المغرب والجزائر لا الشّيخ ولا الشّيطان

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٩/سبتمبر/٢٠٢١ ٠٨:٤٢ ص
المغرب والجزائر لا الشّيخ ولا الشّيطان

بقلم : أحمد إبراهيم

كما الشيخ يبدو أقنَعها ببعض الحجاب، كذلك الشيطان ببعض الكشف، إذ دخلت علىّ وكنت على وشك الخروج من مكتبي في وقتٍ متأخر من الليل.!

لم يُطرق الباب ولكنه فُتِح بلطفٍ وهدوء، كانت فتاة ثلاثينية محتَشَمة بالزي الإسلامي الفضفاض من الرأس إلى أخمص القدمين.سلّمَتْ بكل أدبٍ وإحترام، وجلست قبل إستئذان قائلةً «اريد التحدث إليك قليلا..!»

هذا القليل من جانبها في حدود البحث عن وظيفة، قادنا الى الكثير من الجانب (المغربي والجزائري) عندما سألتها من يقود اليوم مسرح المقاطعة بين الجارتين الشقيقتين:/‏ «الشيخ أو الشيطان.؟»

أجابت أنّ «الشيطان لاطريق له الى الشعبين» أعجبني تشبيهها البلدين بكِلْيتين، وأن الكثير يعيشُ بكِلْية واحدة ليرى جنبه من يستحق العيشة بكليته الثانية، هكذا وضعُ البلدين الجغرافي، وطبعُ الشعبين العِرقي، كلٌّ جانب منهما يستيطع العيشة بكلية الجانب الآخر، وأن مايجمع بينهما أكثر مما يفرّق، وأن الشيطان لاخارطة له الى تلك الخريطة الجغرافية الوُدّية للبلدين، وان الشيطان هو من يريد سلب كل منهما كليتيهما ليرقص بهما فوق النعوش والتوابيت رقصةَ الإنتصار.!

أيقظتني هذه الفتاة المُباغِتة بكلامها، ولازلتُ أشكرها على إقتحامها لمكتبي، وإكتشافي بأنها كانت تتنفّس بأنفاس40 مليون مغربي وبأنفاس 50 مليون جزائري، يعني لمست أرواح وأنفاس 90 مليون عربي في صوتها .. يُخطئ من يتصور من الأفلام الدعائية الدسيسة ان هناك إنقساما في وحدة الصف للجارتين.!

إنّه لحلمٌ عربيٌ من الخليج الى المحيط، أن لايرى المزيد من الجرح والتعديل، والمرهم والتضميد على الحدود بين جاريتين فما بالك بين جارتين .. كفانا (الحاج كورونا) قد أغلق علينا الكثير من تلك الحدود، دون تمييزٍ بين شعوب وقبائل في واديٍ لهم أنساب وأقران على الجانب الآخر من الوادي.!

لقد زرتُ المملكة المغربية الشقيقة مرارا، وكلما زرتها زاد حبي لها ولشعبها الكريم المضياف من خلال عرش جلالة الملك حفظه الله .. كما وتجوّلت في ربوع الجزائر من الحدود الى الحدود، اقود السيارة بنفسي أقطع بها آلآف الأميال بمفردي، وإكتشفت ان كل منهما بِسِمَةٍ مشتركة من جمال المناخ والطبيعة، إلى جانب حبّ الضيف وإكرامه بفطرة إنسان المغرب العربي المضياف والمُميّز بإمتداد عواصمها من القاهرة الى نواكشوط.

ضيفتي المقتَحِمة لم تكن بمفردها إذ دويُّ صدى الأنباء إقتحمت فضاءات مكتبي عندما كبست على أزرار آخر الآخبار، وهى جنبي كلُّها أذنٌ صاغية، بأن أكثر من مئتي شخصية مغربية وجزائرية بعريضة مشتركَة تتنّفس أنفاس الشعبين والبلدين معاً، تنادي العقل لاالجهل، الوفاق لاالشقاق، وتدعو للتقارب لاللتباعد..!

وصوت العريضة الموقّعة (والكلام لآخر وكالات الأنباء العالمية) أنها بالصوت والصدى للمثقفين والجامعيين والمدنيين من الطرفين، يطالبون بنعم للتّوطيد ولا للتصعيد، بل نعم لتصعيد بناء الغد المشترك الواعد بخيراتٍ من الطرفين، تُزرَع على الطرفين، تُثمَر للطرفين وتُجنى من الطرفين.!

وأعتَبَر الموقّعون (والكلام لازال بسخونة آخر الأنباء نفس أولَها) أن الجزائريين والمغاربة الحقيقين ليسوا هم الوقواقيون في الفضائيات والسوشيل ميديا دون أن يكشفوا نواياهم ولا عن هوياتهم.!

وإنما الحقيقيون هم اولئك الذين يستنطقون الحكمة فينطق العقل الذي يرفض سباق التسلح على الحدود للبلدين، بل ويرجّحُ سباق التصنيع على الجانبين بالمنافسة الشريفة، حيث ما صُنع بالمغرب تفتخربه الجزائر، وما تنتجه الجزائر حتى الثروات المعدنية من النفط والغاز تفتخر بنقلها المغرب عبر أراضيها الممتدّة الى بوابات أوروبا والعالَم

وهنا الشيخُ بكفّةَ الرُّجحان على الشيطان..!