بقلم : محمد محمود عثمان
لابد أن نعترف وبصوت مرتفع أن اقتصادياتنا في غرف الإنعاش أوأنها مجبرة على دخولها عنوة حتى تتحسس خطواتها نحو التعافي ، ونعلم جميعا أن الداخل لغرفة الإنعاش في حكم المفقود والخارج منها مولود ، وعلينا أن نعي ذلك ، لأننا نحتاج إلى المزيد من الوقت والصبر والإصرار والتعاطي مع الأزمة بروشتة علاجية شاملة وصارمة وحاسمة ، وأن الحكومات مسؤولة أمان شعوبها لضمان الخروج الآمن للاقتصاديات متعافية من غرف الإنعاش ،إذ لا يكفي تخفيف القيود الاحترازية أوعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيا، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أسوأ السنيوريهات التي تتحور مع كل تحورات كورونا وسلبيات الإغلاقات العالمية التي تمت وامتدت ، وأصابت المراكز الاقتصادية العالمية بالشلل شبه التام ، والذي انتقلت آثاره السلبية إلى المنطقة العربية من شرقها إلى غربها ، ومنها من قد انهكته الانقسامات السياسية أوالصراعات العسكرية أو التدخلات الأجنبية ، كما هو الحال في سوريا، واليمن، وليبيا، والعراق ولبنان ، وما ينتج عن ذلك من ضغوط وأزمات مجتمعية ، وأصبح أمرا حتميا على الجميع العمل ثم العمل والعمل أولا وأخيرا على الخروج من المأزق من خلال برامج إنعاش اقتصادية قوية ، قد تكون لها تكاليف باهظة، والتي تحملت جزءا منها في عنفوان الأزمة شركات القطاع الخاص مع المواطن البسيط الذي حاصرته المشاكل من كل صوب ، بعد أن تحمل معاناة كورونا التي القتها الحكومات على كاهلهم فرادى وجماعات منذ الربع الأول من 2020 وحتى الآن ، وسيصبح الوضع أكثر كارثية عندما تفشل الحكومات في تقديم المحفزات الاقتصادية الناجزة من خلال خطط وبرامج إنعاش واقعية تدفع بالاقتصاد، بعد أن خسرالقطاع الخاص الأيد العاملة الماهرة المنتجة واصبح قابضا على الهواء وهو يبحث عن طوق النجاة، نتيجة لعدة أسباب منها :عدم قدرة ممثلي القطاع الخاص من غرف التجارة والصناعة وجمعيات المجتمع المدني إلى نقابات العمال وجمعيات حقوق الإنسان على التصدي للإجراءات الحكومية التي أدت إلى تسريح أعداد كبيرة من العاملين المؤثرين في العمل والإنتاج ، والمغالاة في رسوم الخدمات الحكومية ومتطلبات الاستثمار ومضاعفتها ، وزيادة الضرائب أوفرض أنواع جديدة من الضرائب ، بغرض زيادة الموارد وتعويض العجزالمرحل في الموازنات التي صاحبت النقص في عائدات النفط، وهنا لابد أن نتذكر مقولة “ أن الضرب في الميت حرام” والقطاع الخاص في غيبوبة أو في حالة احتضار او موت سريري، بعد أن تعثرت الشركات وزادت حالات الإفلاس وخروج المستثمرين والاستثمارات إلى ملاذات أخرى وبيئات استثمارية أكثرجاذبية وتنافسية ، لأن البيئة غير المواتية والمناخ المنفر للاستثماروالطارد للمستثمرين يشجع على الهروب ، خاصة إذا صاحب ذلك القصور في إجراءات احتواء آثار كورونا الاقتصادية مثل نقص السيولة وزيادة الديون وأعباء خدمة الدين والمطالبات القضائية ضد الشركات والأفراد والأحكام بالسجن للمتخلفين عن السداد ، وعدم القدرة على الوفاء بالالتزمات والتامينات وضرائب الدخل والقيمة المضافة وكل ما يستجد من رسوم جبائية ، وعدم مواكبة التشريعات لمواجهة حالات الإعسار القسرية الناتجة عن جائحة كورونا وتوابعها ، مثل الفصل التعسفي لأعداد كبيرة من الأيد العاملة الماهرة بدعاوى خفض التكاليف ، ومن ثم ارتفاع تكلفة الأجور وفقد أهم المميزات النسبية التي يبحث عنها المستثمرالمحلي والأجنبي.
لذلك فإن مرور الاقتصاد في غرف الإنعاش يتطلب الحذر وبُعد النظر في العمل على استقطاب المستثمرين والتشجيع على تأسيس المشروعات الجديدة وزيادة تنافسيتها عالميا ومحليا،ووضع خريطة للاستثمارات الجديدة مصحوبة بدراسات جدوى اقتصادية وأن تقدم الحكومات ضمانات ائتمانية موقتة ، ولن يتأتى ذلك إلا بتقديم حزم من الإجراءات المرنة القادرة على دفع بيئة الأعمال والاستثمارات إلى مستويات أفضل ، وتحفيز البنوك المركزية على اتخاذ سياسات نقدية متطورة من خلال تسهيلات التمويل والائتمان طويل الأجل ، ومعالجة نقص السيولة وتخفيض الفائدة ، وعودة دورة الاستهلاك المحرك الأساسي في الاقتصاد لتحقيق الانتعاش وانتشال الاقتصاد من عثرته ونكرر كما ذكرنا من قبل مراراعلى ضرورة ضخ السيولة وتقديم التعويضات والتمويلات الكافية ، وتأجيل كافة الالتزمات المالية والضرائب والقروض أوزيادة الرسوم بأنواعها إلى حين لأن ذلك يؤدي حتما إلى التعافي وتحقيق الأرباح وبالتالي زيادة الاستثمارات ، حتى تعود الثقة و الحياة للأنشطة الاقتصادية من جديد وإعطاء الدافعية لأفراد المجتمع لمشاركتهم الفاعلة في بدء دوران عجلة الإنتاج من جديد، لأننا نخشى من احتضار الاقتصاديات التي تمر بمرحلة الإنعاش إذا عجزت الحكومات عن تقديم العلاج الصحيح في الوقت المناسب، ولم تقدم قبلة الحياة بضخ دماء جديدة في الشرايين الاقتصادية للمجتمع قبل أن تضمر وتجف وتنضب وتتحول إلى العدم.