التطور التشريعي العماني لمكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٤/نوفمبر/٢٠٢١ ١٥:٤٣ م
التطور التشريعي العماني لمكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب

 بحث وكتابة: عفراء بنت جمعة الهاشمية

   تعد جريمة غسل الأموال من الجرائم التي تطلبت جهودا دولية لمكافحتها متمثلة في العديد من الاتفاقيات الدولية المتتابعة، والتي على إثرها تنشأ الجريمة الإرهابية وتمويلها، وترتبط بجرائم أخرى تتطلب تعاونا إجراميا مسبقا؛ أي أن مرتكبي هذه الجرائم جماعات منظمة، ونجد في هذا السياق أربعة منها هي: جريمة غسل الأموال، جريمة تمويل الإرهاب، الجريمة الإرهابية، والجريمة المنظمة، وسنطرح مفهوم كل جريمة على حدة للارتباط الشديد بينهن.

   يقصد بالجريمة المنظمة وفق اتفاقية باليرمو: "الجريمة التي ترتكبها جماعة ذات هيكل تنظيمي، مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، وتعمل بصورة متضافرة لارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة من أجل الحصول، بشكل مباشر أو غير مباشر، على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى"، وقامت اتفاقية فيينا بتعريف جريمة غسل الأموال على أنها: "تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها مستمدة من أية جريمة من جرائم الاتجار بالمخدرات، أو من فعل من أفعال الاشتراك بهذه الجرائم، بهدف اخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو قصد مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب مثل هذه الجرائم للإفلات من العواقب القانونية لأفعاله، اخفاء أو تمويه حقيقة الأموال، أو مصدرها، أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع العلم بأنها مستمدة من جرائم الاتجار بالمخدرات". وحسب ما ورد في الفقرة الأولى من المادة الثانية في الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، وذلك بالجزئية (أ) التي عرفت الجريمة الإرهابية بأنها: "كل عمل يهدف إلى التسبب في موت شخص مدني أو أي شخص آخر، أو إصابته بجروح بدنية جسيمة، ويكون غرض هذا العمل، بحكم طبيعته أو في سياقه، موجها لترويع السكان، أو لإرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به" والجزئية (ب) التي أشارت إلى أن جريمة تمويل الإرهاب هي: "كل شخص يقوم بأية وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، وبشكل غير مشروع وبإرادته، بتقديم أو جمع أموال بنية استخدامها، كليا أو جزئيا، للقيام بعمل يشكل جريمة في نطاق إحدى المعاهدات الواردة في المرفق. ".

  اهتم المشرع العماني منذ بداية النهضة الحديثة للسلطنة، بتشريع القوانين اللازمة لمكافحة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد أصدر عددا من القوانين حتى يومنا هذا، وهي:

1) قانون غسل الأموال الصادر بالمرسوم السلطاني 342002، وهو يعد أول قانون عماني يعالج جريمة غسل الأموال، وقد قام بتعريف جريمة غسل الأموال بأنها: ارتكاب أي فعل من الأفعال الآتية:

- تحويل الأموال أو نقلها أو إجراء معاملة بعائدات الجريمة مع أنه يعلم أو ينبغي أن يعلم بأنها متحصلة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جريمة أو من فعل أو أفعال تشكل اشتراكا في جريمة، وذلك بهدف تمويه وإخفاء طبيعة ومصدر تلك العائدات أو مساعدة أي شخص أو أشخاص مشتركين في جريمة.

- تمويه و/أو إخفاء طبيعة ومصدر ومكان وحركة وملكية عائدات الجريمة والحقوق المتعلقة بها والمترتبة عليها، مع أنه يعلم أو ينبغي أن يعلم بأنها متحصلة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جريمة أو من فعل أو أفعال تشكل اشتراكا في جريمة.

- تملك أو استلام عائدات جريمة أو حيازتها أو الاحتفاظ بها مع أنه يعلم أو ينبغي أن يعلم بأنها متحصلة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جريمة أو من فعل أو أفعال تشكل اشتراكا في جريمة.

وقد أصدر القانونُ تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال تختص بوضع السياسات العامة والقواعد الاسترشادية لمكافحة جريمة غسل الأموال، بينما تولت الإدارة العامة للتحريات والتحقيقات الجنائية بشرطة عمان السلطانية متابعة المعاملات التي يشتبه بمخالفتها لهذا القانون بالتعاون مع البنك المركزي وجهات الرقابة المختصة التي حددها القانون.

2) قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني 82007، حيث قام هذا القانون بتعريف جريمة الإرهاب بأنها: "كل فعل أو شروع أو اشتراك فيه يرتكب تنفيذا لغرض إرهابي، أما الإرهاب فهو كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به يقع تنفيذا لمشروع إجرامي ولغرض إرهابي، ويكون الغرض إرهابيا إذا كان يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم أو أعراضهم أو حقوقهم للخطر...".

ووفق أحكام هذا القانون، فإنه لابد من إعادة تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب وتحديد اختصاصاتها بقرار من مجلس الأمن الوطني وأن تعمل تحت إشرافه، وتكون محكمة أمن الدولة المختصة في نظر الجرائم، كما أن الدعوى الجنائية لهذه الجرائم لا تنقضي ولا تسقط العقوبة المحكوم عليها بمضي المدة وذلك استثناء من نصي المادة 16، 328 من قانون الإجراءات الجزائية.

3) قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني 792010: صدر هذا القانون ليعالج أحكام جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في موضع واحد، ونلاحظ أنه أبقى على تعريف كلٍّ من الإرهاب، والجريمة الإرهابية، والتنظيم الإرهابي حسب ما ورد في قانون مكافحة الإرهاب السابق ذكره، بينما قام بتعريف جريمة غسل الأموال ذاته في القانون السابق مع بعض التعديلات الطفيفة مثل إضافة "عرقلة التوصل إلى شخص ارتكب الجريمة المتحصل منها الأموال أو مساعدة شخص في التهرب من العقوبة القانونية المقررة لأفعاله " من الفقرة الأولى للتعريف.

