بقلم: محمد محفوظ العارضي
يصادف الثامن عشر من نوفمبر هذا العام الذكرى الواحدة والخمسين للعيد الوطني لسلطنة عُمان، وهي الذكرى التي نحتفل فيها أيضاً بمولد المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، القائد الذي أطلق شرارة النهضة العمانية وأحدث التغيير وقاد مسيرة النمو التي أوصلت السلطنة إلى الحداثة والازدهار. لذا فإن هذا اليوم يشكل مناسبة غالية على قلوب العمانيين لما يحمله من معانٍ وذكريات طويلة على مدار العقود الفائتة.
لقد كان للسلطان قابوس رحمه الله خطة عملية ورؤية ثاقبة ساهمت في تحديث السلطنة من خلال نهج متكامل تضمّن العمل على تطوير البنية التحتية والخدمات وإشراك المواطنين في تحويل هذه الرؤية طويلة الأمد إلى واقع ملموس.
لقد كانت سلطنة عُمان في العام 1970 متأخرة عن باقي دول العالم وحتى دول المنطقة على صعيد التنمية. فلم يكن لدى السلطنة سوى عشرة كيلومترات من الطرق المعبّدة، وثلاث مدارس للذكور فقط، ومستشفى واحد لخدمة الشعب بأكمله. لذا بادرت الحكومة إلى تسخير عائدات النفط الوطنية لدفع وتيرة الاقتصاد وتنويعه بعيداً عن الزراعة وصيد الأسماك فقط، وعملت على تجهيز البنية الأساسية الحديثة لتعزيز استمرار النمو.
ويعد تمكين الشباب من خلال التعليم والرعاية الصحية وتوفير بيئة آمنة وداعمة، من أهم عوامل التغيير في السلطنة، خاصة وأن ذلك مكّنهم من تسخير إمكاناتهم الكاملة والمساهمة بشكل ملموس في تقدم البلاد.
من ناحية أخرى، ازدهرت علاقاتنا الخارجية مع العديد من دول العالم بفضل المساعي المستمرة إلى الترويج لقيم السلام والتعايش التي لطالما كانت من أهم مميزات الثقافة العمانية الأصيلة.
إن عُمان التي نعرفها اليوم تتمتع ببنية أساسية متطورة، ونظام تعليمي متوفر لجميع السكان، ومستشفيات عالمية المستوى، واستراتيجيات طويلة الأمد، وذلك كله بفضل القيادة الاستثنائية للسلطان قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراه، ومن بعده حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، والجهود المشهودة لمواطني السلطنة على مدار العقود الفائتة في سبيل رفعة البلاد وتقدمها.
لقد نجحت السلطنة مؤخراً في التعامل مع التحديات الهائلة التي فرضتها جائحة كوفيد-19. وأسهمت الجهود الوطنية للحفاظ على استمرارية عمل جميع مفاصل الدولة وتعزيز الروح المعنوية خلال تلك الفترة العصيبة، في الاضطلاع بنتائج رائعة حظيت بإشادة كبيرة من الخبراء حول العالم.
إن العيد الوطني العماني يشكل احتفاءً بمسيرة استثنائية شهدت تحولاً كاملاً من دولة بعيدة عن ركب التطور إلى دولة حديثة وسريعة النمو تسعى إلى تمكين جميع مواطنيها. ومع خروجنا التدريجي من مرحلة الجائحة الذي تسبب بتحولات هائلة حول العالم، أعتقد بأنه ينبغي علينا الرجوع قليلاً للنظر في القصة العمانية ولنستذكر معاً بأن التقدم والنجاح يأتي من رحم المعاناة ومجابهة التحديات.
وأرى بأن أفضل طريقة للاحتفاء بالرحلة الملهمة للسلطنة هي الالتزام بإشراك الشباب في وضع خريطة طريق للمرحلة التالية من التنمية في العقود المقبلة، سواءً من خلال البرامج الرسمية أو غير الرسمية. وأهم عنصر في هذه العملية هو التواصل المفتوح بين الشباب والحكومة ومؤسسات القطاع الخاص التي تمتلك القدرة على إشراك شبابنا في تحقيق الأهداف طويلة الأمد وإحراز أفضل النتائج.
إن اتباع نهج شامل ومتكامل يعني أن يقوم أفراد المجتمع الكبار الذين شهدوا بأنفسهم نهضة السلطنة إلى ما هي عليه اليوم، بمشاركة خبراتهم وتجاربهم مع جيل الشباب. كما يجب أن نشجع شبابنا على التعبير عن آمالهم وطموحاتهم وأن نمنحهم الفرصة لمناقشة التحديات التي تواجههم والاضطلاع بالحلول والاستفادة من الموارد المتاحة.
لقد تابع العالم أجمع مسيرة التنمية العمانية التي مكّنت السلطنة من تعزيز مكانتها كصانعة للسلام. وإننا فخورون بما تم إنجازه وبهذه الرحلة الملهمة، لكن ما زال هناك الكثير من العمل.
إننا ننعم اليوم بالعديد من المميزات بفضل الله تعالى، ويجب علينا الحفاظ على هذه النِعم عبر الشعور بالمسؤولية ومواصلة الالتزام تجاه البلاد بشكل يجعل قادتنا وأجيالنا المستقبلية فخورين بنا.
إن طريق النجاح محفوف بالتحديات والصعاب، لكن السلطنة تتمتع بنقاط قوة كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، تاريخها العريق ومواهبها المميزة والموارد الموجودة في العديد من القطاعات والتي يجب الاستفادة منها.
لطالما تعاون أفراد المجتمع عبر أجيال عديدة لما فيه مصلحة البلاد. وعلى الرغم من المصاعب التي شهدناها بسبب الجائحة، فكلي ثقة بأن كافة مكونات المجتمع سيصبّون جهودهم للتركيز على مرحلة التعافي والعودة إلى أهدافنا بعيدة الأمد.
إن العيد الوطني العماني يتزامن مع بدء مسيرة نهضة السلطنة. وأنا واثق تماماً باستمرار هذه النهضة وبأن الشعب العماني سيتمكن من تجاوز الصعاب والارتقاء بالبلاد إلى مستويات كبيرة من النمو والتطور في المستقبل.