مسقط - الشبيبة
أظهرت نتائج دراسة بحثية حول التنبؤات الزمانية والمكانية لانتشار فيروس كورونا المستجد وأثاره عبر إستخدام النمذجة المكانية لتقنيات نظم المعلومات الجغرافية وصور الأقمار الصناعية في سلطنة عمان والمدن الحضرية في الشرق الأوسط ، أن معدلات الإصابة متفاوتة مع تباين مكاني قوي بين ولايات السلطنة، واستنادًا إلى ملاحظات القمر الصناعي Sentinel-5 لغازات الغلاف الجوي، أشارت النتائج إلى انخفاض كبير في مستويات ملوثات الغلاف الجوي وخاصة ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) وثاني أكسيد الكبريت (SO2) وأول أكسيد الكربون .(CO)
أجرى الدراسة فريق بحثي بقيادة الباحث الرئيس الدكتور خليفة بن محمد الكندي استاذ مساعد في كرسي اليونيسكو لدراسات الافلاج، بجامعة نزوى وبمشاركة مجموعة من الباحثين بجامعة السلطان قابوس وجامعة التقنية للعلوم التطبيقية بنزوى، وبتمويل من البرنامج البحثي الاستراتيجي لمواجهة جائحة كورونا كوفيد19 التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
ثلاثة تحقيقات للمشروع
للتعرف عن قرب حول تفاصيل المشروع البحثي قال الدكتور خليفه الكندي أن الدراسة قامت بثلاثة تحقيقات، في التحقيق الأول تم اعتماد التحليل- الزماني والمكاني لاستكشاف الأنماط المكانية والزمانية لفيروس كورونا المستجد على مدى خمسة أشهر من (إبريل) إلى شهر (أغسطس) 2020م ومن خلال استخدام خمس تقنيات ضمن نظم المعلومات الجغرافية، وجدنا بأن معدلات الإصابة متفاوتة مع تباين مكاني قوي بين ولايات السلطنة. فالوضع الوبائي في بعض الولايات مثل مطرح والسيب وبوشر بمحافظة مسقط حاد و انتقال العدوى يمثل اتجاهاً متزايداً، كذلك أشارت نتائجنا إلى أن النمط الاتجاهي لحالات الاصابة بفيروس كورونا قد انتقل من الشمال الشرقي إلى الشمال الغربي والجنوب الغربي.
أما في التحقيق الثاني، استخدمنا تقنيات النمذجة الجغرافية المكانية لاستكشاف المحددات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية لانتشار فيروس كورونا -19 المستجد على مستوى الولايات في سلطنة عمان، والتي أكدت على أن بعض المتغيرات وخاصة العمر ساهم بشكل كبير في زيادة معدل الإصابة بفروس كورونا في عمان خلال فترة الدراسة. وكان للعدد الكبير من السكان غير العمانيين تأثير كبير على معدل الإصابة بـالفيروس في ولايات السلطنة، حيث يعيش السكان الوافدون الذين يبلغ عددهم حوالي 2/5 من إجمالي السكان إلى حد كبير في أماكن مزدحمة أكثر من المواطنين، وأن معدل الإصابة بين السكان الوافدين أعلى نسبيًا من المواطنيين.
وفي التحقيق الثالث عملنا على دراسة أثر عمليات الإغلاق (جراء انتشار فيروس كورونا) على جودة الهواء ودرجات الحرارة السطحية للأرض خلال فترات الإغلاق في عام 2020م على 21 مدينة حضرية من مدن الشرق الأوسط حيث عملت الدراسة على تطبيق تقنيات النمذجة المكانية الحديثة لفهم توزيع هذا الفيروس في عمان، وتقديم خرائط توضح احتماليات ظهور المناطق الساخنة المتوقعة في المستقبل، واستنادًا إلى ملاحظات القمر الصناعي (Sentinel-5) لغازات الغلاف الجوي، أشارت النتائج إلى انخفاضات كبيرة في مستويات ملوثات الغلاف الجوي ، وخاصة ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) وثاني أكسيد الكبريت ((SO2 وأول أكسيد الكربون .(CO)
نشر نتائج الدراسة في ثلاثة مجلات مرموقه
قال الدكتور خليفة الكندي الباحث الرئيس بالمشروع أن نتائج هذا المشروع تم نشرها في ثلاث مجلات مرموقة على المستوى التصنيف العالمي، حيث أظهرت النتائج معدلات إصابة متفاوتة مع تباين مكاني قوي بين ولايات السلطنة. فالوضع الوبائي في بعض الولايات مثل مطرح والسيب وبوشر بمحافظة مسقط حاد وما يزال انتقال العدوى يمثل اتجاهاً متزايداً( أثناء وقت الدراسة). كذلك أشارت نتائجنا إلى أن النمط الاتجاهي لحالات الاصابة بفيروس كورونا قد انتقل من الشمال الشرقي إلى الشمال الغربي والجنوب الغربي ، لذلك فإن قدرة انتقال الفيروس ستكون قوية بين الولايات الأخرى في سلطنة عمان. تشير تفاصيل المخاطر الزمانية والمكانية المدرجة في هذا البحث إلى نموذج الخطر الزماني والمكاني الذي يعتمد على معدلات الإصابة الأسبوعية ينتج عنها فهماً أفضل للتغيرات المكانية لمستويات الإصابة بفيروس كورونا، كما يمكن الاعتماد على هذا النموذج كمقياس لمراقبة الفيروس وانتشاره في سلطنة عمان.
