياء واللمسات البسيطة.. لنأخذ هذه القلاع والحصون كمثال تحتاج إلى إعادة تصور لمحيطها ..هناك بعض الحصون والقلاع لازالت الأتربة والغبار وقلة المواقف المرصوفة..هذه لاتحتاج إلى الإسفلت بل الحجارة البسيطة التي تلائم طبيعة المكان بدلا من رش الاسفلت والقار على جوانب القلاع..بعض القلاع لازالت بلا لوحات إرشادية أو تعريفية أكثر في الداخل بعضها تم الانتهاء منه وبعضها ينتظر.الأمر كله يكمن في إجابة واحدة..التمويل وتوفر الميزانية أو بند خدمة السياحة بدلا من سيطرة الرواتب والأجور على الوزارة المسؤولة. يمكن من خلال إعادة تصور المحيط الخارجي للقلاع تحويلها إلى وسائل جذب وبخاصة في الموسم.
إن تحول القلاع من النمط الحالي المجرد الفاقد للحياة في المحيط والممل إلى محيط خارجي وداخلي ينبض بالحياة يقدم تجارب سياحية فريدة..كزيادة الوقت الذي يقضيه الزائر للتعرف على تاريخ وقصة المكان إلى تجميل المحيط الخارجي والقرى المحيطة بالقلاع..للأسف باتت البيوت الحديثة هي التي تجاوز القلاع ولايمكن اليوم إزالتها فهي أملاكا خاصة وقد كانت في السابق ربما أملاكا خاصة..واليوم لايستفيد الأهالي المجاورون لهذه القلاع والمباني الأثرية من السياحة شيئا..هل زرتم كهذه المواقع في بلدان أخرى ورأيتم الفرق.. لانريد ذلك كله بل جزءا منه فقط..لتتحول القرية التي تجاوز القلاع إلى مكان سياحي ذلك ويستفيد السكان أن أرادوا ذلك وتوعيتهم به..العالم ينفتح والناس كذلك ينبغي أن تستفيد.
بعض الحصون للأسف تحول محيطها الخارجي إلى مواقف للسيارات ولم يلتفت أحد لماي نبغي أن يكون عليه محيط هذه الحصون والقلاع..جرداء صماء تفتقر إلى مدخل التاريخ الذي يبدأ من الخارج ولوجا إلى الداخل وحصون تجاورها أسواق للأسماك وأعلاف الحيوانات وتفتقر المباني للتناسق مع روح المبنى للحصن أو القلعة ..هذا جزء من التلوث الي صنعناه لهذه الاماكن..دون تنسيق بين الاطراف..تبني البلدية سوقا بتصميم وترمم التراث والسياحة المبنى كما هو عليه..ثم النتيجة هي التنافر بين المكانين.السؤال كيف ندمج محيط القلاع والحصون مع المكان.
ليس المهم أن نفخر بأن لدينا نحو 500 قلعة وحصن وسور أثري فقط بل كيف نبث الحياة داخلها وخارجها ومابعد محيطها.
هل سمعتم عن الطامورة ..هي أشبه بالسجن السري في القلعة أو الحصن وهي مكان السجن والعقاب سابقا للخارجين عن القانون فمصيرهم في تلك الحفرة العميقة ليصاحبوا العقارب والأفاعي فاما أن ينجون أو يموتون بها..يرمون في الطامورة ويقدم لهم الأكل والشرب عبر دلو ماء..حسنا أليس من الأفضل كذلك إضافة لمسات إلى هذه الأماكن بحيث يستطيع الشخص تجربة المكان والنزول فيه بدلا من شكله الحالي..لمسة من رصف بالحجارة تحول الزيارة إلى تجربة مدهشة.يمكن تحويلها بل إلى نزل إن كنا سنتطرف في تطوير هذه المرافق لتكون في خدمة السياحة وجذب المال.عوضا عن الحفاظ عليها بالطريقة المعمول بها حاليا.
محيط القلاع والحصون لابد من إعادة تصوره وترتيبة وكذلك الحارات القديمة..نحن بحاجة إلى تطبيق رؤية ضمن رؤية عمان للتراث وبدلا من تظل هذه الأمكان صماء لا تنبض بالحياة لنحولها إلى نابضة بالحياة..ودليل ذلك حينما نرى قلعة نزوى وكيف هي وجهة للسياح وكيف أصبح محيطها الخارجي بحد ذاته منطقة جذب سياحي وسوقها التقليدي ولنقارنها بقلعة بهلاء ..سكان المكانين يدركون الفرق بين القلعتين.آمل من المسؤولين عن السياحة أن يلقوا نظرة جانبية أكثر عمقا على محيط بعض القلاع وكيف أنه متعب بصريا..المسألة لاتحتاج إلى معجزة..كما أن الإرادة بكل تأكيد متوفرة والمال قد يكون متوفرا..فقط تحسين هذه النظرة لكل محيطات القلاع والحصون ويمكن ان يكون قابلا للحياة في الصيف كذلك..هذه لاتحتاج لأختراع العجلة ..لديك مال ستصنع منه وبلمسات مبهرة غير مكلفة وملوثة بصريا حاجات تجذب السياح وتجعل متعتهم أعمق في المكان.