صندوق الحماية الاجتماعية المقبل.. جباية أم حماية؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٩/سبتمبر/٢٠٢١ ٠٨:٤٣ ص
صندوق الحماية الاجتماعية المقبل.. جباية أم حماية؟

بقلم: علي المطاعني

يُعد مشروع نظام الحماية الاجتماعية ودمج صناديق التقاعد الصادر بالمرسوم السلطاني (33/‏2021) بإنشاء صندوق يسمى (صندوق الحماية الإجتماعية)، تكون له الشخصية الإعتبارية، ويتمتع بالإستقلال المالي والإداري، يتبع مجلس الوزراء، من المشروعات الكبيرة ذات البعد الاستثماري الذي من المؤمل أن يضع حلولاً جذرية لكثير من القضايا الاجتماعية ويكون يد الحكومة الطولى في تأسيس منظومة العمل وقوة رأس المال البشري. وكما يعلم الجميع بأن النظام سيصدر بمرسوم سلطاني، بعد تقديمه متكاملاً من قبل اللجنة المشكلة بقرار من مجلس الوزراء المكلفة بوضع ضوابط وإجراءات إعادة (إصلاح) هيكلة أنظمة التقاعد والحماية الاجتماعية وإعداد مشروع قانون الحماية الاجتماعية الذي يتضمن النظم التقاعدية الواجب تطبيقها على كافة الموظفين والعاملين والأحكام ذات الصلة بمنظومة الحماية الاجتماعية، إلا أن هناك العديد من التساؤلات تطرح حول النموذج الذي ستبني عليه هذه اللجنة المشروع؟ وما هي المزايا التي ستكون الملجأ الآمن لأفراد تقاعدوا ومشتركين يساهموا في دفع اشتراكات شهرية؟ وما هي النسبة المستقطعة من قبل المساهمين (الموظفين) بعيداً عن مسألة الجباية أو نسبة تزيد الطين بِلة في خضم تزايد الضرائب؟ وهل يوجد صندوق أو نظام حالي (11 صندوقاً تقاعدياً) يعد النموذج الأمثل الذي يساهم في تحقيق رؤية عُمان 2040؟ وما هي مواصفات الشخصية الوطنية القيادية الأمينة والمؤهلة لقيادة هذا الكيان الضخم؟ وهل ستعود الأمنيات بخفي حنين إذا كان التوجه من باب التكريم والمحاباة والاستعانة بأفراد قادت تلك الصناديق إلى هاوية الإفلاس وتعميق العجوزات الاكتوارية؟ وما هو طموح المجتمع في بناء هذا المشروع بناءً على الاستطلاع الذي أجراه مركز الإحصاء الوطني؟ وكيف ستتم تسوية الأمور المتعلقة بالعجوزات الاكتوارية التي أودت بمسار جُل الصناديق ومن سيدفع الفارق مع وجود خلل حاد في قوة المركز المالي وعدم الوفاء بالالتزامات الحالية والمستقبلية؟ وهل تتساوى حقوق الموظفين جميعاً وفق آليات الإندماج؟ وماهي الأسس التي سيتم الإعتماد عليها وفق الأنظمة الدولية والمبادئ الموجهة للحماية الإجتماعية المعتمدة من الجمعية الدولية للضمان الإجتماعي ومنظمة العمل الدولية؟ الأمر الذي يتطلب تدارس كل هذه الجوانب والخروج برؤية مشتركة تراعي المصلحة العامة بدون أن تلحق ضررا بالمنتسبين أو تحملهم أعباء جديدة وفق النظام الجديد، فعملية الإصلاح بعد الخراب الذي لحق بالصناديق لايجب أن يتحملها المنتسبين سواء بزيادة الإشتراكات أو تقليل المزايا التقاعدية أو غيرها. بلاشك أن نظام الحماية الإجتماعية هي جملة من الإجراءات والسياسات والبرامج المعنية بالمجتمع والمهتمة برفاهية الإنسان للحد من الفقر عبر تعزيز كفاءة العمل ودفع المواطنين نحو استغلال قدراتهم وكفاءاتهم وإدارة المخاطر التي قد يتعرضون لها، كما إنها تعتبر قيمة من قيم التضامن المؤثرة في بناء الوطن المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف وحضارتنا الوطنية والمواثيق الدولية، لذلك فهي مرتبة عليا من مراتب التكافل الإجتماعي، وهي بمثابة صمّام الأمان الذي يهدف إلى إيجاد نوع من الطمأنينة لأفراد المجتمع وعلى مستقبلهم وحاضرهم. غير أنه من الأهمية بمكان أن يكون هناك من يمثل كل المنتسبين أي أطراف الإنتاج ويدافع عن مصالحهم ولا يكون الأمر بصيغة فرض الأمر الواقع بإصدار تشريعات لاتقبل المناقشة، بل إن هذه التطورات لا بد أن تُعرض للمناقشة علي نطاق واسع في السلطنة سواء على مجلس الشورى ومؤسسات المجتمع المدني وإتحاد عمال سلطنة عُمان، بل حتمية إخضاع القانون أو