جيران الوادي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣١/أكتوبر/٢٠٢١ ٠٨:١٢ ص
جيران الوادي

بقلم : محمد بن علي البلوشي

تتذكرون جيدا أننا أول دولة في المنطقة ننشئ وزارة للبيئة. كان إدراكا مبكرا بأهمية البيئة في حياة الإنسان وإدراك البلاد وتعاطيها مع الأصوات العالمية التي كانت تتحدث بأعلى صوت عن خطر الدمار المحدق والعبث الذي يصنعه الإنسان على هذا الكوكب من الانبعاثات السامة من المصانع إلى التصنيع بلا هوادة الذي من إيجابياته أن جعل حياة الإنسان سهلة ومن مساوئه أنه تسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض فقد يقضي ويهدد الحياة على الأرض بعد مئات من السنوات المقبلة إن لم تلتفت البشرية لهذا الخطر فيهلك الحرث والنسل..نحن لسنا متهمين بالتسبب في هذه الكارثة فالدول المتسببة معروفة وتتصارع فيما بينها للاتفاق أو درء الاتهامات بالتسبب في الانبعاثات السامة .. ثم تتذكرون الخطب التي كانت حديث الناس عن طبقة الأوزون وزيادة اتساع الفجوة فيها مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة وتغييرات مناخية كثيرة لا تحمد عقباها. بعد هذه السنوات تعرضنا لتجارب مريرة جدا وقلت في هذا المكان إن هذه التجارب التي مررنا بها من إعصار جونو وماسببه من خراب في العاصمة كان سببه تجاهل الطبيعة والتغيرات المناخية فالطرق كانت في بطون الاودية وفي غمضة عين جرفتها الفيضانات..ثم المنازل التي تضررت وغرقت .. هذه كنا نشاهدها على شاشات التلفزة في دول من مختلف القارات ذات المناخ المطير او المصنفة كذلك بذات الدخل أو الموارد المحدودة وكذلك الغنية جدا لدرجة أن بنيتها الأساسية لاتقاوم هذه التغييرات المناخية..فبيوتهم من الصفيح أو العشش المتناثرة على جوانب الاودية والأنهار فتتطاير مع اول ريح عاتية وقد تكون بيوتا عشوائية غير مرخصة وتفتقر لمعايير البناء السليم.. قصة توزيع الأراضي ومايصادف ذلك من تقديم منافع على حساب البيئة والتعدي على إحرامات الأودية كثيرة وظاهرة.. إيراد بعض القصص والأمثلة جيد للعبرة والموعظة فكان اخرها تلك التي تحدث عنها الناس عن ممشى في العاصمة يقع على مجرى وادي أو شرجة واد..لقد اكتشف اهل المنطقة فجأة أنه سيتحول لمخطط سكني وزع على من لايعلمونهم ..لكن التوزيع في تلك المنطقة لايحظى به إلا من لهم النفوذ والسطوة. وهو درس اخر ينبغي أن نتعلمه. البيئة اليوم في خطر وبلادنا معرضة للأعاصير وماتسببه من فيضانات «الاودية» وقد أصابنا بعد كل هذه السنوات ماأردنا إصلاحه لكنه في الواقع ارتد علينا بسبب القفز على قوانين الطبيعة..وزع هنا واعط هنا وامنح هنا وهناك.. لايهم الطبيعة أو إحرامات الأودية ..المهم أرض جيدة غالية وثمينة ومجانية وإن قطعت أوصال الطبيعية وتعديت عليها..هذا يحدث في العالم الثالث الذي نحن جزء فيه أو البلدان النامية لكننا ندافع عن أنفسنا بأننا نطبق القانون بصرامة والنظام هو الشعار..لا أقول أننا سيئون كبقية الدول الأخرى وكذلك لسنا احسن منهم والعبرة لمن اتعظ وتعلم الدرس؟بعد هذه التجارب .. تطلب اللجنة الوزارية من الوزارة المعنية أن تقدم دراسة عن طبوغرافية الأرض ووقف توزيع الأراضي في احرامات الأودية. في الواقع لا أعلم ماهي المسافة المحددة بين إحرامات الاودية وقانون التوزيع لكن طبيعة المكان قد تدل على انها تخضع للأهواء الشخصية أحيانا أو لقوة النفوذ. دمرنا هذه الطبيعة التي أنشأنا لها اول وزارة في المنطقة واليوم نعاني مما صنعته إرادتنا من التهاون. حينما تدعو اللجنة الوزارية وزارة الإسكان لعمل خرائط موحدة توضح الطبيعة الجغرافية للبلاد وتوضيح مسارات الأودية وإحراماتها من أجل تعميمها على كافة الجهات الحكومية فذلك أمر حسن. والطبيعي أنه لا يحتاج ذلك.. مهمة الوزارة المعنية أن يكون لديها كل هذه الخرائط لكنها لم تلتزم بها ومع ذلك أن تأتي متأخرا خيرا من أن لا تأتي مطلقا. لقد قضت المخططات السكنية التي تم التوزيع فيها بالطرق العامة أو الخاصة على إحرامات الأودية ومجاريها مما أدى إلى أن يكون ذلك أحد أسباب المشكلة التي وقعت فيها هذه الأضرار في الممتلكات. حينما يكون توزيع الأراضي على حواف أو داخل مناطق تعتبر مجاري تسرح فيها الأودية وتمرح في المواسم الممطرة ولا تؤثر على المساكن .. لكن الصور التي شاهدناها كانت مرعبة.. ومع ذلك أتمنى ان يكون هذا هو الدرس الأخير الذي نغلق فيه باب التلاعب والاستهتار بالطبيعة وبخاصة الذي يؤذيها.

تكرر اللجنة الوزارية المشكلة لمعالجة الأضرار المناخية قرارا أو توجيها لوزارة الإسكان التي هي في المقام الأول مسؤولة عن هذه المعضلات..هي مسؤولة عنها وهي أحد أسبابها كذلك فهي تقع في صميم اختصاصاتها وحينما وقع ذلك في صميم اختصاصاتها قامت بتقطيع بعض الطبيعة للإرضاء أو الإفلات من الضغط السكاني والطلب على الأراضي. بعد كل هذه السنوات ألم يوجد فاطن أو خبير وربما وجد وتم تجاهل تحذيراته أو دراساته أو تعليقه في الإجتماعات المغلقة.إن التعدي على حدود الطبيعية خطر وإن كنا نرى أن الطبيعة صامتة كل هذه السنوات فإنها ستختبرنا ذات يوم. لقد اختبرتنا بنجاح.