فريد أحمد حسن
التوتر الذي ساد أخيرا إثر الخلاف الكبير الذي نشب بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران من شأنه أن ينقل المنطقة إلى مرحلة جديدة لم تعهدها من قبل ، فهو خلاف غير عادي أدى إلى اتخاذ السعودية قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران فسحبت بعثتها الدبلوماسية من طهران إثر تعرضها لاعتداءات من قبل متظاهرين إيرانيين كانوا يحتجون على إعدام رجل الدين السعودي الشيخ نمر باقر النمر ، وطردت البعثة الدبلوماسية الإيرانية من الرياض ، وتبعتها في ذلك مملكة البحرين ودول عربية أخرى وشاركتها دول غيرها عربية وإسلامية باستدعاء سفرائها من إيران للتشاور تعبيرا عن تضامنها مع السعودية التي لم تكتف بقطع العلاقات الدبلوماسية فأتبعتها بمجموعة من القرارات المعبرة عن استيائها وغضبها فأوقفت الرحلات الجوية بين الرياض وطهران وتوقفت التجارة بين البلدين ، وشاركتها في هذه القرارات مملكة البحرين .
وضع جديد على منطقة الخليج العربي ستكون له دونما شك تبعاته غير المريحة ، وليس مستبعدا أن يزيد التوتر فيصل إلى مرحلة تقود إلى الدخول في حرب قابلة للاتساع خصوصا وأن السعودية وإيران طرفان أساسيان في الحرب الدائرة في سوريا والعراق واليمن .
ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان اهتم في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "ذا ايكونوميست" بالتأكيد على أنه لا يتوقع صراعا مباشرا بين بلاده وإيران وأن السعودية تحاول كل وسعها عدم التصعيد أكثر وأنه من غير المحتمل أن تصل الأمور إلى حد نشوب حرب بين البلدين وقال إن "من يدفع بهذا الاتجاه فهو ليس في كامل قواه العقلية ، لأن الحرب بين السعودية وإيران تعني بداية كارثة كبرى في المنطقة ، وسوف تنعكس بقوة على بقية العالم . وبالتأكيد لن نسمح بحدوث ذلك" ، وهو تصريح مهم يمكن الاستفادة منه في تهدئة الأمور وتقليل الفرصة أمام الغضب ليتحكم في القرارات ، خصوصا وأنه أتبع ذلك بقوله ردا على سؤال للصحيفة عما إذا كان يعتبر إيران العدو الأكبر "لا نأمل ذلك" ، فاتحا بذلك الباب أمام إيران كي تؤكد بأنها لا تعتزم التصعيد وأنها بالفعل ليست العدو ولكن الجار الذي يكون الخلاف معه واردا في أي وقت ولأي سبب .
الاحتجاجات التي شهدتها إيران كانت طبيعية ومتوقعة ، فالشيخ النمر رجل دين شيعي وإن كان سعوديا وسكوت إيران واعتبار إعدامه شأنا سعوديا داخليا يحرجها أمام شعبها وأمام الشيعة في العالم أجمع خصوصا وأنها تعتبر نفسها حامية أتباع هذا المذهب ، وردة فعل السعودية أيضا طبيعية فليس من المنطقي أن تسكت وهي ترى المتظاهرين يعتدون على مبنيي سفارتها وقنصليتها في طهران ومشهد ويتعرض دبلوماسيوها للخطر خصوصا وأن اتفاقية فيينا تؤكد على تحمل الدولة المضيفة حماية البعثات الدبلوماسية لديها ومقارها ، وكذلك طبيعي أيضا تضامن بعض الدول مع السعودية ومشاركتها القرارات نفسها واكتفاء دول أخرى باتخاذ إجراءات ومواقف دبلوماسية يتطلبها الموقف . كل هذا طبيعي ، غير الطبيعي هو أن يستمر هذا الوضع ويزداد التوتر فيصير مستقبل المنطقة كله غامضا وقد يتمكن الشيطان من إشعال فتيل حرب تأكل اليابس والأخضر .
التطورات التي حدثت الأسبوع الفائت زادت الطين بلة وكأنه لا يكفي المنطقة ما صارت تعاني منه إثر انخفاض أسعار النفط الذي أدى إلى تعطيل الكثير من برامج التنمية والتضييق على الحياة الرغيدة التي ظلت سمة دول المنطقة نحو أربعة عقود .
في وضع كهذا ومع تطور مفاجئ وغير متوقع كالذي حدث مطلع العام الميلادي الجديد وأدى إلى ما أدى إليه من توتر قابل للزيادة من الطبيعي أن تشرئب أعناق شعوب دول الخليج العربي إلى سلطنة عمان التي تعودت منها الحياد والتدخل لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين أي فريقين يسود التوتر علاقاتهما . وبالتأكيد فإن ما جرى بين السعودية وإيران لا يصعب على السلطنة حله أو على الأقل العمل على منع زيادة التوتر ووضع حد له وتهدئة الطرفين تمهيدا لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه ، فالسلطنة شقيقة للسعودية وشريكة في مجلس التعاون وصديقة لإيران وتحظى بثقة الجميع ، لذا فإن هذه الشعوب تتوقع منها بدء العمل على إصلاح ذات البين بين البلدين .
سلطنة عمان هي المؤهلة أكثر من غيرها لنزع فتيل التوتر الذي ملأ المنطقة أخيرا وأدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران وما تلى ذلك من تطورات أدخلت شعوب دول التعاون في حالة قلق لا تحسد عليها ، فللسلطنة في هذا الخصوص تجارب ناجحة يشهد بها القاصي والداني ويمتلك دبلوماسيوها الخبرات التي تعينهم على وقف التدهور في العلاقات بين البلدين ووضع حد للتوتر الحاصل في عموم المنطقة .
شخصيا أتوقع أن السلطنة لن تتأخر عن القيام بهذا الدور بل أكاد أجزم أنها قد بدأته ، وأجزم - كما كل مواطني دول مجلس التعاون الخليجي - أنها ستنجح في هذه المهمة وستحقق نتائج سريعة بسبب ما تحظى به من احترام من كلا البلدين وما يتوفر لديها من خبرة في التقريب بين وجهات النظر وحل المشكلات بين الدول .
إن توفر معلومة تؤكد بدء السلطنة في هذه المهمة من شأنها أن توفر حالة من الارتياح والاطمئنان لدى شعوب دول مجلس التعاون وكل المنطقة ، وبدء السلطنة في هذه المهمة ستجد القبول من دون شك من مختلف الأطراف ذات العلاقة ولن يطول الوقت حتى تأتي الأخبار المفرحة .
• كاتب بحريني