4) المرسوم السلطاني 642013 بالموافقة على انضمام السلطنة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مع تحفظها على الفقرة الثانية من نص المادة السادسة والستين من الاتفاقية، ومحور أحكام الاتفاقية هو مكافحة جريمة الفساد وما تنتج عنه من الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة، ولا سيما الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية، بما فيها غسل الأموال، حيث نصت الاتفاقية بتجريم العديد من الأفعال مثل إساءة استغلال الوظائف سواء بالرشوة أم المتاجرة بالنفوذ، والإثراء غير المشروع، واختلاس الممتلكات في القطاع الخاص، وكل ما يؤدي إلى قيام جريمة غسل الأموال.

5) قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 302016، وهو القانون المعمول به حاليا، والذي قام بتعريف جريمة غسل الأموال بأنها: كل من يقوم عمدا، وبعلمه أو افتراض العلم بأن الأموال هي عائدات جريمة، بأحد الأفعال الآتية:

أولا: استبدال أو تحويل الأموال بقصد تمويه أو إخفاء طبيعة ومصدر تلك العائدات غير المشروعة، أو مساعدة شخص قام بارتكاب الجريمة الأصلية للإفلات من العقوبة.

ثانيا: تمويه أو إخفاء الطبيعة الحقيقية للأموال أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها.

ثالثا: تملك الأموال أو حيازتها أو استخدامها عند تسلمها.

   أما جريمة تمويل الإرهاب فهي: كل شخص يقوم بإرادته وبأي وسيلة كانت بتقديم أو جمع الأموال، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مع علمه بأنها ستستخدم كليا أو جزئيا لارتكاب فعل إرهابي أو من قبل شخص إرهابي أو منظمة إرهابية، وقد نفى المشرع العماني اعتبار جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب جرائم سياسية أو جرائم مرتبطة بجريمة سياسية أو جرائم ذات دوافع سياسية.

   احتوى القانون على تفاصيل أكثر فيما يتعلق بالمؤسسات المالية وغير المالية والالتزامات التي يجب تنفيذها في سبيل مكافحة الجريمتين بجانب العقوبات على مرتكبي الجرائم، والتعاون الدولي في تبادل المعلومات وتسليم المجرمين، والإقرار الجمركي لحاملي العملات أو الأدوات المالية القابلة للتداول أو ترتيب نقلها إلى داخل أو خارج السلطنة من خلال خدمة البريد أو خدمة الشحن، وللأهمية القصوى التي تطلبها مكافحة هذا النوع من الجرائم، جرى توسيع اختصاص اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال، وإنشاء المركز الوطني للمعلومات المالية الذي كان سابقا وحدة التحريات المالية بشرطة عمان السلطانية وتحديد اختصاصاته، حيث صدر قرار رقم ٢١٦ / ٢٠٢٠ بإصدار نظام عمل المركز الوطني للمعلومات المالية.

ومن المهم أن نورد بعض الملاحظات حول هذه القوانين:

1) إن العديد من الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية قد حددت نوع الجريمة الأصلية التي من خلالها يتم تحصيل العوائد غير المشروعة محل جريمة غسل الأموال، وغالبا ما تكون في نطاق جرائم الفساد، الإتجار بالبشر، وتجارة المخدرات، إلا أن القوانين العمانية جميعها قد جعلت كل فعل يعد جريمة وفق القانون العماني إذا وقعت في إقليم السلطنة، أو جريمة وفق القانون العماني وقانون الدولة التي وقع الفعل في إقليمها، وفي هذا إشادة على الصواب التشريعي إذ يمنع من تداول أي أموال غير مشروعة متحصلة من أي فعل جرمي منصوص عليه قانونا دون تقييد.

2) تعد المؤسسات المالية كالبنوك، الوسيلة التقليدية للقيام بالعمليات المتصلة بجريمة غسل الأموال، إلا أن القانون الصادر بالمرسوم 792010، قد أصدر أحكاما قانونية تتعلق بالأعمال والمهن غير المالية والجمعيات والهيئات غير الهادفة للربح، وذلك بعد أن أصبحت بيئة جديدة وخصبة لهذه العمليات مما يستوجب تشديد الرقابة عليها، كما نص القانون الأخير بإصدار لائحة تنفيذية للرقابة على المحامين ومكاتب المحاماة والشركات المدنية للمحاماة، وبموجب هذه اللائحة، تم إنشاء قسم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويكون مقره في دائرة شؤون المحامين بالمديرية العامة للشؤون العدلية بوزارة العدل والشؤون القانونية.

3) تغير القوانين التي تتعلق بهاتين الجريمتين خلال فترة زمنية قصيرة يشير إلى التطورات السريعة التي يمر بها هذا النوع من الجرائم مما تطلب تحديثا تشريعيا مستمرا لمكافحتها؛ وذلك لأن القوانين بطبيعتها لابد أن تكون مستقرة خصوصا بالنظر إلى مراحل نشأتها وهي: الاقتراح والإقرار والإصدار والنشر، وذلك في سبيل تطبيق أحكامها بدلا من التغيير المستمر ما لم يتطلب الوضع ذلك كما يحدث في هذا النوع من الجرائم.

المصادر:

- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، باليرمو 2000.

- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، فيينا 1988.

- الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، 1999.

- قانون غسيل الأموال الصادر بالمرسوم السلطاني 342002.

- قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني 82007.

- قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني 792010.

- المرسوم السلطاني 642013 بالموافقة على انضمام السلطنة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

- قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 302016.