التخطيط ما بين 1970 و2040

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣٠/سبتمبر/٢٠٢١ ٠٨:٢١ ص
التخطيط ما بين 1970 و2040

بقلم : آن الكندية 

تعتزم السلطنة إحداث نقلة نوعية في التعليم وتنمية الموارد البشرية والاقتصاد والبيئة المستدامة وأخيرا حوكمة الأداء المؤسسي وذلك حسب ما ورد تفصيلا في مجلد البرامج الاستراتيجية للخطة العاشرة محتويا على أكثر من 400 برنامجا على المستوى الاستراتيجي. يعكس هذا المجلد التفصيلي المكون من أكثر من خمسمائة صفحة حجم العمل الذي ينبغي القيام به. وهو كفيل بأن يضع مؤسسات الدولة كخلية نحل لا تهدأ حتى عام 2025 تجنبا لترحيل أيا منها للخطة الحادية عشر. كما تكشف هذه البرامج الاستراتيجية حجم البنية الغير مرئية التي تحتاجها السلطنة بعدما ركزت كثيرا على بنيتها التحتية في العقود الماضية. إن ضبط إيقاع الخطة الخمسية العاشرة يعني توطيد الأساس لتنفيذ رؤية 2040، اذ بدون الأسس الواردة في برامج الخطة العاشرة سنبقى في دوامة التبرير والتعليل. ومن هنا فالخطة العاشرة تمثل القاعدة التي ستنطلق منها رؤية عمان 2040، وإذ صلح الأساس كان البناء قويا راسخا لا تهزه عواصف أسعار النفط.

يتحدث المعنيون بأن هذه الخطة نقلة نوعية في منهجية التخطيط ذلك أن التخطيط في السابق كان لا يقوم على هذا الحجم من الاشراك. كما أنه من المهم الإشارة إلى أن السلطنة من الدول القلائل التي لديها رصيد متواصل من الخطط التنموية بدأ منذ عام 1976 مشكلا عشر خطط متتالية. يتطلب تنفيذ هذه الخطط مؤهلات في مختلف المجالات كل حسب اختصاصه، بعض هذه القدرات متوفرة في السلطنة والاخر يحتاج أن تبنيه. وهو ما يقودنا الى تكرار التنويه الى أهمية اعداد استراتيجية للوارد البشرية لتضم قاعدة بيانات للكوادر البشرية واختصاصاتها والاحتياجات المستقبلية للتخصصات التي يجب بنائها وتهيئتها.

هناك عامل مشترك ما بين القطاع الصحي والتعليمي حسب ما ورد في المجلد انه كلاهما بحاجة الى نقلة نوعية في الكفاءة الإدارية، وبالتالي الوصول الى كفاء الانفاق. لا يتم عمل ذلك باشراك القطاع الخاص فحسب، وانما بتعين المختصين في إدارة الأصول والبنية الأساسية الرقمية، الا انه قبل ذلك ينبغي تحديد التوجه ونوعية التعليم والصحة، ومن ثم النظر في إمكانية اشراك القطاع الخاص. بمعنى أن الهياكل الإدارية والأسلوب الإداري أولا وأخيرا يعكس فلسفة التعليم، وبناء المنظومة الصحية التي تتعدى العلاج الى الوقاية من الامراض. لا تنقص السلطنة الموارد المالية وانما ينبغي التركيز على رفع الكفاءة الإدارية، وهو طرح يعيد نفسه متأملين أن يصبح التحول الرقمي أولوية قصوى. ترتبط الكفاءة الإدارية ارتبطا وثيقا بقدرة السلطنة على الإسراع في التحول الرقمي، ذلك أن التحول الرقمي لا يتم الا على أسس إدارية سليمة مبنية على هندسة الاجراءات. وعليه فما يعطل التحول الرقمي ليست الموارد المالية وتوفرها ، إنما الايمان القيادي والمقدرة على تطبيق منهجية الإدارة الرشيقة ليين، فهي مسألة قيادية قبل أن تكون إمكانات مالية.

