بقلم : علي بن راشد المطاعني
سطر أبناء عمان ملحمة تاريخية عظيمة يومي الجمعة والسبت في تخفيف الآلام والأضرار التي خلفها اعصار شاهين عبر الهبة الوطنية والاجتماعية التي جادت بها ضمائرهم الحية في تلبية نداء الواجب ميممين وجوههم إلى جنوب وشمال الباطنة في سابقة تاريخية سوف يسجلها التاريخ بأحرف من نور كأنصع النماذج في العمل الوطني والتطوعي ، إذ تداعى أبناء عمان من كل ولاياتها بمالهم وحالهم في تجفيف الدموع التي خلفها الإعصار على الوجوه في ولايتي السويق والخابورة على وجه الخصوص.
الأمر يبعث على الارتياح على كل الأصعدة والمستويات ، إذ ذلك يؤكد بما لايدع مجالاً للشك بأن أبناء هذا الوطن لن يدخروا جهدا افي تلبية نداء الواجب في أي مكان وأي زمان.
وأثبت أكثر من 15 الف متطوع قدرتهم على مسح آثار الإعصار ورسم البسمة في محيا أبناء السويق والخابورة ليس بما قدموه من أعمال جليلة وإنما بمشاطرتهم الأحزان والوقوف معهم في لحظات صعبة كهذه مخففين عنهم كل الآلام وقاطعين دابر الآهات التي تسببت فيها الحالة المدارية الأكبر في تاريخ السلطنة الحديث ، ضاربين أروع الأمثلة في التضحية والفداء للوطن.
لقد انشرحت صدور أبناء السويق والخابورة عندما شاهدوا هذا الالتفاف الوطني والاجتماعي العفوي في مواجهة معركة شاهين الكبرى ، وتبدلت صفو امزجتهم التي عكرها ما خلفه من آثار امتدت إلى الحال والمال ، لقد نسي أبناء الولايتين كل الخسائر المادية عندما شاهدوا أبناء بلدهم يزيلون الأتربة والطين والطمي بسواعدهم المجردة ، ليغيروا عنوة واقتدارا وبحول الله ملامح منازلهم واعادتها لوضعها الطبيعي في أقل وقت ممكن.
لقد فاضت المعونات والتبرعات من المواد الغذائية وعلى إختلاف أنواعها وأشكالها عن حاجة أبناء السويق والخابورة ، و يكاد ما تم التبرع به يكفي سكان عمان كلها لفترات زمينة ليست بالقليلة لدرجة أن اللجنة الرئيسية نوهت بعدم حاجتها إلى الغذاء والماء ، فالتبرعات التي تدفقت على الولايتين من كل ولايات السلطنة في شاحنات كل واحدة أكبر من الأخرى فتم اثبات عمليا وميدانيا ان اللحمة الوطنية والاجتماعية التي لا تنفصم عراها في هذا الوطن والتعاضد والتكافل الاجتماعي في افضل حالاته.
كما إنه لايغيب عن البال ما تبذله أجهزة قوات السلطان المسلحة بكل تشكيلاتها وشرطة عمان السلطانية على ما بذلوه ويبذلوه من جهود جبارة في إعادة الحياة إلى طبيعتها في الولايات المتضررة مسخرين كل الإمكانيات لخدمة الأهالي ضاربين أروع الأمثلة في علو كعب خدمات قوات السلطان المسلحة في مثل هذه الظروف الاستثنائية ، ولتبقى هذه القوات زاد خير للوطن وابناءه في الملمات ودرعا حصينا للذود عنه في ساحات الوغى والنزال المر.
ان الملحمة التي تمت في مواجهة آثار الإعصار تعكس العديد من الدلالات في التعاطي الإيجابي من أعلى مستويات القيادة في البلاد التي انبرت للتحدي من اول ايام الإعصار بتوجيه من جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - بتقديم كل التسهيلات المتاحة والممكنة التي تضمن سلامة المواطنين والمقيميين وتوفير كل المستلزمات لإعادة الحياة إلى طبيعتها وتوجيه الحكومة لدراسة التأثيرات وتعويض المواطنين وغيرها من الجوانب المضيئة التي تعكس مدى التفاعل والهبة الوطنية لمواجهة مثل هذه الظروف.
ان الأعاصير كظواهر كونية مسألة صعبة تعاني منها الدول الكبرى ويصعب مواجهة تأثيراتها من دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وغيرها ، فهي ترسل نداءات للدول الأخرى لمد يد المساعدة ، فلا يمكن لأي بنية أساسية مهما كانت جودتها وضخامتها أن تواجه الأعاصير بعنفوانها وقوتها وضراوتها ، ويكفي أن ولاية السويق سجلت أعلى معدل هطول مياه في العالم ، وهو ما يشير إلى أن الإعصار الذي ضرب هذه الولاية يعد الأعنف على الإطلاق ولايمكن أن نلوم جهة أو فرد باعتباره مقصرا في تجويد طريق أو مسكن أو بناء سد يمنع الإعصار أو يصده ، فهذه حقيقة علمية لا جدال فيها.
بالطبع الأضرار لايمكن حصرها بين ليلة وضحاها ولايمكن إصلاحها في فترة من الزمن وجيزة ، فهذه الأمور تحتاج من العمل ما يكفي لبناء جديد ، ولعل توجيه اللجنة الوزارية المعنية لشركة جلفار بإصلاح الطرق على وجه السرعة وتجنيد كل إمكانياتها في هذا الشأن يعكس مدى جدية العمل في إصلاح البنية الأساسية الرئيسية كالطرق العامة ، ولكن عجلة العمل في اصلاح كل ما خلفه شاهين ماضية في طريقها ان شاء الله بهمة أبناء هذا الوطن العزيز .
نأمل أن تكون هذه آخر الأعاصير والملمات التي تضرب السلطنة ويكفينا من شرها ما استفدناه عبر الهبة الوطنية والاجتماعية التي تجسدت في ميادين العمل بشكل كبير تعكس بأننا بخير، ولنحمد الله رب العالمين على حقيقة ان التكافل الاجتماعي كان وسيبقى سمة كل العمانيين عبر الدهور والأزمان.