بقلم : محمد محمود عثمان
كشفت جائحة كورونا الكثير من الحقائق والمآسى التى كانت غائبة عن ذهن المسؤولين في معظم دول العالم خاصة ما يتعلق بقضايا الباحثين عن عمل والمسرحين من شركات القطاع الخاص بمباركة الحكومات ، حيث تولدت الكثير من المشاكل الجديدة على المجتمعات التي عجزت بجدارة عن ملامسة الأزمة أو الاقتراب منها ، إلا على استحياء وباستخدام مسكنات وقتية لا تغني ولاتثمن من جوع ،مع رفع شعارات إعادة تعيين المسرحين في شركات أخرى بالقطاع الخاص وهى معضلة حقيقية بل وصعبة ، لأن المعالجات خاطئة وعبثية ،فإن الشركات التي سرحت عمالها لا يمكن أن تقبل بإعادة تعيين المسرحين من شركات أخرى، على الرغم من أن بعض الدول قد سارعت بمواجهة أزمة المسرحين بعد تدخل نقابات العمال ونجاحها بإعادتهم إلى شركاتهم الأصلية مرة أخرى ، باعتبار أن ذلك أسرع وأفضل الحلول العملية ،وكذلك بتقديم المساعدات النقدية محددة المدة ، ولكن ماذا يفعل المسرحون بعد ذلك ؟ وينطبق عليهم المقولة الصينية المشهورة التي تقول : «لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد» لأن تعليم المهنة سوف يُدر دخلا دائما ،خاصة إذا تم التركيزعلى عدة نقاط منها : عدم الاعتماد على دور أساسي للحكومات في عمليات التشغيل لأنها ليست مكتبا للتوظيف ، بل دورها الأساسي هو تنظيم ومراقبة سوق العمل وربط مخرجات التعليم بالمجتمع ، وتشجيع الباحثين عن عمل - لأنهم لا يهتمون بذلك - على تنمية قدراتهم واكتساب الخبرات وإعداد قاعدة بيانات عن الاحتياجات والمهارات المطلوبة لأسواق العمل المحلية والخارجية ، ثم المساعدة على الانخراط في المشروعات المتوسطة والصغيرة ، والتخطيط والتنفيذ وإقامة المشروعات الجديدة التي تستوعب العمالة الكثيفة ، وتجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ،ثم منحها حزما من التسهيلات الضرورية المتعلقة بتبسيط الإجراءات وخفض الرسوم والضرائب التي تتسبب في هروب المستثمرين وتُنفرهُم من الدخول في استثمارت مشتركة أو خاصة، وهذه «ألف باء «السياسات الاقتصادية الرشيدة ،التي لا تتفنن في جباية الأموال من قطاع الاستثمارات الذي يحتاج إلى التحفيز الدائم ، واستقرار وثبات القوانين والتشريعات التي تؤثر على المستثمر المحلي والأجنبي، بل وتفقده الرغبة في المخاطرة بأمواله إذا وجد بيئة غير مواتية ومناخ غير ملائم ،بالإضافة إلى وضع استراتيجية إعلامية لتغيير الثقافة السائدة والمترسخة عن مسؤولية الحكومات في التوظيف المباشر للخريجين،وأيضا للكف عن استمرار رسائل وسائل الإعلام والإعلاميين ذات التأثيرات السلبية على المجتمع والرأي العام من خلال دغدغة المشاعربأن الحل السحري للقضاء على إشكاليات توظيف المسرحين والباحثين عن عمل يكمن فقط في الاستغناء عما تبقى من الأيد العاملة الأجنبية التي شاركت وتشارك في التعمير والتشييد والإنتاج وبناء الحضارة الحديثة، وما لذلك من تأثيرات سلبية طويلة المدى على المجتمعات والاقتصاديات وقد أدركت ذلك الدول التي بدأت منذ سنوات في توطين الوظائف - ثم تراجعت خطوات بعد التطبيق العملي وتأثر القطاع الخاص - بعد أن أدركت أن وجودهذه الأيد العاملة يُعد من الميزات التفضيلية التي تسهم بفاعلية في تطويرونمو منشآت ومشروعات القطاع الخاص وتوسيع قاعدة التوظيف لديه،وتعزيزجاذبية المناخ الاستثماري ، فضلا عن أنها من العناصرالضرورية لزيادة حجم وقوة السوق العقاري وتنشيطه ، وزيادة الزخم الاستهلاكي الذي يهتم به أصحاب المشروعات الاستثمارية، في ظل ما نمر فيه من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية ، من المتوقع تفاقمها ، إذا تعرضنا لارتدادات جديدة من موجات كورونا المتحورة والمتوقعة ، والتي ستعاني خلالها أسواق العمل من ضعف العرض من فرص العمل وزيادة الطلب على الوظائف،لذلك من الضروري أن نعلم أن حل مشاكل الباحثين عن عمل أو المسرحين لا يأتي فقط من خلال الأوامر الفوقية بالتعيين في الوظائف،لأن قدرة المؤسسات الحكومية على استيعاب وظائف جديدة محدودة للغاية إذا لم تكن معدومة ،حيث إن الإعلان عن وظيفة واحدة يتقدم لها الآلاف ، ويحصل عليها شخص واحد فقط ،وما يترتب على ذلك من احباطات ، وبالمثل القطاع الخاص متخم بالمشاكل والديون والقروض وقضايا الشيكات المرتجعة ،ويقوم بتسريح حتى بعض الأيد العاملة المنتجة والماهرة من كل الجنسيات باسلوب تعسفي ممنهج للتخلص من العمالة الفائضة التي فُرضت عليه في إطار المشاركة في حل مشكلة الباحثين عن عمل ،وسوف تزداد المشكلة تعقيدا، مع استمرار المعالجات الخاطئة أو المبتسرة ، ومع انعدام الرؤية لدى القطاع الخاص لعلاج واحتواء مشاكله ، قبل أن يصل إلى حافة الهاوية أو السقوط فيها ، حيث يشهد تعثر الكثير من الشركات وإفلاسها، وانسحابها من السوق بصمت ، بعد أن خلفت أزمة كورونا في عام 2020 م أكثر من 25 مليون عاطل ومسرح (بدون وظيفة وبدون دخل كاف)، في ظل العجزالواضح للمؤسسات النقابية العمالية المناط بها الدفاع عن حقوق الأيد العاملة والتصدي لمشاكلها مع جهات العمل.