حوار- ليلى بنت حمد العامرية
تزداد الأمراض النفسية في المجتمعات نتيجة المؤثرات الخارجية التي يصاب بها الأفراد، فكل شخص عرضة بأن يصاب بنوع من الانفعالات أو الأمراض النفسية التي تستدعي التدخل الطبي والعلاجي إلا أن مشكلة عزوف الكثير ممن يعانون من أمراض نفسية عن زيارة الطبيب النفسي لها أسباب عدة تعود إلى مدى الثقافة المرتبطة بالشخص نفسه ومدى قناعته بدور الطب النفسي في علاج الكثير من الحالات حيث يعتبر العزوف عن العلاج النفسي مشكلة لها أبعاد خطيرة، فمن الممكن أن تصبح تلك الأمراض النفسية عضوية ومن الممكن أيضا أن تتطور لتصبح أمراضا عقلية يصعب علاجها مع الوقت. «7 أيام» تطرقت لأسباب العزوف عن العلاج النفسي لتلقي الضوء من خلال التحقيق التالي على أهمية العلاج النفسي..
يعزف الكثير من الأشخاص ممن يعانون من أمراض واضطرابات نفسية عن زيارة الطبيب النفسي لأسباب كثيرة، بعضها ينصب في قالب النظرة الاجتماعية حول هذا الجانب، فالبعض يعتبر أن زيارة طبيب نفسي يجعله شخص غير سوي بنظر أفراد المجتمع من وجهة نظر الكثير من الأشخاص، إلا أن هذه النظرة التقليدية أخذت في التراجع شيئا فشيئا، إلا أنها مع ذلك لا تزال باقية في عقول البعض خاصة ممن يعانون من هذه الأمراض.
وفي الوقت الذي يرى فيه الطب أن الأمراض النفسية بدأت في ازدياد يوما بعد يوم، ذكرت منظمة الصحة العالمية أن واحدا من كل عشرة أشخاص على مستوى العالم مصاب باكتئاب أو باضطرابات قلق شديدة.
وأوضحت المنظمة أن أعداد هؤلاء الأشخاص ازدادت بشكل كبير خلال العقود الفائتة، وأشارت المنظمة إلى أن هذه النوعية من الاضطرابات النفسية تكلف الاقتصاد العالمي سنويا نحو 900 بليون يورو، لاسيما بسبب أوقات التغيب عن العمل وخسائر الإنتاج.
ومن هذا المنطلق ذكرت الدراسة التي تم نشرها الأربعاء الثالث عشر من أبريل الجاري في جنيف أن الاستثمارات الرامية لمساعدة هؤلاء المرضى لا تنطوي على فوائد صحية فحسب، ولكن أيضا على فوائد اقتصادية واضحة.
وأضافت الدراسة أن استثمار دولار واحد من أجل علاج مرضى الاكتئاب أو اضطرابات الخوف، سوف يجلب فائدة بقيمة أربعة دولارات بفضل تحسن الحالة الصحية للمريض وارتفاع قدرته على العمل.
وقالت المدير العام لمنظمة الصحة العالمية مارجريت تشان إن الكوارث الإنسانية والنزاعات الحاصلة في جميع أنحاء العالم تزيد الحاجة لتوسيع نطاق العلاج.
جدير بالذكر أن الدراسة تم نشرها في دورية «ذا لانسيت للطب النفسي».
نظرة خاطئة
أما عن رأي بعض الأشخاص الذين التقتهم 7 أيام عن أسباب العزوف عن زيارة الطبيب النفسي يقول إبراهيم بن عبيد الشقصي: أرى أن النظرة حول الأمراض النفسية لا تزال سطحية فالبعض يقرن الأمراض النفسية بالأمراض العقلية وهذا شيء خاطئ وأظن بأن أغلب المرضى النفسيين يخافون من زيارة الطبيب النفسي حتى لا تقع عليهم نظرة سلبية من المجتمع أو بالأصح حتى لا يتم النظر إليهم على أن بهم نقص في النواحي العقلية فكما ذكرت بأن الأمراض النفسية بعيدة تماما عن الأمراض العقلية وكلاهما لا يشبه الآخر.
من ناحية أخرى يرى عمر بن سالم الشكيلي أن الطب الحديث في مجال الصحة النفسية تطور بشكل جيد حتى يومنا هذا إلا أن أسباب العزوف عن العلاج النفسي قد يتصل ببعض الأفكار التي صورها الناس عن الأمراض النفسية منذ قديم الزمان ويقول الشكيلي: في الواقع لو أن الفئة التي لا تؤمن بدور العلاج النفسي تلقت تثقيفا من قبل الجهات المختصة لاستطعنا أن ننشر حقا ثقافة العلاج النفسي وأظن أن النظرة التقليدية التي تنظر إلى المرض النفسي على أنه عيب أو نقص في جوانب الإنسان لما كانت هناك أية نظرات سلبية أو عزوف حول تلقي العلاج.
أما بالنسبة لأم محمد الهنائية فهي تؤمن بأن الإنسان يستطيع أن يتخلص من أي مرض نفسي بدون علاج وبدون اللجوء إلى الأدوية في كثير من الحالات وتقول: لو أن كل شخص استطاع أن يحصن نفسه بالأذكار اليومية والمواظبة على قراءة القرآن لما كانت هناك الحاجة إلى العلاج النفسي أو لم تكن هناك أمراض نفسية من الأساس.
وتضيف: في الواقع أنا أؤمن بدور الطب النفسي إلا أن بعض الحالات يمكن أن يضبطها الشخص بنفسه كأن يصفي ذهنه ويبعد نفسه تماما عن الضيق والعصبية وأن يجاهد نفسه في سبيل طاعة رب العالمين وبذلك يصبح القرب من الله تعالى حاجزا منيعا ضد الكثير من الأمراض النفسية كالوساوس والقلق والاضطرابات الأخرى.
رأي علم النفس
من ناحية علمية فإن لاختصاصي طب النفس رأيا في هذه الناحية حيث تؤكد نورة بنت سالم الأخزمية أخصائية نفسية في عيادة همسات السكون للصحة النفسية أسباب العزوف عن العلاج النفسي قائلة: هي النظرة القديمة والوصمة التي دائماً ما كانت مرتبطة بالمرض النفسي أو المشاكل النفسية حيث إنه حتى يومنا هذا قد يصف البعض الشخص الذي يزور الطبيب النفسي بالجنون غافلين عن أهمية الصحة النفسية وارتباطها بمعظم الأعراض الجسدية التي قد يشعر بها المرء. وفي هذا السياق نجد أن الشخص -حتى بعد اقتناعه بضرورة زيارة الطبيب النفسي- يخشى من نظرة المجتمع له.
وتؤكد أخصائية الصحة النفسية بأن الفئة العمرية التي غالبا ما تقصد العيادة هي الفئة التي تتراوح أعمارهم من 4-50 سنة تقريبا.
وعن نوعية المشاكل التي تعانيها هذه الفئات تقول: (مشاكل الأطفال بين التوحد وفَرط الحركة والمشاكل السلوكية) (أما المراهقون تعزيز الثقة بالنفس وضغوطات الأقران) (وبالنسبة للبالغين مشاكل زوجية، رهاب ومشاكل أخرى).
وتتحدث نورة الأخزمية عن أسباب تأخر الاهتمام بالعلاج النفسي في مجتمعاتنا حتى الآن قائلة: قلة الوعي بأهمية الصحة النفسية وتركيز الاهتمام على العوارض الجسدية دون التركيز على مسبباتها التي قد تكون في معظم الأحيان نفسية. فكما ذكرت سابقاً تلعب الوصمة القديمة دوراً كبيراً في تأخر الاهتمام بالعلاج النفسي (لكننا نشهد زيادة في الوعي في هذا المجال). أيضاً هناك معتقدات قديمة راسخة لدى الكثيرين تؤوُّل الأمراض النفسية على أنها عين أو حسد أو جن أو سحر وعليه يتم اللجوء لجهات عدة قبل الوصول للعيادة النفسية. وأود أن أذكر في هذا السياق الدور الرائد الذي تلعبه عيادة همسات السكون في زيادة التوعية بماهية الأمراض أو المشاكل النفسية من خلال البرامج والحملات التي تطرحها (مثل حملة نحن معك التي ركزت على فكرة أن أي شخص مهما كانت نجاحاته معرض للمشاكل النفسية) والقصد من هذه الحملات توصيل الرسالة لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع بطريقة تفاعلية مع الابتعاد عن رتابة
الرسائل التوجيهية
وعن ماهية الفرق بين الطبيب النفسي الذي درس الطب والاختصاصي النفسي الذي درس علم النفس تذكر نورة الأخزمية الفرق قائلة: الفرق كبير حيث إن الأول يهتم بصرف الأدوية للعلاج بينما يهتم الاختصاصي بعلاجات وخطط سلوكية لعلاج المشكلات النفسية. قد يحتاج المرء الاثنين معاً في بعض الحالات حتى يتمكن من التجاوب مع العلاج لكن (من وجهة نظري الشخصية) يجب أن يكون ضمن خطة العلاج تقليل الاعتماد على الأدوية شيئاً فشيئاً.