كيف تراقب الصين ترامب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
كيف تراقب الصين ترامب

إريك لي

ربما لم يتلق أي بلد ضربات من دونالد ترامب أكثر من الصين. فخلال الحملة الانتخابية، كانت تصريحات ترامب كما لو أن إعادة أمريكا "عظيمة مرة أخرى" يعني هزيمة الصين.
ولكن كثيرا من الجمهور الصيني يؤيدونه. وقد كان الرئيس الصيني شي جين بينج ضمن أوائل زعماء العالم الذين قاموا بتهنئته. ففي رسالته إلى الرئيس المنتخب، أعرب الرئيس الصيني عن أمله في البناء على "المصالح المشتركة" بين أكبر اقتصادين في العالم.
إن بكين تتطلع إلى حدوث تغيير في واشنطن. وبالنسبة للصينيين، كان عهد أوباما هو أصعب فترة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين منذ قيام الرئيس ريتشارد نيكسون بتجديد العلاقات في عام 1971. وقد جعلت إدارة أوباما، في ظل وجود هيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية، محورها في آسيا هو احتواء بكين، بهدف تعزيز وتوسيع نظام التحالف الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وفي نفس الوقت زيادة الوجود العسكري الأمريكي هناك. وقد عزز من هذا المحور خطة اقتصادية، وهي اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاقية التجارة التي تحتضر الآن والتي كان أحد أهداف إنشائها هو عزل بكين.
منذ نهاية الحرب الباردة، من الرئيس بيل كلينتون إلى الرئيس أوباما، ظلت الولايات المتحدة تحاول إعادة تشكيل العالم حسب تصورها الخاص، وهو بناء إمبراطورية أمريكية باسم العولمة. ومن خلال تحالفات ومؤسسات دولية أكبر وأكثر تعقيدا قامت بتصميمها الولايات المتحدة، سعت واشنطن إلى عولمة القواعد القياسية للتجارة والتمويل والعلاقات الدولية. وقد لجأت إلى القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لدفع الدول الأخرى إلى تبني الديمقراطية الانتخابية ورأسمالية السوق.
ولكن الصين رفضت أن تستسلم. ففي حين أن الصينيين كانوا من أكبر المستفيدين من هذا العصر، فقد انخرطت بكين في العولمة بشروطها الخاصة. لقد ساعدت مكاسب الصين من العولمة على تحويل الصين من اقتصاد زراعي فقير إلى قوة صناعية في غضون جيل واحد. بين أن بكين أصرت على تعزيز نظامها السياسي ذي الحزب الواحد وفتح أسواقها بهذا القدر فقط.
وهذا النهج أثبت جدواه للصين، حيث يواصل الاقتصاد الصيني تقدمه من حيل الحجم والتطور التكنولوجي معا، لدرجة أن الصين أصبحت الآن تلوح في أذهان العديد من النخب الأمريكية باعتبارها التهديد الأكبر على المدى الطويل.
ولكن هذه النخب أخفقت – ويبدو أن ترامب يفهم ذلك جيدا – في أن تفهم أنه في الوقت الذي ينتابهم هاجس صعود الصين كتهديد للنظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، تجد أن أسس السياسات الداخلية الأمريكية آخذة في التدهور. إن اتجاه النخب الأمريكية لمحاولة قولبة العالم على شاكلتهم قد خلق صراعا داخل بلادهم، بين الأمريكيين ذوي السلطة والناس العاديين. إن الإمبراطورية الأمريكية تم بناؤها على حساب الأمة الأمريكية.
لقد أفادت العولمة الأمريكيين القابعين فوق القمة الذين يكدسون الثروة والنفوذ، في حين أن الطبقة الوسطى آخذة في التقلص والانكماش. كما أن القاعدة الصناعية للبلاد، وهي الأساس الاقتصادي للطبقة الوسطى في حقبة ما بعد الحرب، تتحطم. والبنية الأساسية الأمريكية في حالة سيئة، ونظامها التعليمي يؤدي أداء دون المستوى بشكل سيء، وعقدها الاجتماعي في حالة من الفوضى. إن الولايات المتحدة لديها نسبة 4.5% من سكان العالم ونحو 20% من ناتجه المحلي الإجمالي، ولكنها تستحوذ على نسبة 40% من الإنفاق العسكري في العالم.
ومع وجود ترامب في المكتب البيضاوي، ربما ستكون هناك أيام صعبة قادمة بين الصين والولايات المتحدة. فالعلاقات قد تتدهور على المدى القصير حول التجارة، علي سبيل المثال.
ولكن على المدى الأطول، قد تصبح العلاقات الصينية الأمريكية أكثر صحة حيث إن الصينيين يفضلون علاقة مع الولايات المتحدة التي لا تحاول إعادة تشكيل العالم. والصينيون يعرفون كيف يتنافسون ويستطيعون التعامل مع المنافسين. ولكن ما يقاومه الصينيون ويستاؤون منه دائما هو أمريكا التي تفرض قيمها ومعاييرها على الجميع.
ولكن أمريكا ترامب من المرجح أنها ستنفصل عن هذا النمط، حيث إن ترامب لم يظهر أي رغبة في الإملاء على الدول الأخرى كيف تدير شؤونها. والصين يديرها قادة أكفاء ذوي عقليات قوية وواقعية. وترامب هو رجل أعمال حازم مع قليل من الأساس الأيديولوجي. وبدون قيود الأيديولوجية، حتى أشرس المنافسين يمكنهم التوصل إلى صفقات واتفاقيات. فهذا يوم جديد في حياة العلاقة الثنائية الأكثر تأثيرا في العالم إذن.
إن محور أوباما يفشل الآن. لقد عجز هذا المحور عن إرساء سلمية أكبر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وحتى أقرب حليف لأمريكا في المنطقة، الفلبين، تتخلى عنها الآن. لقد كان هذا المحور مشروع حراسة عالمية مكلفة على حساب المصالح الوطنية الأمريكية.
إن بكين لا تضمر أي نية لمنافسة الولايات المتحدة على الهيمنة العالمية، ولكنه أمر طبيعي أن تسعى إلى استعادة دور رائد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. إن الصين ترغب في الحصول على فضائها الخاص لتحقيق أهدافها التنموية. وفي نفس الوقت، فإن أمريكا تحت رئاسة ترامب تحتاج إلى تحويل اهتمامها نحو إعادة بناء نفسها.
وعلى المدى الطويل، فإن أمريكا ترامب والصين من المرجح أن يعملا معا بقدر أكبر مما كان عليه الحال في أي فترة سابقة في الذاكرة الحديثة.

مستثمر رأسمالي ومتخصص في العلوم السياسية.