قصة في الاحتباس الحراري غدا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٥٥ ص
قصة في الاحتباس الحراري غدا

باتريك ايجان
ميجان مولين

كان يوم احتفالات رأس السنة الأكثر حرارة في مدينة نيويورك بعد أن وصلت الى 66 درجة، ورغما عن أن درجات حرارة قياسية تسجل بوتيرة مرعبة في الولايات المتحدة، إلا أن الأميركيين على ما يبدوا اعتادوا الأمر وأصبح لا يشكل ذلك القلق الكبير. وكشف استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في يناير الفائت في أعقاب شهر ديسمبر الذي شهد ارتفاعا قياسيا في درجة الحرارة أن تغير المناخ يأتي في مرتبة قريبة من الأخيرة بالنسبة لإهتمامات الرأي العام، فلماذا؟
في الدراسة التي نشرناها مؤخرا قدمنا أحد التفسيرات الممكنة أن الغالبية العظمى من الأمريكيين يعتقدون أن الطقس أصبح أكثر اعتدالا. وعلى مدى العقود الأربعة الفائتة ، ارتفعت درجات الحرارة في الشتاء إلى حد كبير في جميع أنحاء الولايات المتحدة، غير أن الصيف لم يتطور الى حد غير مريح بصورة كبيرة.
وبطبيعة الحال تتباين تفضيلات الناس حول الطقس على نطاق واسع، فالبعض يتمنى تساقط الثلوج كل شتاء، والبعض الآخر يفضل ارتداء النعال المفتوح طوال العام، ومن ثم فقد سعينا الى وضع مقياس لتفضيلات الطقس لدى المواطن الأمريكي العادي، وللقيام بذلك استفدنا من أبحاث أجراها خبراء اقتصاد درسوا نمو السكان المحليين في الولايات المتحدة، ووجدوا أن الأميركيين ينتقلون إلى الأماكن الدافئة شتاء والباردة مع رطوبة أقل صيفا. وافترضنا أن هذه هي تفضيلات الغالبية العظمى من الأمريكيين (وهو إن لم يكن افتراضا صحيحا بالكلية إلا أنه من المعقول الأخذ به بصورة عامة).
ثم أجرينا تقييما للتغييرات التي شهدتها الاحوال الجوية التي عاشها الأميركيون على مدى العقود الأربعة الفائتة (أي تقريبا منذ ظهور التغير المناخي كقضية عامة) وأورد علماء المناخ تقاريرا دورية عن متوسط التغيرات المناخية فوق سطح الأرض – وسجلت التقارير كافة التفاصيل من تلك التغييرات الضئيلة في مونتانا الى التأثيرات الكبيرة مثل انتقال السكان في كاليفورنيا، ولكن لأن اهتمامنا كان يمتد الى مدى تعرض الأمريكي العادي للظروف الجوية فقد اتخذنا مسارا مختلفا بحساب التغيرات مع مرور الوقت على أساس المقاطعة تلو الأخرى حسب عدد السكان.
وكانت النتائج التي توصلنا إليها لافتة للنظر: 80 في المئة من الأميركيين يعتقدون أنهم يعيشون الآن في مقاطعات تتمتع بأجواء أكثر متعة مما كانت عليه قبل أربعة عقود. وعلى الرغم من أن ارتفاع درجات الحرارة خلال هذه الفترة كان كبيرا، إلا أنه لم يتم توزيعها بصورة متساوية عبر الفصول. وتقريبا فقد عايش جميع الأميركيين ارتفاعا في أقصى درجات الحرارة اليومية في شهر يناير - بزيادة قدرها 1.04 درجة فهرنهايت لكل عشر سنوات في المتوسط - بينما تفاوتت التغيرات في درجات الحرارة اليومية القصوى في يوليو أكثر بكثير عبر المقاطعات، حيث ارتفعت بمتوسط 0.13 فهرنهايت كل عشر سنوات في المتوسط، وعلاوة على ذلك فقد انخفضت نسبة الرطوبة في الصيف خلال هذه الفترة. ونتيجة لذلك كانت تجارب معظم الناس مع الطقس اليومي منذ ذلك الوقت الذي سمعت فيه للمرة الأولى عن التغير المناخي إيجابية بصورة عامة. ووفقا لحساباتنا ففصل الشتاء المعتدل الآن في مدينة نيويورك يجعل طقسها لطيفا الى حد مشابه لفرجينيا بيتش في السبعينيات.
ولأولئك الذين يعتقدون أن تغير المناخ هو التحدي الأكثر عمقا في عصرنا، ربما تكون النتائج التي توصلنا اليها كاشفة ومثبطة للهمم على حد سواء. وفي عمل سابق لنا عرضنا أن جزءا من تجاوب الأميركيين مع التغير المناخي يأتي من خلال التجربة الشخصية للطقس، وتشير النتائج الجديدة التي توصلنا إليها أن التغيرات المناخية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري لا يمكن الاعتماد عليها لتحفيز الجمهور للمطالبة بسياسات تعالج هذه المشكلة. وإذا ما شهد المناخ تغييرات الى الأسوأ في وقت لاحق من هذا القرن، ربما يكون الوقت قد فات.
والتغيرات ستكون للأسوأ، ففي جميع السيناريوهات المحتملة من المتوقع انعكاس مسار الاتجاهات الموسمية في نهاية المطاف، فالاحتباس الحراري المتوقع مستقبلا في الولايات المتحدة سيكون أكثر شدة في الصيف عنه في الشتاء، وإذا ما استمرت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنفس المعدلات الحالية، نقدر أن 88 في المئة من الأميركيين سوف يتعرضون لطقس غير سار في نهاية هذا القرن مقارنة لما هو عليه اليوم.
ولزيادة وعي واهتمام الرأي العام بفعالية بشأن تغير المناخ، فقد اقترحنا في دراستنا أننا بحاجة إلى التوقف عن الحديث كثيرا عن ارتفاع درجات الحرارة. وربما تكون الاستراتيجية الأفضل هي التركيز على ظواهر الطقس المتطرفة - التي يسهل فهمها من قبل الجمهور ويكون لها تأثير محتمل أكبر بكثير على صحة الإنسان والاقتصاد. وعندما نناقش قضية درجات الحرارة، علينا أن نعترف بالآثار الجانبية اللطيفة المؤقتة لظاهرة الاحتباس الحراري، ولكن بعد ذلك يجب أن نحذر أن هذه الأجواء الجميلة سوف تختفي يوما ما، تماما كما يحدث للثلج في يوم حار.

باتريك ايجان: أستاذ مشارك في السياسة والسياسة العامة في جامعة نيويورك،
ميجان مولن هو أستاذ السياسة البيئية في كلية نيكولاس للبيئة في ديوك