ويضيف الكندي بأن الدراسة كشفت عن مجموعة من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية مثل الكثافة السكانية وعدد الأسر والتفاعل المكاني وأسر الضمان الاجتماعي في منطقة الدراسة كان لها دور كبير في زيادة معدلات الإصابة بالفيروس. وبالتالي أثبتنا من خلال هذه الدراسة أن أدوات العلاقة المكانية لديها القدرة على اكتشاف الارتباطات بين معدل الإصابة بـفيروس كورونا والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والتنبؤ بمستقبل التوزيع المكاني لفيروس كورونا على مستويات مختلفة. كما يمكن استخدام النماذج المبنية في هذه الدراسة ضد انتشار الفيروس في عمان لأغراض مختلفة لإدارة التحكم ، وفهم المتغيرات المتعلقة بمعدلات الإصابات المرتفعة. كما سيساعد الجهات المعنية على التنبؤ حول تفشي المرض في المستقبل وتخصيص موارد الوقاية بشكل أكثر فعالية.
تحسن جودة الهواء لعدد من المدن
يقول الدكتور خليفة الكندي أن الدراسة أظهرت تحسن جودة الهواء بشكل ملحوظ خلال المراحل الوسطى من الإغلاق في شهري (ابريل -أغسطس) ، خاصة في المدن الحضرية الصغيرة مثل عمّان وبيروت وجدة ، بينما كانت أقل أهمية في المدن "الكبرى" مثل القاهرة وطهران واسطنبول. على سبيل المثال ، انخفضت تركيزات ثاني أكسيد النيتروجين في كل من مدينة عمّان ومدينة بيروت وجدة بنسبة- 56.6٪ و- 43.4٪ و- 32.3٪ على التوالي خلال شهر نيسان 2020م مقارنة بشهر نيسان 2019م. وكذلك كان هناك انخفاض طفيف في مستويات(NO2) في المدن الكبرى مثل مدينة طهران (- 0.9٪) و مدينة القاهرة (- 3.1٪).
كذلك كان هناك انخفاض في متوسط شدة درجة الحرارة السطحية ليلا ، في حين أن متوسط كثافة الحرارة السطحية للأرض في النهار شهد إما زيادة أو انخفاض طفيف في المدن الكبرى في الخليج مثل الكويت و دبي ومسقط. كما أظهرت المدن الكبرى مثل طهران وأنقرة واسطنبول زيادات شاذة في كثافة الحرارة السطحية للأرض خلال النهار تجاوزت درجتين مئويتين.
ويختتم الدكتور خليفه الكندي بالقول ان محصلة النتائج تشير إلى أن متوسط شدة الحرارة السطحية للأرض لمناطق النقاط الساخنة لمستويات الإصابة بفيروس كورونا داخل كل مدينة لها علاقة سلبية ذات دلالة إحصائية ، خاصة بالنسبة لدرجات الحرارة السطحية للأرض أثناء النهار. كان هذا الاعتماد السلبي واضحًا في كل من النهار والليل بالنسبة للدرجات خلال جميع أشهر الإغلاق. وتوضح النتائج التي توصلنا إليها أن الانخفاض في مستويات الملوثات الأولية أثناء الإغلاق ساهم في انخفاض كثافة الحرارة السطحية للأرض ليلا في الشرق الأوسط ، وخاصة في نيسان وأيار. وخلصت هذه الدراسة بتوصية وجوب تفسير التغييرات في خصائص التغيرات الحرارة السطحية خلال فترة الإغلاق في سياق تغير المناخ على المدى الطويل وليس مجرد نتيجة للتدابير التقييدية. وذلك لأن تحسينات جودة الهواء على المدى القصير لم تكن كافية لإحداث تغييرات ذات مغزى في المناخ للمناطق الحضرية.
الجدير بالذكر أن فريق العمل بالمشروع البحثي عمل على تطوير نموذج لقاعدة بيانات متجددة باستخدام نظم المعلومات الجغرافية وذلك لنمذجة التوزيع المكاني و الزماني للمناطق الساخنة لانتشار فيروس كورونا المستجد في سلطنة عمان. حيث يعاني العالم خلال فترة انتشار هذا الفيروس، العديد من التأثيرات على كل من البيئات المادية و البشرية لا سيما في مجالات الصحة و الاقتصاد و البيئة وعلم النفس و السياسة و غيرها. وعلى الرغم من أن لهذه الجائحة أثارها العالمية ، إلا أن الإستجابة لهذه الآثار تختلف إختلافا كبيرا من دولة إلى أخرى نتيجة للظروف المادية و الاجتماعية و الاقتصادية و الديموغرافية السائدة في كل دولة. وتبرز هذه الاختلافات الحاجة إلى تقييم زماني ومكاني مفصل وشامل لمسببات انتشار هذا الوباء في عمان.