اقتضت الظروف التنموية في السلطنة دمج التخطيط مع الاقتصاد -على الرغم من كونهما تخصصيين منفصلين-منذ انشاء المجلس الاعلى للتخطيط الإنمائي والاقتصادي في 1972، ومن ثم هيئة التنمية العامة في 1973 التي تحولت الى وزارة للتنمية في نفس العام ، ليحل محلها مجلس التنمية في 1974 . وفي عام 1984 استحدثت وزارة المالية والاقتصاد، وثم وزارة للتنمية في 1994 حيث كانت من ابرز إنجازاتها اصدار رؤية عمان 2020. وفي 1997 أنشئت وزارة الاقتصاد الوطني ليتم استبدالها في 2012 بإنشاء المجلس الأعلى للتخطيط، والذي تم تغيره الى وزارة الاقتصاد في 2020 ، بحيث أصبح للاقتصاد لأول مرة مديرية تعنى بالسياسات الاقتصادية. بعد هذه الخبرة المتراكمة-خاصة في اعداد رؤية عمان 2040- وتغير الظروف، فإن التخطيط بحاجة الى وحدة سواء كانت تحت مظلة وزارة الاقتصاد مثل ما هو الحال -على سبيل المثال -في المملكة العربية السعودية حيث تسمى وزارة الاقتصاد والتخطيط أو وحدة للتخطيط الكلي قد تتبع مجلس الوزراء. وجود التخطيط التنموي كمديرية تحت مظلة الاقتصاد يُحجم من أهمية التخطيط اذ يصبح الاقتصاد اولوية ومن ثم يأتي التخطيط ثانيا. كما تفرض هذه التطورات أيضا تساؤلا عن أهمية اصدار قانون التخطيط في السلطنة، وما الى ذلك من أهمية تشريعية ووضع لمعايير مهنية عالية. علما بأن قانون التنمية الاقتصادية صدر في عام 1975، وقد ينتظر دوره في التحديث.

ليست هذه دعوة الى إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة -على الرغم أنها يفترض أن تكون عملية ديناميكية تتغير بحسب الاحتياجات المتغيرة- إنما نقطة لتعزيز القدرات التخطيطية التي تمكنت من اصدار هذا المجلد بإمكانياتها الحالية. فمتى ما ارتقى التخطيط قلت أخطاء التنفيذ. كما أن وحدة الاستشراف التي هي جزء لا يتجزأ من التخطيط لازلت في علم الغيب فكيف يكون تخطيطا بلا استشراف للمستقبل « انظر مقال آن الكندي بعنوان استشراف مستقبل السيناريو العماني منشور في جريدة عمان بتاريخ 22 يونيو 2016». للتخطيط أدواته التي من ضمنها بناء السيناريوهات، وهي تتطلب عمل مستمر وخبرة متراكمة. فما هي خطة السلطنة لتطوير التخطيط؟، وكيف نسد فجوة تشتت ملف التخطيط الذي يحجب النظرة الكلية والتكامل التخطيطي؟. ذكرت وثيقة الخطة أهمية الربط الإلكتروني بمنظومة الأداء مع باقي الوحدات الحكومية، واذا ما تم ذلك فإنه سيشكل نقلة نوعية في التخطيط، بحيث يتم تحديث البيانات ومؤشرات الأداء الكترونيا وتعدي مرحلة مخاطبة الجهات، مما يعطيها فرصة الاستغلال الغير الحميد للتسويف والتبرير.

المصطلحات المستخدمة في رؤية عمان 2040 والخطة العاشرة تعكس مدى تخصصية الكوادر التي شاركت في وضعها وهم نتاج استثمار لرأس المال البشري في السلطنة للعقود الفائتة. يعكس ذلك حجم المشاركة في اعداد الخطة العاشرة، ولذلك حسنات كثيرة. منها ضمان تحمل مسؤولية الجهات بما أن هذه البرامج وضعت من قبلها ولم تفرض عليها. ومن هنا ومن أجل تلافي التبريرات والتعليلات عند نهاية الخطة العاشرة في 2025 فقد نصت وثيقة الخطة على اصدار تقارير دورية لتقييم الأداء، متأملين تحقيق مبدأ الشفافية والمساءلة. تمثل هذا الخطة المرحلة التنفيذية الاولى لرؤية عمان 2040، وبما أنه تم انشاء وحدة خاصة لمتابعة تنفيذها فإنه من البديهي أن نتوقــــــع صـــدور تقارير تقييم الأداء من وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040 التي نأمل منها قيادة برامج التحول الوطني تنفيذا لطموحات الرؤية.