فلسفة الأمور

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٣/سبتمبر/٢٠٢١ ٠٨:٣٩ ص
فلسفة الأمور

بقلم: خالد عرابي

تقول إحدى النكات: «أن شخصا متزوج اثنتين ولازم يطلق وحدة منهما بعد أن ضاق ذرعا بمشاكلهما معا !!!

فقام سوى لهما اختبار... جاب خروف لكل وحدة وقال لها: اذبحي واسلخي وجهزي الغدا قبل الساعه 2 ولما الزمن انتهى .. جا لقى الزوجة الكبيرة ذبحت و سلخت وجهزت الغداء .. وأما الصغيرة فوجدها خايفة من الخروف وقافلة على نفسها في الغرفة .. طوااااالي طلق الكبيرة ولما سألوه أيش السبب ، قال الكبيرة شديدة وتعرف تدبر أمورها ..

أما المسكينة هذي الله بيسألني عنها» -مع الالتزام بفرضية ونص النكتة «المزحة» حيث التزمت بنصها بما فيها الكلمات العامية والأخطاء اللغوية -.

بالطبع مثل هذه النكات والمزحات نسمعها بل ونتداولها على الدوام وطوال اليوم على سبيل الدعابة أو الفكاهة والتندر، وبالفعل هي كذلك ، ولكن أيضاً وكما جميع الأشياء حتى التي تبدو تافهة إذا ما تعمقنا في قراءتها وقرأناها بعمق يمكن أن نستخلص منها حكما ومواعظ بل واعتبارات عديدة وذات معاني عميقة وكثيرة، ولكن أيضا يجب الانتباه إليها.

وعودة إلى فرضية النكتة السابقة يمكن نرى وأن نتعلم منها درسا أو دروسا كثيرة مهمة في الحياة وهي أن حكم المنطق والعقل الذي تعلمناه ونشأنا عليه ومنه على سبيل المثال قاعدة واحد جمع واحد يساوي اثنين لم تعد هي القاعدة الوحيدة والصحيحة فقط في هذا الزمان! بل يمكن أن تكون هناك قواعد ومعادلات أخرى - وبكل أسف- مقلوبة ، فيمكن للحق أن ينقلب إلى باطل وبالمنطق والعقل والإقناع أيضاً ولا يستطيع أحد أن يدحضه -رغم أنه ما كان ينبغي له أن يكون كذلك، فأخينا -الفرضي- هنا وفي هذه النكتة السابقة توقع كل من قرأ النصف الأول من النكتة وقبل أن يكملها أن الزوج سيبقى على الزوجة الأولى أي القديمة أو الأكبر سنا ليس للعشرة وطول الوقت معها و ربما له منها أولاد فقط ولكن لأنها ووفقا للنكتة كانت الأكثر خبرة ومعرفة وحسن تدبير، وأنه وفقا للوقت المحدد لها وللنكتة أيضا ذبحت و سلخت و طبخت وأعدت كل شيء وبالتالي كان الأولى أن تكسب هي في الاختبار وأن يبقي عليها الزوج، ولكن رأينا في نهاية النكتة أن الحكم جاء بأنها هي من طلقت وتحت أي فلسفة ومنطق وإقناع ، أنها -وبكل أسف أيضا- جاءت تحت غطاء ديني « ربي سوف يحاسبني عليها لأنها لا تحسن التدبير أما القديمة فتحسن التدبير» وهذه هي كارثة هذا الزمان أن الدين أصبح يدخله البعض في كثير من المواقف وفلسفة الأشياء بل قل أصبح يستغل - والعياذ بالله- وأن البعض يقحمه في كثير من الأمور فأصبح يستغل كستارة لغطاء الكثير أو شماعة لدى البعض يعلق عليها أخطائه وبكل جرأة و تبجح!

ولذلك فعلينا هنا وخاصة في هذا الزمان أن ندرك أن كل شيء له وجهان ويمكن لأي منا أن يفلسفه وفقا للفلسفة وأن يمنطقه وفقا للمنطق، بل وأن يسفسطه من السفسطة أي بهتانا وإثما وزورا كما يشاء بل وأصبح هذا ما أبسطه وما أسهله خاصة إذا قرأ وتثقف قليلا وإذا استخدم عقله ، ولكن الأهم وما نذكّر به الآن فإن كفة اليد أيضاً لها نفس الوجهان ويمكن لأي منا أن يكون في أي منهما اليوم أو غدا، بمعنى إذا كان في هذا الوجه اليوم فيمكن أن يكون في الوجه الآخر غدا أو بعد لحظات، ولذا فعلى كل واحد منا قبل أن يحكم على أي شيء وقبل أن يطلق أي حكم على كفة ما للوجه الذي يبتغيه ويرضيه أن يضع نفسه في الوجه الثاني للكفة ومكان الطرف الآخر وليرى هل لو كان مكان الطرف الآخر هل سيرضيه هذا الحكم وهل سيظلمه أم لا؟ وعندها يقيّم ويمنطّق ويصدر الحكم .. بل والأهم من كل ذلك علينا أن نعلم أن «دوام الحال من المحال» وأن الدنيا دوارة وتدور كما عقارب الساعة وأنه حتى ولو لم يضع الواحد منا نفسه بإرادته اليوم في الوجهة الثانية للكفة فإنها ستضعه غصب عنه في تلك الوجهة غدا وعندها لن ينفعه شيئا.