بقلم : محمد محمود عثمان
أسواق العمل تترنح في جميع أنحاء العالم متأثرة بتداعيات «كورونا»، التي كشفت الكثير من السلبيات الكامنة التي تعاني منها الاقتصاديات النامية في الأساس ، خاصة في الدول التي اتسمت معالجتها بالقصور في ظل سياسات الإنغلاق على الموارد البشرية المحلية وشعار الحق في التوظيف ، ولا شك أن ذلك واجب على الحكومات ومطلب أساسي وضرورة وطنية، تحمل في طياتها البعد الوطني والإنساني ، ولكنها قد لا تصلح في كل الحالات ،لأن هذه السياسات تتطلب العديد من المعايير وأهمها توافر الأيدي العاملة المدربة التي تتمتع بالمهارات الفنية التي يحتاجها السوق ، في ظل المتغيرات التكنولوجية التي تسابق الزمن يوميا بإضافة الجديد والمتطور من الأجهزة والآلات الحديثة ، الأمر الذي يفاقم من حجم الفجوة المهاراتية بين الشرق والغرب، لذلك فإن القطاع الخاص يعاني من الفجوة المهاراتية في الحصول على الأيدي العاملة الماهرة من العمال الوطنيين والوافدين على حد سواء ؛ لنقص المهارات وعدم الرغبة في التطوير والإبداع ، التي تتوافق مع احتياجات سوق العمل، وتلبي احتياجاته وتتواكب في الوقت ذاته مع التقدم والتطور التكنولوجي المتلاحق ، والذي يتدفق علينا من الدول المتقدمة بدون حول لنا ولا قوة ، ولذلك يتكبد القطاع الخاص خسائر جمة تنتج من تعطل الآلات عندما يضطر إلى تشغيل عمال غير مدربين بالشكل الصحيح.
والمسؤول عن ذلك عدة أطراف ولا أكون متجنيا إذا قلت بأن العامل هو أول المسؤولين عن ذلك -على الرغم من حاجته الملحة للعمل والتوظيف - إلا أنه لم يجد أويجتهد في تطوير مهاراته ومعارفه ، حتى يتكمن من المنافسة مع الآخرين في سوق العمل ، أوقد يكون ذلك ناتجا عن نقص الثقاقة أو الدافعية للتعلم عند البعض، أونتيجة لوسائل الحماية التي تنتهجها بعض الحكومات لحماية الأيدي العاملة الوطنية ، بدون إعدادها الإعداد الجيد، والتي تقضي على الرغبة أو الحماس للتعلم والتدريب ، وأيضا في تسريح أعداد كبيرة من الأيدي العاملة المهنية والمدربة ، الذين أصبحوا بدون دخل أو مصادر للرزق هم وأسرهم،أو ناتجة عن كل هذه الإشكاليات مجتمعة بدون النظرة المستقبلية والعلمية التي تقدر الآثار على الإنتاج والإنتاجية وعلى قوة الموارد البشرية ،ومدى سلبيات ذلك على الاقتصاد بشكل عام ، باعتبار أن القضاء على البطالة عنصر من مقومات التنمية والتنافسية العالمية ، إلى جانب المقومات الاقتصادية الأخرى، وهذه أمور معلومة من الاقتصاد بالضرورة ، وفي كل النظريات في الاقتصاد الإسلامي او الماركسي أو الرأسمالي ،فالعامل يجب أن يطور من أدائه ليحقق إنتاجية عالية تضعه في المقدمة ليفرض نفسه على سوق العمل ، وعلى الدول المصدرة للأيدي العاملة - أو المستوردة لها - أن تعي ذلك حتى لا تخسر المنافسة الضارية في أسواق العمل ،لأن العجز الشديد في المعاهد الفنية للتدريب والتأهيل والكليات أو الجامعات التقنية في الدول النامية أمر في غاية الخطورة على تقدم هذه المجتمعات ، وعلى مستقبل الأجيال المقبلة ، خاصة مع افتقادنا إلى قاعدة بيانات حديثة تساعد في التعرف على احتياجات الشركات من التخصصات المختلفة ، في كل قطاع لعدة سنوات مقبلة ، للتسهيل في وضع استراتيجية شاملة للتدريب، تضم الحكومة والقطاع الخاص ، لتحديد مستوى المهارات التقنية والمواصفات التي يحتاجها أو يمكن أن يحتاجها لخمس سنوات مقبلة على الأقل، وفق المعايير الفنية لكل وظيفة ، وحتى لا يقف القطاع الخاص سلبيا في مواجهة ما يُفرض عليه من أيد عاملة - تتراكم لديه - وتفتقد إلى الخبرة والمهارة ولا تستطيع أداء الأعمال الفنية المتخصصة بكفاءة ومهنية ، وتزيد من تكلفتهم الاقتصادية، وتتسبب في أعباء وخسائر على المدى الطويل ، وهناك تجارب دولية ناجحة في الدول المتقدمة من خلال ما يسمى بالتلمذة الصناعية التي يكتسب الطالب من خلالها الخبرة العملية في المهن التي يدرسها ويتدرب عليها في شركات القطاع الخاص وهي بخلاف التدريب على رأس العمل ، ولكن المؤلم عربيا أن هناك غياباً لهذه الرؤية ، تحت ضغوط السلطات التي تحدد عدد العمال في شركات القطاع الخاص ،الأمر يطرح سؤالا جوهريا وهو : من الذي يحدد احتياجات شركات ومؤسسات القطاع الخاص من الأيدي العاملة ؟ هل الحكومات أوالمسؤولون عن الشركات ؟ خاصة مع زيادة الشركات المتعثرة والشركات التي تعلن الإفلاس ، ما يؤكد على خطأ أو قصور المعالجات في التعامل مع الفجوة المهاراتية ، ما تسبب في عدم النجاح في توجيه دفة الاقتصاد ودوران عجلة الإنتاج ، خاصة أنه ليس من واجب الحكومات تدبير الوظائف للخريجين ، بل مهمتها ودورها هو إيجاد الوظائف من خلال الاستثمارات والمشروعات الصناعية والاقتصادية والتجارية أو الخدمية الجديدة ، التي تستوعب جحافل الخريجين الذين يدخلون السوق سنويا للبحث عن فرصة عمل ؟ بالإضافة إلى التخطيط للاستثمار في الثروة البشرية وتدريب وتأهيل فائض القوى العاملة وإعدادها للتصدير للأسواق التي تحتاج إلى العمالة المدربة ، باعتبار أن الاستثمار في الموارد البشرية من أفضل الاستثمارات.