بقلم :محمد محمود عثمان
القطاع الخاص في العالم العربي يبدو وكأنه يترنح من آثار جائحة كرورنا وكأننا لا ندري ، وهو في أشدّ حالات الركود التي يعيشُها منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 م ، ويبدو أيضا أننا قد نرى ثم نغمض أعيننا عن قصد أو عن عجزأو بالإثنين ، لأن الأزمة الاقتصادية طاحنة ، وتجاهلها تجاهل عن الأبعاد والأضرار التي تتحقق على أرض الواقع وفي المستقبل ، وهي كارثة بكل المعاييرإذا لم يدرك المسؤولون ذلك سريعا ، حتى تبدأ الاقتصاديات في التعافي ولوببطيء ، وحتى يمكن إنقاذ القطاع الخاص من السقوط أو أن يهوي إلى الهاوية ،خاصة في الدول التي لم تنجح في إدارة الأزمة بنهج علمي استشرفت من خلاله كل التوقعات وأسوأ السيناريوهات والاحتمالات خلال فترات الإغلاقات الكارثية والتعامل بسلبية مع الجائحة من خلال البعد الصحي فقط ، وإغفال الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي نعاني منها الآن ، في ظل تعافي عالمي هش وضعيف لا ينبيء بنمو أو تنمية قوية على المدى البعيد ،ولا يمكن مساهمته إيجابيا في تحقيق التعافي السريع للاقتصاديات الناشئة والدول النامية في ظل مشاكل الطاقة الجديدة ، ومن هنا أصبح التغيير واجباً حتميا على الجميع ، وخاصة الذين يعانون من أوضاع مالية أجهدتها الجائحة أيّما إجهاد، مع عجز الدول عن تقديم المساعدات المالية المحفزة التي تضمن استمرار الأنشطة الاقتصادية ، حتى تتمكن من مواجهة التزاماتها قبل العاملين لديها وقبل الغير، حتى تراكمت عليها القروض وغرقت في الديون ، ولم يشفع لها ذلك أمام الحكومات - التي تعاني من عجزالموازنات ونقص الموارد وانخفاض أسعار النفط - وإذا كانت المصائب لاتأتي فرادى، فإنه فُرض على القطاع الخاص أن يتحمل إلى جانب ذلك زيادات - غيرمنطقية - في الضرائب والرسوم الخدمية بأنواعها في أوقات صعبة على الجميع ، خاصة بعد أن توقفت بعض الحكومات مع بداية كورونا عن تسديد مستحقات شركات القطاع الخاص التي تبلغ ملايين الدولارات في قطاعات مثل الإنشاءات أو التأمين والتمويل وغيرها ، التي تتعثر وعجزت هى الأخرى عن الوفاء بالتزماتها ، وتُحمل القطاع الخاص فوق طاقته وهو يحتضر، حيث باتت أعباء الديون المحلية والخارجية تمثل عبءا أكبرعلى الدول بعد أن بلغت مستويات قياسية قد تتخطى المعدلات المسموح بها ، نسبة إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي، بما يضع الاقتصاد في تصنيفات دولية منخفضة تؤثر على جاذبية الاستثمارات ـ وأصبح حتما للخروج من هذه الحلقة المأساوية ، اتخاذ إجراءات وسياسات جديدة لتوفير السيولة المالية المناسبة ، وزيادة الإنفاق ، كما على هذه الحكومات أن تساعد على بناء مناخ اقتصادي أقوى وأكثر مراعاة للواقع من خلال المرونة والديناميكية ،لذلك نحتاج إلى قوة دفع ،ولن يتحقق ذلك بدون رؤية متطورة وبعيدة النظر قادرة على التصرف من خارج الصندوق، وتقديم الحلول الناجعة ، من خلال الإصلاحات التشريعية للتعجيل بإعادة هيكلة ديون القطاع الخاص الذي يئن ، وزيادة أنشطة البنوك المركزية ، لتعمل على إيجاد مشهد اقتصادي متفائل نوعا ما، ومُغايرتماما لما نعيشه،يبدأ من وضع قواعد وضوابط سريعة وحاسمة ومباشرة لحماية الفئات الأكثر معاناة وتأثراً، من القوى العاملة والأفراد والمسرحين والشركات الصغيرة بل والكبيرة ،بزيادة حجم الائتمان ومقاومة المخاطر المالية ،لأن الجميع له معاناته وبنسب متباينة، تتمثل في نقص العمالة الجيدة وفرض قيود مُجحفة على جلب واستخدام الأيد العاملة الأجنبية الرخيصة والمدربة ، والإغلاق التام للشركات أوالتصفية والإفلاس أو التوقف المؤقت ، حتى أن الكثير يحاول الهروب والبحث عن الملاذات الآمنة في الخارج ، حتى يتمكنوا من إعادة مزاولة أنشطتهم مرة أخرى ، وحماية رؤوس اموالهم والاحتفاظ بالأيد العاملة الماهرة التي لديهم ، ومن ثم تعويض الخسائر التي تعرضوا لها في العامين الماضيين تحديدا ، الأمر الذي نتج عنه فجوة في عدد المستهلكين أضعفت القوى الشرائية للأسواق،وأثرت على قطاعات أخرى مثل العقارات والإنشاءات والفنادق والمواصلات والاتصالات ، وما لذلك من سلبيات على دورة رأس المال وعلى حجم الإنتاج والصادارات ، وانعكاس ذلك على وضع الاستثمارات التي تحتاج إلى تحسين بيئة الأعمال ، وأهمها استقرار القوانين والتشريعات التي تؤثر على المستثمر المحلي والأجنبي ،لأن عدم ثبات التشريعات والقوانين المتعلقة بالمستثمرين من أهم عوامل طرد الاستثمارات ، وتحتاج أيضا إلى زيادة مرونة أسواق العمل وتعزيز الشفافية والحوكمة ،الأمر الذي من شأنه أن يعيد إنعاش الاستثمارات وجذبها بصورة أكثر فاعلية ، والأكثر من ذلك - وقد أشرنا إليه مرارا - أن توجه حزمة حقيقة من المحفزات الضرورية من الإعفاءات من الرسوم الباهظة والضرائب والجمارك لعدة سنوات لا تقل عن خمس سنوات للمستثمرين ولشركات القطاع الخاص كفترة سماح - وهذا في صالح الاقتصاد على المدى الطويل - وبعدها يتم استرجاع مستحقات الدولة وفقا لقاعدة عدلية تقول : «أن تأخذ بقدرما تعطي فإذا لم تعط فلماذا تأخذ؟ «، ولعل هذه الرؤية تساعد متخذ القرار على سرعة صياغة سياسات اقتصادية من خلال البدائل المتنوعة المتاحة أو التي يجب البحث عنها وعدم الاستسلام لليأس ، في ظل الأوضاع المتردية التي فرضت على الجميع ، ويبقى السؤال الأهم وهو : هل يمكن أن ننقذ القطاع الخاص قبل الهاوية؟