بقلم : علي المطاعني
تبارت ولايات السلطنة في تقديم المساعدات المادية والعينية لأبناء ولايات السويق والخابورة المتضررة من تداعيات الحالة المدارية (شاهين) عبر تسيير الفرق الخيرية والتطوعية وجمع التبرعات عبر الفرق لديها وتسيير حافلات للمساهمة في تخفيف الأضرار والإسهام في إزالة الآثار.
إلا أن حملة (هبة ظفار) على مستوى المحافظة كانت متميزة تنظيما وتنسيقا عبر جمع كل المساعدات والتبرعات في حملة واحدة انطلقت من محافطة ظفار إلى الباطنة في أروع أمثلة التضامن والتآخي والتكافل والتآزر بين أبناء السلطنة، ورفع الآلام عن إخوانهم الذين وقعوا ضحايا لشاهين الرهيب يوم كشر عن أنياب له طويلة فغرسها فإذا الأرض أضحت غائرة ومستسلمة لجبروته الذي لايدانى إذ قل أن نجد مساحة ولو صغرت من الأرض بالسويق والخابورة إلا وقد مر بها غير مرور الكرام.
إزاء ذلك لا نملك غير التعبير عن الفخر والإعزاز والإعتزاز بهذه الوقفات الوطنية النبيلة والأصيلة والمعبرة بصدق عن نص حديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وربما أن تنزيل حديث المصطفى جاء عفويا ولم يدر بخلد أحد عندما تم إستنهاض الهمم في ظفار، وحتى إذا ما أكتملت النوايا الحسنة الميممة بوجها الصبوح شطر الإيمان في معناه الأنصع وجد الناس إنهم قد إجتمعوا وتحلقوا حول حديث للمصطفى عظيم، سيظل أبد الدهر عنوانا لروعة هذا الدين السمح فما أعظمه من تلاقي، وما أعظمه من فضل. بلاشك أن ما شهدناه ونشهده من تسابق محمود في السماء والأرض إلى العمل الخيري وبروح السماحة وبروح الود والوداد الذي قل أن نجد نظيرا له حتى تجلى كالقمر وسط سماء السلطنة ليعلن الفضل عن نفسه ولتؤكد الفضيلة أنها على الوعد في عُمان، حدث ما حدث رغم الآلام والأحزان والمآسي التي خلفها شاهين في نفوسنا جميعا، غير أن ماجسده أبناء عُمان على الأرض كان فوق ملكات التصديق وكان كفيلا بإنتزاع الأهات والأنات من الصدور ومن نياط القلوب المكلومة بفقد عزيز أو بضياع ممتلكات أخذها شاهين عنوة وإقتدار ومضى بها. لنكن إلى الواقعية أقرب فأن ماحدث بالسلطنة لا تتحمله حتى الدول الكبرى وبإمكانياتها التي تفوق مالدينا، غير أن ما لدينا لايملكونه، لدينا (الحب) لبعضنا البعض والحب لايباع ولايشترى كما نعرف وفي أي سوق من أسواق الدنيا.
لقد كانت التجربة قاسية، غير أن النجاح الذي أعقب قبولها كقضاء وقدر فاق ملكات التصور والإدراك فإذا العالم بأسره يقف مشدوها يحدق بعيون له جاحظة كأنه غير مصدق لهذه (الوحدة) التلقائية العفوية التي حدثت وجرت ووقعت على أرض عُمان العطاء.
لقد كانت حملات التبرع قائمة ومستمرة وبغير توقف كل يجود بأي فضل ظهر له، لمن ليس له فضل ظهر، وكانت الجمعية العُمانية للأعمال الخيرية والجمعيات التطوعية والخيرية بمستوى الحدث بل كانوا هم الحدث أصلة وفصله، ذلك يجعلنا أكثر اطمئنانا على حقيقة أن الشعوب الحية وعيا وإداركا وإنسانية لا تثنيها الظروف مهما بلغت صعوبتها ومهما كان إشتد أوار طغيانها وتجبرها على بني البشر، سيظل الإنسان الإنسان أبدا ودوما هو المحرك الأكبر للأحداث مرها وحلوها، جليلها وعظيمها، فخيمها ووضيعها، وستظل إرادة الفرد وعزيمته هي المحك الأعظم لتجاوز التحديات وقهر الصعاب. فاليوم نفخر ونفاخر بأن ولايات السلطنة مجتمعة تعمل بوتيرة واحدة وبصوت واحد غير إنه جهور، هكذا في السراء والضراء وعند البأس، يقدمون أنفسهم فداء لأخوان لهم في محنة، وفي أي ولاية من ولايات البلاد هذا هو الإيثار في معناه الأسمى والمشار إليه في الآية التاسعة من سورة الحشر عندما قال رب العزة (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)... صدق الله العظيم.. فهاهم أهل عُمان من الولايات الأخرى يقدمون الخدمات والإحتياجات التي أفتقدها من زارهم شاهين بغير إستئذان ويعملون على إزالة المخلفات وأصلاح أنابيب المياه وتأمين توصيلات الكهرباء وإعادة تشغيلها، والكثير الكثير المثير مما يصعب حصره في هذه العجالة. بالطبع وبما أن شاهين جاء بغتة فكامر طبيعي أن يشوب العمل في بداياته بعض العثرات ولكن سرعان ما أكتمل نصاب الحاسة السادسة ورويدا رويدا تم إحكام منظومة العمل وإنساب الخير على الخابورة والسويق من ظفار الخريفية المعطاءة والجميلة ومن باقي الولايات وبعدما إضطلعت أجهزة الدولة بمسؤولياتها وإحكمت منظومة النظام فجرى الأمر رائعا ومنسابا كما نرى. نأمل أن تتواصل أعمال الخير وأن تتداعي ولايات السلطنة ومحافطاتها بشكل أكبر في المساعدة وتقديم كل أوجه الدعم ليغدو ذلك نهج حياة وأسلوبا دائما للتعاطي على مدار العام وفي كل ما يهم الوطن والمواطن.