برنارد هيجل
قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية تعتبر نقطة تحول خطيرة في منطقة غير مستقرة وتمزقها الحرب بالفعل. لقد كانت الشرارة إعدام السعودية نمر النمر الشيخ الديني والذي دعا لإنهاء الملكية في هذا البلد ولكن هذا التمزق تعود جذوره للتنافس الإستراتيجي والذي يمتد في طول الشرق الأوسط وعرضه.
إن التوترات بين البلدين تمتد لعقود عديده خلت ولكنها أصبحت أكثر حدة بعد الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 . لم يخفي قائد الثورة آية الله روح الله الخميني أنتقاده للعائلة المالكة السعودية وقام بسرعة بتقديم بلاده على أنها بطلة "للمظلومين" ضد " قوى العجرفة " – الولايات المتحدة الأمريكية ووكيلاتها المحليات أي السعودية وإسرائيل.
لكن بينما توجد عناصر طائفية وإيدولوجية لتلك المنافسة ،إلا إنها في نهاية المطاف نزاع براجماتي على المصالح الإقليمية ونظرا لإن إيران تنظر إلى النظام السياسي في العالم العربي على إنه يخدم مصالح أعدائها فلقد سعت بإستمرار للإنقلاب عليه وذلك بتشجيع المجموعات ونشر مجموعات تابعة لها من أجل توسيع نفوذها في المنطقة كما يوجد هناك عناصر غير حكومية حظيت بالدعم الإيراني ومن بينها الحجاج في مكه والإنتحاريين في لبنان ومقاتلي حزب الله والذين شنوا هجمات على إسرائيل ومؤخرا إنخرطوا في معركة مع مجموعات مسلحة تدعمها السعودية في سوريا.
حتى بداية هذا القرن كان الرد السعودي فاترا فلقد سعت السعودية لترسيخ شرعيتها الإسلامية من خلال التطبيق الصارم للتعاليم الدينية على أراضيها ودعم قضايا التحرر الإسلامي في الخارج وخاصة في إفغانستان والبوسنة ولكن في العقود الإخيرة زادت سخونة الحرب الباردة بين القوتين الإقليميتين.
بعد أن أدى غزو العراق سنة 2003 إلى تشكيل حكومة يهمين عليها الشيعة في بغداد ، شعر حكام السعودية بالخطر وهم يشاهدون إيران توسع نفوذها عبر الشرق الأوسط وفي سنة 2006 قاتل حزب الله إسرائيل حتى وصل القتال لطريق مسدود وفي سنة 2014 قام الحوثيون –مجموعة أخرى متعاطفة مع إيران- بالسيطرة على صنعاء عاصمة اليمن وفي القصور الملكية في الرياض بدا وكأن إحتمالية حصول إنتفاضات بدعم إيراني في البحرين –أو في السعودية نفسها- هي إحتمالية معقولة بشكل ينذر بالخطر .
ولقد بلغت الأمور ذروتها سنة 2015 عندما توصلت الولايات المتحدة الإمريكية والأعضاء الخمسة الدائمون الآخرون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (بالإضافة إلى ألمانيا) إلى إتفاق نووي مع إيران حيث إتفقوا على رفع العقوبات الإقتصادية مع السماح لها بالإحتفاظ بنفوذها الإقليمي ومع وجود حلفاء لإيران أو وكلاء لها ينشطون في سوريا والعراق ولبنان واليمن شعر القادة السعوديون بشكل متزايد بإنهم محاصرون ومنذ أن تولى سلمان بن عبد العزيز آل سعود مقاليد الحكم في يناير 2015 فإن هدف المملكة الإستراتيجي الرئيسي أصبح الحد من النفوذ الإيراني سواء بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية أو بدون مساعدتها .
لقد كانت ساحات المعارك الرئيسية لهذا التنافس في سوريا واليمن ففي سوريا كرست السعودية نفسها للإطاحة بالرئيس بشار الأسد وهو حليف رئيسي لإيران وعملت على توحيد مجموعات المعارضة غير المنظمة بالمرة ولقد إستمرت إيران من جانبها بدعم الأسد بمساعدة روسيا.
لقد تحولت الحرب إلى مستنقع ومع فشل أي طرف في أن تكون له اليد العليا فيها فإن من المرجح ان تستمر ولقد فشلت جهود قادتها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا إلى التوصل لإتفاق سلام في لبنان على أمل أن يؤدي هذا الإتفاق إلى حصول إختراق في سوريا وذلك بسبب إنعدام الثقة بين البلدين . إن إتفاقية تقاسم الحكم المقترحة كانت سوف تستبدل الأسد بأحد حلفاءه وتنصب أحد رجال السعودية منذ فترة طويلة كرئيس للوزراء ولكن بينما بدا وكأن السعودية راغبة في قبول الصفقة ، رفضتها إيران بعد رفض حزب الله لكلا المرشحين .
أما في اليمن فلقد شنت السعودية وحلفاءها السنة حملة عسكرية في مارس 2015 والتي وصلت بسرعة لطريق مسدود كذلك فالمقاتلون الحوثيون الموالون لإيران والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح دخلوا في قتال مع قوة من اليمنيين الجنوبيين بدعم من القوات الجوية والقوات الخاصة السعودية والإمارتية. لقد إنهارت المفاوضات لحل الصراع وفي غياب غزو واسع النطاق- وهي إحتمالية غير واردة نظرا لإحتمالية وقوع الكثير من الضحايا – فإن من شبه المؤكد أن الحرب ستطول.
إن إعدام السعودية للنمر كان جزءا من حملة واسعة تستهدف المعارضة المحلية وكان الشيخ واحدا من 47 شخص تم اعدامهم بتهم الإرهاب وجميعهم بإستثناء أربعة كانوا من المتمردين السنة المتهمين بدعم القاعدة. لقد كان رد فعل إيران وحلفاءها على شكل إحتجاجات معادية للسعودية ليس فقط في طهران حيث تم نهب سفارة المملكة هناك ولكن أيضا في العراق والبحرين علما إن رد الفعل هذا يعكس عمق العداوة الثنائية الكامنة .
على المدى القصير فلقد إستفاد حكام السعودية من الرد الإيراني حيث تمكن هولاء من حشد السنة في المملكة وخارجها وإسكات معارضيهم الجهاديين ولكن بدون وجود تدخل خارجي من إجل جلب البلدين إلى طاولة المفاوضات فإن تنافسهما سوف يعرقل الجهود من أجل تحقيق الإستقرار في الشرق الأوسط ويمكن أن يؤدي إلى المزيد من التصعيد مما سوف يجعل الوضع الإقليمي السيء أسوأ بكثير .
أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون.