أقول أحيانا إننا لا نمتلك الحرية التي تكفي لنا ككتّاب وصحفيين طالما توجد رقابة، وأن الكتاب عليه أن يجتاز مديرية المطبوعات والنشر، وينال رضاها.. وإن لم يتوافق هذا الرضا مع رغبة الكاتب، وحدود رؤيته في علاقته مع الكتابة، والذات، والعالم.
لكن مزالق الكلمـــة أخطر من أن نعيها في كثير مــــن الأحيان، إذ الوعـــي جزء من ممارسة الحرية، وما يحــــدث في حالات الانفلات على مواقع التواصل الاجتماعي ينبئ بما سيكون عليه الوضع لو أطلق جماح الرغبات والمكبوتات في فضاء الكتابة.
ذلك ما يمكن الخلاف عليه والاختلاف، يرونها حرية غير كافية، وأراها غير كافية أيضا، لكن كيف ندرك المساحة الممكنة أمامنا، والتعامل معها بنضج.. تلك هي القضية، حيث الخلاف والاختلاف!!
ومقارنة بحالنا مع الحرية بحال من حولنا نقول إننا في «نعمة»، يفترض بنا أن نعيها على الأقل، ونجدّ في خطواتنا لنكسب المزيد من فضاءاتها، فأي حرية تعطى هكذا أصلا دون جهد واجتهاد.
فحين نسمع قصيدة في برنامج مباشر يبث على قناة رسمية بجرأة طرح يمكننا القول إننا أمام ممارسة للحرية صريحة وواضحة، فلا انتظر المخبرون أمام الاستوديو ليأخذوا الشاعر إلى «ما وراء الشمس» كما يتردد، ولا المذيع حولوه إلى التحقيق مواجهاً الإيقاف لأنه سمح لشاعر أن يقول في الوزراء والوكلاء ما يعد «إهانة وتجريحاً» في بلدان أخرى بما يستوجب محاكمته وحبسه، كونه نال من قيادات الدولة.
كتبت ذات مرة أن الصبر على تجاوزات الحرية أفضل بكثير من التنعم بإيجابيات القيود، كما كان سائداً معنا في فترة من عمر النهضة العمانية الحديثة، وكانت هناك أسباب قدمت مبررات «للتقييد» لم تعد صالحة لزمن ما بعد 2011، ونحن في فترة مخاض لاكتشاف جمال هذا المولود. هناك من يحاول تجريب فعل الحرية، ينجح حينا، ويفشل أحيانا، فترة تحتاج إلى صبر، والنظر بواقعية نحو ما نستطيعه منها، قدر ظروفنا السياسية والاجتماعية على وجه الخصوص. يمارس البعض «الرغي» عن الحرية، مع وضع خط تحت الكلمة التي بين علامتي التنصيص، تناسب أو لا تناسب «المقام / المقال» كوني مؤمناً بأنه من الممكن الحديث عنها، وممارستها فعلا .. لا قولا، إن كان هناك منجز يقدم بالتوازي، إنما الجعجعة من غير طحن لن تغدو سوى شعارات زائفة، طالما أن اليد التي ترفع شعار الحرية لا تريد أن تقدم الثمن المتوقع، وأن هناك من يرفع الشعار بيد.. وبالأخرى يبحث عن منافع.. أسفل الطاولة.
ما نحتاجه حرية تؤسس ما سيأتي لصالح البلاد، رفع الصوت ضد الفساد ممن هو متعفف عن الوقوع في «حبائله»، حيث يغدو الصوت أكثر مصداقية حينما نسمعه ضد المحسوبية من شخص لم يجرب المحسوبية في حياته، وضد الواسطة ممن لم يمارسها يوماً، وضد سوء الإدارة الحكومية ممن لم ينعم بخيراتها.. مع من يقدم ما يشفع له من إخلاص وإنتاجية نعرفه بها، لا يأكل من مائدتها بلا مبالاة.