رسالة خليجية إلى النبي في "زمن التداعي"

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٥٥ ص
رسالة خليجية إلى النبي في "زمن التداعي"

فريد أحمد حسن

"ورقات ، هي نبض القلب ، وقد فاضت كلمات جاش بها فؤادي ، واعتلجت في صدري" . بهذه العبارة لخص الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة سفير مملكة البحرين لدى دولة الكويت الدافع وراء "الاعتذار" الذي أرسله إلى نبي الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم للتعبير عن "تقصيرنا ودنو همتنا عن الذب عنه عليه أفضل الصلاة والتسليم إزاء ما يبثه أعداؤه ومبغضوه في وسائل الإعلام ليشوهوا شخصيته الكريمة الفاضلة وما جاء به من الحق من عند ربه جل وعلا" .
الورقات التي صدرت أخيرا في كتيب صغير باللغتين العربية والانكليزية تحت عنوان "عذرا رسول الله" كان قد خاطب آل خليفة من خلالها الرسول الكريم مباشرة فور أن نشرت الرسوم الكاريكاتورية في الصحف الأجنبية عبر مقال عنوانه "عذرا رسول الله .. إنا في زمن التداعي" ، مستفيدا من الحديث الشريف "تتداعى عليكم الأمم" ومؤكدا أن الأزمة التي تمر بها الأمة الإسلامية ما هي إلا ضريبة لبعد الأمة عن كتاب الله وسنة رسوله الكريم وعدم الالتزام بهما منهجا وسلوكا .
بحرقة يكتب "لأننا ابتعدنا عن تعاليمك بالتمسك بكتاب الله وسنتك فهانت علينا أنفسنا ، وانشغلنا بدنيانا ، فهنّا على الآخرين ، وأصبحنا لا نملك من هويتنا إلا أسماءنا .. فكانت النتيجة هزائم ومآسي وأحزان" ،وبفخر يستعرض أقوالا لشخصيات غربية لها شأنها وباعها ليرد بها على المعتدين على رسول الله عليه الصلاة والسلام ، من أولئك على سبيل المثال المؤرخ الأوروبي الشهير برنارد شو الذي قال " إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد ، هذا النبي الذي وضع دينه دائما موضع المدنيات ، خالدا خلود الأبد ، بل يجب أن يسمى منقذ البشرية ، وفي رأيي أنه لو تولى أمر العالم اليوم ، لحل مشكلاتنا ، بما يؤمن السلام والسعادة ، التي يرنو البشر إليها" ، ومنهم تولستوي الشيوعي الروسي الذي قال "يكفي محمدا فخرا أنه خلص أمة ذليلة من مخالب شياطين العادات الذميمة وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم ، وأن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة" وغيرهما من أمثال ويل ديورانت صاحب كتاب "تاريخ الحضارة" الذي قال عن نبينا الكريم بأنه أعظم عظماء التاريخ ، ومايكل هارت صاحب كتاب "الخالدون مئة" الذي اختار نبينا الكريم ليأتي في المرتبة الأولى في قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيرا في البشرية .
في معرض محاججته لغير المسلمين ومن وصفهم بالمغفلين من بني جلدتنا ممن غرهم بريق الغرب الزائف أو زيفه البراق قال كاتب الورقات مخاطبا الرسول ومبينا دوره عليه الصلاة والسلام "لم يدرك كثير من الناس ، في الشرق والغرب ، ماهية علم محمد ، حيث وصفك ربك جل وعلا بقوله "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" وهو ما يعني أن محمدا يأمر الناس جميعا بكل خير وينهاهم عن كل شر ، فما من خير إلا أمر به ، وما من شر إلا نهى عنه ، وهذا لا يتيسر لبشر" . ويضيف أن الآية تعني أن محمدا يحل للناس إلى يوم القيامة كل ما هو طيب ، سواء كان نية أو تفكيرا أو هما أو إرادة أو قولا أو عملا ، يحل لهم كل شيء في التوجه إلى الله وكل ما يعينهم على التوجه الخالص إليه سبحانه ، ويحرم عليهم الخبائث وكل شيء خبيث ، سواء كان نية أو تفكيرا أو إرادة أو هما أو عملا أو قولا ، أي أنه يحرم عليهم أن ينووا شرا أو يفكروا شرا أو يريدوا شرا أو يهموا شرا أو يعملوا شرا أو يقولوا شرا . منبها إلى أنه من المستحيل أن يستطيع عقل بشر الإحاطة التامة بكل الطيبات التي تحل للناس وبكل الخبائث التي تلوث حياة الناس ، وأن هذه الآية تكفي برهانا على أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أوحى بكل هذا إلى رسوله عليه الصلاة والسلام .
في مخاطبته لخاتم الأنبياء والمرسلين يعدد الشيخ خليفة بن حمد جانبا من مزاياه وأخلاقه العظيمة ، ويعدد أسباب التطاول عليه والتي أساسها تفرقنا وعدم تمسكنا بكتاب الله وسنة نبيه ، وينبه إلى أن مراد المسيئين القضاء على حضارتنا الإسلامية . ومع هذا يرى أن هذه الضارة قد تكون نافعة فيخاطب الرسول قائلا "لقد تعمدوا الإساءة والتشويه ولكن لعل الله يهيء هذه الأمة إلى أن تنهض من سباتها ويعيد إليها عزتها وكرامتها" ، ويخاطبه مبينا أنهم بإساءتهم "زادوك في قلوب الأمة شموخا من حيث لم يحتسبوا ، وبتطاولهم المشين وحدوا أمتك على ما جمع قلوبهم على محبتك ، وبسوء صنيعهم أحيوا سنة المحبين في اتباعك ونصرتك" ، ويختم رسالته إلى رسول الله بالتأكيد على أن الأمة ستفديه بالغالي والرخيص وأنها ستبذل النفس والنفيس فداء له ودفاعا عنه ، ومعللا الاعتذار لمقام الرسول الكريم بأننا "نعيش في زمن التداعي" .
هكذا لخص الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة أحوال الأمة العربية والإسلامية في هذا الزمن الذي صارت فيه الأمم تتداعى علينا رغم كثرتنا ، ولولا قلة تلك الورقات وحجمهاوحرص كاتبها على عدم تشويش قارئهالأعطى أمثلة عن الذي يجري اليوم في سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن، فكلها أمثلة تبين كيف أننا "هانت علينا أنفسنا وانشغلنا بدنيانا فهنّا على الآخرين" فالرسالة سياسية بامتياز .

• كاتب بحريني