صناعة الأسمنت تواجه تحديات الإغراق !

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٤/سبتمبر/٢٠٢١ ٠٨:٣١ ص
صناعة الأسمنت تواجه تحديات الإغراق !

بقلم : علي المطاعني

تواجه صناعة الأسمنت في السلطنة تحديات كبيرة تتعلق بالأوضاع الاقتصادية وإنعكاساتها على قطاع التشييد والبناء، وتأثيرات جائحة فيروس كورونا وإغراق الأسواق المحلية بالأسمنت المستورد الأقل جودة، فضلا عن تراجع الإنفاق الإنمائي الحكومي نتيجة لتلك الظروف الاستثنائية، كل هذه العوامل وغيرها تضفي صعوبات كبيرة في تصريف وبيع الطاقة الإنتاجية لصناعة الأسمنت وانعكاساتها السلبية على المردود الاقتصادي للبلاد.

الأمر الذي يتطلب إتخاذ خطوات عملية لتذليل الصعوبات وتعزيز هذه الصناعة من حالة الإغراق الممنهجة من قبل الأسواق المجاورة بأنواع الأسمنت بمواصفاته الأقل جودة وما يعنيه ذلك من عواقب وخيمة على حركة التشييد والبناء في السلطنة، بل ما يشكله ذلك من خطورة على ارواح الناس وممتلكاتهم، وذلك بتشديد اجراءات الفحص المعملي ليتسق مع المواصفات المطبقة على الأسمنت المحلي بجودته العالية المعروفة عنه.

فبلاشك أن صناعة الأسمنت هي الأساس الذي قامت عليه التنمية العمرانية في السلطنة في السنوات الخمسين الفائتة وما شهدته النهضة العمرانية من تطور في كافة محافطات وولايات السلطنة، واسهمت صناعة الأسمنت في توفير متطلبات التنمية العمرانية من هذا المنتج بكفاءة عالية لأكبر واضخم المنشآت في البلاد كمطار مسقط الدولي ومشروعات أخرى عديدة.

لقد أنفقت الحكومة والقطاع الخاص استثمارات كبيرة في هذه الصناعة لمواكبة نمو الطلب في السنوات الفائتة، والوفاء بااحتياجات الأسواق المحلية والتصدير إلى الخارج ايضا، إلا أنه ومع الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي يعيشها العالم والظروف الصحية الماثلة تراجع الطلب إلى مستويات متدنية في العالم قاطبة، والسلطنة ليست استثناء من هذه الحالة.

وبالتالي من الطبيعي أن تتأثر إيرادات المصانع وتنعكس ذلك سلبا على مستقبل صناعة الأسمنت ومايشكله من تحديا استراتيجيا خطيرا على هذه الصناعة ولأعمال البناء والتشييد في البلاد، ومن ثم وقوعها تحت رحمة الإستيراد الرديء، واقع يفرض على الجهات المختصة العمل بكل السبل لإنقاذ صناعة الأسمنت وعدم التغافل عن ما تواجهه من تحديات ماثلة للعيان.

فهذه الصناعة التي تطبق أعلى المواصفات والمقاييس في العالم وتعمل على تعظيم القيمة المضافة المحلية لمنتجاتها وتستوعب العديد من الكوادر الوطنية وتستفيد من الموارد الطبيعية فإنها اليوم (تحتضر) او في طريقها لذلك، ولعل خسائر بعض المصانع لهو دليل كاف على ما تعانيه هذه الصناعة من آلام وأوجاع مفضية للموت اللا رحيم.

اليوم نجد أن الطاقة الإنتاجية لصناعة الأسمنت تزيد على 7 مليون طن في السنة ‏، في حين ان المبيعات تتراجع شيئا فشيئا بفعل العوامل التي أشرنا اليها، كما أن الدول المجاورة تواجه نفس التحديات والتالي تجد في اسواقنا مجالا وفضاء جيدا لتصريف منتجاتها الأقل جودة مما أدى ذلك إلى أرتفاع في تكاليف التشغيل لأي صناعة لدينا وعدم وجود آلية ما لمناهضة الاغراق الموجه، والنتيجة كما نرى خسائر أو تراجع إيرادات مصانع الأسمنت، وهي عوامل لاتفتح آفاقا تذكر لتطوير هذه الصناعة.

ومن المستغرب أن ‏السلطنة تستورد أكثر من 50% من الأسمنت بمواصفاته الأقل جودة فانعكس ذلك في المباني المتأثرة في ولايات السلطنة والشكاوى الواردة لهيئة حماية المستهلك والمحاكم من رداءة مواد البناء وعلى راسها الأسمنت، وفي ظل وجود منتجات عالية الجودة ومطابقة للمواصفات وما يمثله الأسمنت من أهمية كبيرة في جودة البناء فإن إصدار مواصفات عمانية خاصة بالاسمنت المستورد لكي يتوافق مع متطلبات البناء في السلطنة ويحقق جودة البناء نفسها التي تطبق على هذه الصناعة في السلطنة واحد من الحلول لضبط الإغراق الذي تواجهه الأسواق. ‏

ومن الأهمية بمكان تفعيل القرار رقم 2011/‏60 الخاص بلائحة تنظيم أعمال فحص واختبار جودة الأسمنت المستورد عبر المنافذ الحدودية، وضرورة إخضاعه للفحوصات المخبرية قد يحقق المعادلة المطلوبة سواء من ناحية التاكد من سلامته وايضا حماية للمستهلك وإعطاء أريحية لصناعة الأسمنت في السلطنة التي يطبق عليها مواصفات غير مطبقة على الأسمنت المستورد أو على الأقل أن تعمل في ظروف متساوية.

فإذا كان تطبيق القرار السالف الذكر شابه بعض القصور في السنوات الفائتة نظرا لنمو الطلب على الأسمنت واستيعاب الأسواق وبعض المبررات التي تساق من جانب المستوردين وتهيج البعض ضد القرار، إلا أنه وفي ظل هذه الأوضاع الاقتصادية والصحية وتأثيراتها فإن على الجهات المختصة تفعيله للعديد من الأسباب التي اوردناها لحماية عملية التشييد والبناء في البلاد في المقام الأول.

بالطبع هناك من يعارض بعض هذه التوجهات لأغراض في أنفسهم نتيجة الانتفاع من الإغراق في مجال الأسمنت، اذ لا يهمه مستويات الجودة في البناء التي يعد الاسمنت عمودها الفقري.

نأمل تفعيل قرار 60 الصادر في 2011 بفحص الأسمنت المستورد كغيره من السلع وكأحد الحلول التي يتطلب تفعيلها إزاء التداعيات الراهنة في صناعة الأسمنت وما قد تسببه من اشكاليات تصل لسقف الخطورة في السنوات المقبلة بحول الله.