النظام للإستفتاء العام باعتباره يمثل خيار المجتمع ومستقبل الأجيال في نظام يكفل الحماية الإجتماعية لكافة أفراد المجتمع. إن نظام الحماية الإجتماعي أكبر صندوق في السلطنة سيضم كافة المتقاعدين والعاملين في 11 صندوقاً تقاعدياً ويضم كافة موظفي الدولة في واحد من أكبر الإندماجات التي شهدتها السلطنة، بذلك يُعد خطوة كبيرة في رسم مسارات الحماية الاجتماعية في البلاد ويؤسس لبرنامج‏ حماية يتصف بالعالمية لتقديم مجالات الحماية الإجتماعية (عالميا الخدمات العلاجية ‏منح المرض (الأمراض والأوبئة) ‏منافع الشيخوخة و‏التغطية ضد حوادث العمل والأمراض المهنية و‏المنافع العائلية ومنافع الأمومة. و‏منح العجز و‏البطالة (الباحثين عن العمل)، ومنافع المتبقين على قيد الحياة (المستحقين/‏ الورثة)، وبذلك يجب توسيع دائرة النقاش فيه وإقراره بكل الآليات التي تضمن استدامته ويرتبط إرتباطا وثيقا بروية عُمان 2040، ‏فلا يجب أن يمرر هكذا نظام بدون استيفاءه كل القنوات التي يتوجب أن يمر بها لتحديد مستقبل الحماية الإجتماعية التي نتطلع إليها. إن دمج 11 صندوقاً تقاعدياً وضم نظام الضمان الإجتماعي يشكل رأسمال بشرى لكل الموظفين والمتقاعديين، ويُعد أكبر من إعادة هيكلة الحكومة نفسها في الفترة الماضية لما يحمله هذا الإندماج من قوة في الأصوال أو الإشتراكات والمعاشات والإرتباطات وغيرها، لذلك يجب أن يخضع للكثير من الآليات المحكمة التي تفيد كل فئة من الفئات المنضوية تحت مظلته في أجهزة الدولة وتعويض الشرائح المتضررة من المتقاعدين والمنتسبين وعدم إغفال اي جزئية يمكن أن تعكر صفو هذه الخطوة العملاقة. ومن الأمور التي يجب مراعاتها أن يكون نظام الحماية الإجتماعية محفزا للأجيال القادمة من حيث أنظمته التقاعدية والمزايا ويفتح مجالات أخرى مثل لم شمل العاملين لحسابهم الخاص الذين هم الآن أقل نسبة تغطية تأمينية في السلطنة، بسبب كلفة التأمين والعجز عن إقناع الفئات بالإنضواءالي النظام التأميني الموجود، خاصة وأن الخطط المستقبلية تتجه لتحفيز الأجيال على العمل الحر وريادة الأعمال، فلابد من إيجاد نظام يخفف عن هذه الفئات ثقل الانتساب بتحمل الدولة النصيب الأكبر من الإشتراكات أو ضم أي صاحب عمل حر مجانا في نظام الحماية باعتباره يعمل لحسابه ولا يكلف الدولة بيسة واحدة. إن إدارة العمل في هذا النظام الاجتماعي الكبير يجب أن يرتبط إرتباطا وثيقا بالقيادة العليا في البلاد بما يتواكب وحجم نظام الحماية الإجتماعية وأهميته لمستقبل البلاد والعباد وإرتباطه بالأمن الإجتماعي الذي هو ضمان الأمن لأي دولة. ‏بالطبع أن إيجابيات دمج صناديق التقاعد عديدة، كتوسيع قاعدة المشتركين، ضبط تباين المنافع، تحقيق الإستدامة المالية للصناديق، الإستغلال الأمثل للموارد المتاحة (بشرية - أنظمة الكترونية – أصول - هيكلة إدارية أنسب للصناديق)، تحقيق العدالة بين الأجيال، تعزيز كفاءة الإستثمارات). غير أن ما نتطلع إليه أن يكون النظام بمستوى التطلعات ويخضع لمشاورات عميقة مع المجتمع بكل قنواته وعدم الإنفراد بإقرار أنظمة وتشريعات كالسابقة التي أثارت الكثير من اللغط وتراجعت الحكومة عن بعضها لعدم إستيفاء التشاور المجتمعي المطلوب. نأمل أن ‏ يكون نظام الحماعية الإجتماعية يدعم التكافل والعدالة بين الأجيال ويكون ‏نظاما مركزيا موحدا يضم كافة بيانات العاملين والمتقاعدين في القطاعات المندمجة. من الأهمية بمكان التأكيد على ضرورة توجيه هذا الصندوق كأداة استثمارية اجتماعيك ويدار من قبل كفاءات وطنية تتميز بحضور اجتماعي وأفق أكاديمي اقتصادي وخبرة استثمارية تتولى تطوير وجمع ودمج البيانات، فالوقت ينفد والمرسوم السلطاني القاضي بالدمج أعطى مهلة 12 شهرا لإعداد مشروع القانون‏ من تاريخ إصداره ولم يتبق إلا القليل من الوقت، وحتى لحظتها لم تتضح الرؤية بعد، ولم نر أي إشراقات يمكن أن يشار إليها عند خط الأفق.