إنذار الخروج البريطاني

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٥٥ ص
إنذار الخروج البريطاني

باري آيكنجرين

لا أزعم أنني أتمتع بأي خبرة خاصة في الإجابة على التساؤل حول ما إذا كان لزاما على بريطانيا أن تترك الاتحاد الأوروبي. صحيح أنني كنت أعيش في المملكة المتحدة حتى قبل أقل قليلا من عام واحد. وهنا في كاليفورنيا، تدور مناقشة خاصة بنا أشبه بمسألة الخروج البريطاني، في ظل اتجاه إلى وضع اقتراح بالانفصال عن الولايات المتحدة في صناديق الاقتراع في نوفمبر. ولكن في حين قد تبدو فكرة استقلال كاليفورنيا هزلية، فإن الاستفتاء على خروج بريطانيا في الثالث والعشرين من يونيو ليس مادة للضحك.
الأمر الأكثر وضوحا هو أن خروج بريطانيا من شأنه أن يضر بقدرة بريطانيا التنافسية في مجال التصدير. من المؤكد أن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لن تُقطَع على الفور، وأن حكومة المملكة المتحدة سوف تحظى بمهلة تمتد بضع سنوات للتفاوض على اتفاقية تجارية مع السوق الأوروبية الموحدة، التي تستوعب ما يقرب من نصف الصادرات البريطانية. وربما تبرم السلطات اتفاقية ثنائية مع سويسرا تضمن القدرة على الوصول إلى السوق الموحدة لتسويق صناعات وقطاعات محددة. أو ربما تحذو حذو النرويج فتصل إلى السوق الموحدة من خلال عضويتها في الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة.
لكن بريطانيا تحتاج إلى سوق الاتحاد الأوروبي أكثر من احتياج الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، وبالتالي فإن التفاوض لن يكون متكافئا. وسوف يدير مسؤولو الاتحاد الأوروبي في الأرجح مساومة صعبة حقا، من أجل ردع الدول الأخرى عن التفكير في الخروج. وسوف يكون لزاما على المملكة المتحدة أن تقبل معايير الاتحاد الأوروبي وقواعده التنظيمية الخاصة بالمنتجات بشكل شامل دون أن يكون لها رأي في التصميم ــ وسوف تصبح في موقف أضعف كثيرا عندما تتفاوض على اتفاقات الوصول إلى الأسواق مع شركاء من خارج الاتحاد الأوروبي مثل الصين.
ومن شأن الخروج البريطاني فضلا عن ذلك أن يقوض وضع لندن بوصفها المركز المالي في أوروبا. فمن غير العادي على الإطلاق أن يكون المركز الرئيسي للمعاملات المالية المقومة باليورو خارج منطقة اليورو. وهو ما يشهد على قوة قواعد الاتحاد الأوروبي التنظيمية التي تحظر التمييز داخل السوق الموحدة. ولكن في عالَم ما بعد الخروج البريطاني، ليس هناك ما يمنع فرانكفورت وباريس من فرض تدابير تحابي البنوك وأسواق البورصة لديهما على حساب تلك في لندن.
وتُعَد المدينة مثالا أيضا لقطاع يعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية. إذ أن ما يقرب من 15% من العاملين في مجال الخدمات المصرفية والتمويل والتأمين ولِدوا في الخارج. وسوف يصبح اجتذاب هذه المواهب الأجنبية واستبقاؤها أكثر صعوبة بعد خروج بريطانيا، عندما لا يصبح بوسع العمال من الاتحاد الأوروبي أن يصطحبوا معهم حقوقهم التقاعدية، فضلا عن خسارتهم لفوائد أخرى توفرها سوق العمل الموحدة.
وقد يخلف الخروج البريطاني على بريطانيا تأثيرات أكثر بساطة ولكنها ملحوظة للغاية. فكل من أمضى وقتا في المملكة المتحدة يعلم أن المكسب الأكبر على الإطلاق في ما يتصل بنوعية الحياة هناك على مدى الجيل الفائت كان جودة الطعام. والحق أن قشعريرة تسري في جسد المرء عندما يتخيل المشهد المطبخي في المملكة المتحدة بعد أن يهجرها الطهاة الفرنسيون والإيطاليون.
والأمر الأكثر إزعاجا هو أن بريطانيا التي لا تزيد عن كونها دولة متوسطة القوة ستكون أقل قدرة على فرض نفوذها العسكري والدبلوماسي على الصعيد العالمي مقارنة بحالها الآن وهي تعمل بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي. ورغم أن المملكة المتحدة ستظل عضوا في حلف شمال الأطلسي، فيتبقى لنا أن نرى إلى أي مدى قد يظل الحلف قادرا على أداء وظيفته بفعالية في عصر ما بعد الهيمنة الأميركية.
وفي حين أن الاتحاد الأوروبي لم يضع بعد سياسة خارجية وأمنية متماسكة، فإن أزمة اللاجئين الجارية تؤكد بوضوح ضرورة تحركه في ذلك الاتجاه. والواقع أن هذا هو الجانب الذي يحتوي على أكبر مفارقة بين جوانب المناقشة الدائرة حول الخروج البريطاني. فقد بدأ الرأي العام البريطاني يميل لأول مرة لصالح الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي بعد غزو السويس الفاشل عام 1956، وهو الدرس الذي تعلمت منه بريطانيا أنها بعد حرمانها من الإمبراطورية لم تعد قادرة على تنفيذ سياسة خارجية فعّالة بمفردها.
يقودنا كل هذا إلى التساؤل: كيف يفكر أنصار خروج بريطانيا؟ الإجابة ببساطة هي أنهم لا يفكرون. الواقع أن الحملة المؤيدة لخروج بريطانيا تلعب على نفس المشاعر التي يستغلها دونالد ترامب في الولايات المتحدة. إذ أن أغلب أنصار خروج بريطانيا ينتمون إلى فئة من الناخبين الغاضبين الساخطين الذين يشعرون أنهم نُبِذوا بالعراء. فربما استفادت المملكة المتحدة ككل، بحكم عضويتها في الاتحاد الأوروبي، من التعرض للتجارة والتمويل الدوليين، ولكن هذه العضوية لم تصب في مصلحة كل فرد.
ولهذا السبب، يستشيط المحرومون غضبا ــ ضد التجارة والهجرة، وإزاء فشل الساسة التقليديين في معالجة نكباتهم. وفي جوهر الأمر، يمثل الصوت لصالح خروج بريطانيا صوتا ضد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزير الخزانة جورج أوزبورن والتيار السياسي السائد عموما.
من الواضح أن المشكلة الحقيقية ليست الاتحاد الأوروبي؛ بل فشل الطبقة السياسية البريطانية في تقديم أي قدر من المساعدة الحقيقية لضحايا العولمة. في الشهر الماضي، استقال وزير العمل والمعاشات ايان دنكان سميث احتجاجا على التخفيضات التي اقترحتها الحكومة لفوائد الضمان الاجتماعي. وفي الأول من إبريل ، رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور. ولعل أصوات الغاضبين والساخطين بلغت أخيرا أسماع الحكومة. إذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يعني أن المناقشة حول خروج بريطانيا لم تكن عبثا في نهاية المطاف.

باري أيكنجرين أستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي