أيهما الأهم: المشكلة أم سببها؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٤/نوفمبر/٢٠٢١ ٠٨:٤٥ ص
أيهما الأهم: المشكلة أم سببها؟

بقلم : سمعان كرم 

أصبح من المسلَّم به عالمياً أن وتيرة الأعاصير والمنخفضات الجوية وقوتهما هما على ازدياد، بسبب الإحتباس الحراري، كما يفترض أصحاب الاختصاص. والسلطنة تتحمل نصيبها من تلك الأنواء وتأثيراتها على الناس والممتلكات. طبعاً العلم الأكيد واليقين هو عند الله تعالى لما سيحدث في المستقبل، لكن على الإنسان أن يتوقع تلك الأحداث وأن يستعد لمواجهتها وتخفيف أثرها السلبي عندما تحدث، لا بل أن يحوِّل بعضها إلى فائدة وأثر إيجابي.

يجمع الخبراء في علم جغرافيا والمناخ في عمان أن هناك ثلاث مسارات مفضلّة للأعاصير التي تلد وتكبر وتتضخم في المحيط الهندي. المسار الأكثر ترجيحاً يأتي من الشرق ويحلّ على الهند. والمسار الثاني هو مسار يمرّ على باكستان وإيران وينتهي على شمال عمان. أما المسار الثالث فيكون جنوباً وغرباً بإتجاه القرن الأفريقي ويحل على الوسطى وظفار واليمن. وبالتالي قد تعود ذرية ‘شاهين‘ لضرب الباطنة من جبالها نزولاً إلى أوديتها وسيوحها وصولاً إلى بحرها، تاركةً وراءها الخراب والأضرار.

فإذا كانت هذه المياه الفائضة هي التي تسبب الأضرار، أي هي سبب المشكلة، لماذا لا نعالج السبب، أي المياه، قبل حدوث الأضرار أو على الأقل تخفيف حجمها وحدتها خلال تلك الحالات الاستثنائية؟

هناك عنصرٌ في المعادلة يمكن التحكم به وهو مسار السيول أي جغرافية الموقع، وعنصر لايمكن التحكم به وهو كمية الأمطار التي قد تهطل على منطقة معينة. لكن هناك وسائل علمية وهندسية (Hydrology) تسمح لنا أن نقدر كمية المياه التي قد تمر في نقطة ما، خصوصاً في الأودية والانخفاضات حيث تتجمع المياه وتتدفق وتتسارع وتقوى وتصبح جارفة ومسببة للأضرار. مبدئياً هذا مايفعله مهندسو الطرق أو على الأقل هذا مايجب أن يفعلوه عند تصميم الصناديق الخرسانية أو الجسور والحمايات في الحالات العادية.

والمطلوب اليوم هو قيام دراسة أوسع واشمل ليس فقط لحماية الطريق بل حماية المنطقة المعنية بكاملها. تقوم مثلاً دراسة شاملة لوادي الحواسنة من أعلى الجبال حتى البحر مروراً بالأودية والسهول. يصار بعدها إلى تحديد المسارات الرئيسة وتحويل الجانبية اليها وتهذيب تلك المسارات ورفع جوانبها إلى المقدار الذي يحتوي مياه الإعصار. كما أنه يصار إلى تصميم وإقامة سدود على المسار مباشرة أو على جانبيه كما يتم حالياً تنفيذه في وادي عدي. فقد تم تنفيذ سد العامرات والعمل قائم على تنفيذ سدّين على مجرى الوادي ومن المنتظر أن تنفذ ثلاث سدود جانبية اخرى. عندها لا نعود نخشى غضب هذا الوادي القوي. صحيح أن المياه ارتفعت في الوادي أيام ’شاهين‘ فوق المستوى المطلوب وذلك لأن أعمال السدود لم تنتهي بعد. بالإضافة إلى ضبط المجرى والمياه التي تمرّ به، من المتوقع أن بعض المياه المخزنة وراء السدود ستجد طريقها إلى تغذية المياه الجوفية في الوادي، تلك المياه التي كانت تغذي العاصمة بالمياه ولاتزال تدعم محطات التحلية بمياهها الطبيعية لتحسين طعمها.

بعد اعتماد المسارات ورفع جوانبها وتثبيتها يصار إلى إعادة توزيع الأراضي التي تقع عليها ونقلها إلى مناطق مرتفعة عنها. وبعدها يصار إلى اختيار مسارات الطرق والخدمات. وتكون هناك فرق تقوم بصيانة تلك السدود والمسارات كي تكون دائماً جاهزة للتعاطي مع الفيضانات.

قد تبدو هذه المقترحات بديهية ومنطقية. لماذا اذاً لا تطبق وفي كل مرة نتكلف بإصلاح الاضرار بدلاً من معالجة سببها؟ جميل جداً أن نعيد بناء حوالى سبعمائة منزل في الباطنة بعد ’شاهين‘ وأن نتساعد ونتعاضد مع المتضررين. كلها مبادرات نبيلة خصوصاً ماتفضل به صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بإنشاء الصندوق الوطني للحالات الطارئة.

حان الوقت أن تنفذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية وأن تعيد النظر بالمكان واستدامته وتهذيب مجاري المياه وإنشاء سدود الحماية والتغذية الجوفية قبل توزيع الممتلكات بموجب تلك الاستراتيجية.