بقلم : محمد بن محفوظ العارضي
خصصت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الفائتة موارد كثيرة لتنويع اقتصاداتها وتقليل اعتمادها على النفط. ولطالما أكّدت على أهمية دور القطاع السياحي في تعزيز اقتصادات المنطقة، ولا شك بأن هذا القطاع قادر على التطور وأن يكون مساهماً أساسياً في تحقيق الأهداف في الأعوام المقبلة.
يعيش عالمنا اليوم مرحلة التعافي من التدهور الاقتصادي الذي تسبب به وباء كوفيد-19، كما يواجه تحديات متعلقة بالتغير المناخي، ما يحتّم على المواطنين والقادة والشركات حول العالم أن يعملوا على تطوير حلول لصون المستقبل.
ووفقاً لتقرير نشرته منظمة السياحة العالمية، تعد السياحة من أكثر القطاعات تأثراً بتداعيات الوباء، إذ شهدت انخفاضاً حاداً في معدلات السفر الدولية بنسبة 84% بين مارس وديسمبر 2020. وتقدر المنظمة أن الخسائر الاقتصادية التي شهدها القطاع قد تصل إلى 4 ترليون دولار في عام 2021.
من جانب آخر، لا شك بأن العامين الفائتين شكّلا ضغطاً كبيراً على الناس في أنحاء المعمورة، والعديد من الأفراد يتطلعون إلى الحد من هذه الضغوطات من خلال السفر والتجارب الترفيهية. لذا فإن الفرصة متاحة لنا للاضطلاع بعروض منوعة تلبي هذا الطلب وتساعد على تحفيز النمو الاقتصادي ورفع معنويات المسافرين الذين عانوا لفترة طويلة من القيود ومتطلبات الوباء خلال آخر عامين.
لقد بدأت منطقتنا بتحفيز النشاط السياحي مجدداً مع سماح الإمارات وعُمان بدخول المسافرين من شتى أنحاء العالم بشرط حصولهم على لقاح كوفيد-19 بشكل كامل. ونأمل أن تتخذ باقي الدول الخطوة نفسها وأن تتمكن من فتح حدودها للسياح والمسافرين بعد تطبيق الاحتياطات المناسبة وتقليل مخاطر العدوى.
تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بميزة فريدة كونها تشكل جسراً حقيقياً بين الشرق والغرب. وقد حققت المنطقة تقدماً اقتصادياً هائلاً وتزخر بثقافة وتراث غنيين، فضلاً عن توفر الوجهات السياحية الكثيرة التي تناسب جميع الأعمار والتطلعات.
إن أحد أهم الدروس المستفادة من الوباء هو ضرورة الابتكار والتكيف السريع مع التغيرات. وبالنسبة إلى قطاع السياحة، فإن هذا التكيف يقود إلى أفكار عديدة تساعد على نمو القطاع وتحفيز عملية التغيير. كما يجب على المؤسسات المالية في المنطقة أن تستفيد من إمكانات القطاع السياحي وأن تدعم مزودي الخدمات للاستثمار في الموارد والمساهمة في النمو في نهاية المطاف. ويمكن للاعبين في قطاع السياحة والسفر أن يشكلوا شراكات إقليمية لكي تكون الحزم والعروض متناسبة مع متطلبات السياح ولكي يتمكنوا من تقديم هذه العروض بكفاءة. ويمكن للقطاع التكنولوجي أن يستفيد أيضاً من التعاون بين مزودي خدمات السفر. فقد أسهم الوباء في لجوء العديد من المسافرين إلى خوض تجارب الواقع الافتراضي، وبدأت دول مثل ألمانيا والمالديف بتوفير سلسلة من الخدمات الافتراضية للسياح غير القادرين على السفر. ومع حصول نسبة كبيرة من سكان العالم على اللقاح وقدرتهم على السفر خارج بلادهم، يمكن تقديم تقنيات الواقع الافتراضي في المطارات والفنادق والوجهات السياحية لتوفير تجربة افتراضية مميزة وشبيهة بالواقع للسياح الذين يودون رؤية كل شيء لكنهم مقيدون بالوقت أو القيود الأخرى. وهذا الأمر مفيد بشكل خاص للمسافرين لأغراض الأعمال وركاب الترانزيت الذين لا يملكون وقتاً كافياً لزيارة جميع الوجهات.
إن التعاون مع الأطراف واللاعبين خارج المنطقة، وتبني أفضل الممارسات المتبعة حول العالم، وإطلاق حملات تسويق مستهدفة للترويج لمنطقة الخليج وتجاربها، هي كلها عوامل ستساهم في تعزيز حركة المسافرين خلال الأعوام القادمة. يجب كذلك ألا نتجاهل الشعبية التي تحظى بها منطقتنا بصفتها وجهة للفعاليات القطاعية والتجارية، خاصة مع إطلاق معرض إكسبو 2020 دبي، إذ تجتمع الشركات من مختلف الدول ومن عدة قطاعات لتكوين الشراكات والتعاون لتنمية الاقتصادات التي عانت كثيراً من تداعيات كوفيد-19.
يركز معرض إكسبو على محاور الفرص والتنقل والاستدامة التي تشكل ركائز هامة في عصرنا الراهن، ويعتبر المعرض فرصة ذهبية لدول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية بشكل عام لاستعراض نقاط قوتها والفرص المتاحة للشركاء المحتملين. وقد استوحي جناح سلطنة عُمان من شجرة اللبان المعروفة ويعمل على استعراض رحلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في السلطنة، كما يدعو الزوار إلى التفاعل مع العمانيين لمعرفة المزيد حول تاريخ البلاد وإنجازاتها وطموحات المواطنين للمستقبل.
يسعدني كذلك أن تشارك شركة «إنفستكورب» العالمية الرائدة في إدارة الأصول، والتي أشغل فيها منصب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي، في معرض إكسبو 2020 دبي لاستعراض مجموعة من الفرص المتاحة للمستثمرين من الشركات التي تتطلع إلى مدراء أصول مرموقين ويتمتعون بسجل حافل وفهم معمق للمنطقة العربية.
إنني أتوقع أن يضطلع معرض إكسبو 2020 دبي بالعديد من الحوارات والأفكار المفيدة وصفقات الأعمال، كما يشكل الحدث العالمي فرصة ممتازة للمشاركين لاستكشاف الأفكار التي تحفز قطاع السياحة في دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى تمكينهم من تكوين علاقات مع شركاء محتملين والاستفادة من هذه المنصة للتعرف على أفضل الممارسات العالمية التي يمكن تكييفها مع عروضنا السياحية وتعزيز النمو في الأعوام المقبلة.
لقد برزت خلال الفترة الفائتة سلسلة من التحديات التي لم نشهدها من قبل، لكن قادة دول المنطقة استجابوا للوباء بشكل جيد وحان الوقت لأن يعمل المواطنون ومؤسسات القطاعين العام والخاص من أجل التعافي المستدام.
لا شك بأن دول مجلس التعاون الخليجي تزخر بالمكونات والعناصر التي تثري التجربة السياحية، بدءاً من الطبيعة الخلابة ووصولاً إلى التراث الغني والمنتجعات والوجهات عالمية المستوى. وإذا قمنا بحشد أفضل مواردنا، فسوف نتمكن من تحسين التعاون والاستجابة إلى متطلبات السوق ووضع حلول تحفز نمو قطاعاتنا السياحية وتعزز اقتصاداتنا.