المرأة المطلقة وحضانتها تحت المجهر

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٦/سبتمبر/٢٠٢١ ١٨:٥٦ م
المرأة المطلقة وحضانتها تحت المجهر

بقلم : المحامية ريم بنت نور الزدجالية

كثير ما نسمع بالآباء الذين يهددون طليقتهم بأخذ الأبناء في حال زواجها وكثيراً ما نسمع بزواج المطلقة بالسر واللجوء إلى بلدان أخرى ليتم عقد القرآن فيه، تجنباً لعدم معرفة طليقها بزواجها لكي لا يتم إسقاط الحضانة عنها.

بداية أوضح بأن الغاية من الحضانة هي رعاية مصلحة المحضون و القيام بكامل أمور الحضانة من رعاية واهتمام وتربية. ويعد هذا الموضوع من المواضيع التي دائماً تهدد قرار المرأة المطلقة خاصة وان كانت في مقتبل عمرها ويسبب خوف لها من اتخاذ قرار الزواج مرة اخرى حتى ان كان الزواج مستحب في ديننا وحلله الله عليها الا أنها دائما تضطر إلى مواجهة القانون الذي ترى بأنه لا يراعيها في هذا الآمر بما أنها أم، وتبقى هي في حيرة بين خيار بقاء الأبناء معها أو الزواج وأنه لا يحق لها بالاثنين معاً، بالرغم من قيام مصلحة الابناء حتى وإن تزوجت!!

حيث كما نعلم بأنه وفق قانون الأحوال الشخصية العماني بأن من أسباب سقوط حضانة المرأة هو زواجها برجل أخر, و من شروط حضانة الأب هو وجود حاضنة معه أي امرأة أخرى، سواءً والدته أو زوجة أخرى، وبالتالي ترجح الكفة له في الحضانة.

وذكرت المادة 127 في قانون الأحوال الشخصية العماني الصادر عام 1997 أي أكثر من ثلاثون سنة بالاتي :

يشترط في الحاضن زيادة على الشروط المذكورة في المادة السابقة:

- اذا كانت امرأة:

أن تكون خالية من زوج أجنبي عن المحضون دخل بها , الا اذا قدرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون.

 

وبالتالي هنا تكون المرأة في الدعوى من التي يقيدها طليقها في مواجهتها الذي ينتهز الفرصة لإسقاط حضانتها عن الاولاد ليس لأنه يعتقد بأن زواجها سيؤثر على أبنائه بل في الكثير من الأحيان يكون السبب هو الانتقام أو رفع نفقة الأبناء عنه.

 

كما أنه ذكر في المادة 127 نفسها :

 

- اذا كان رجلاً: أن يكون عنده من يصلح للحضانة من النساء.

 

وكما نعلم أنه الأمر السائد في أن الام هي من تراعي الابناء أكثر من الرجل، كونها أم والتي يكفي قوله-صلى عليه وسلم- عنها، فقال: (أمك قال : قلت: ثم من ؟ أمك قال : قلت: ثم من ؟ قال: أمك قال: قلت : ثم من ؟ قال ثم أباك, ثم الأقرب , فالأقارب), وقال تعالى (وبرا بوالدتي) –سورة مريم الآية 32 ,أي الأمر ببر الأم بعد طاعة الله عز وجل.

 

فلو تم النظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، ففي حال زواج الأب، أستراعي زوجة الأب أبنائه أكثر من أمهم؟ ماذا اذا تزوج من امرأة سيئة؟ وما هي الضمانات التي ممكن الاستدلال بها على حسن تربية الزوجة لابناء زوجها، وماذا سيحدث؟ هنا سننتظر حتى يتضرر الأبناء ورفع دعوى اسقاط حضانة عن الأب مرة أخرى و محاولة اثبات الضرر الواقع ورمي كل الضغوطات على الأبناء!! فمن الطبيعي أن يأتي الأب ويأثر على الابن ويجبره على رفض أمه، وهنا يبدأ التلاعب النفسي على الطفل مما يكون له أثر السيء في نشوءه في البيئة المناسبة مما ينعكس ذلك على تصرفاته في المجتمع.

السؤال هنا لماذا أعطى القانون الحق للرجل في الزواج مرة أخرى واكمال نص دينه ويكون محتفظاً بحضانة الأبناء في كل الأحوال وأسقط هذا الحق عن المرأة؟! بالرغم من أن الجميع سواسية أمام القانون، وأن مصلحة المحضون مقدمة على سائر المصالح المختلفة في هذا الشأن بهدف نشوءه في بيئة اجتماعية مناسبة بعيدة يحدث اثرها الايجابي في المجتمع ونهضته.

ومن المعلوم والذي لا يخفى على الجميع أنه تضطر (أم الأم- الجدة) بعض الأحيان برفع دعوى لضم حضانة الأبناء لها في حال رفع طليق ابنتها بإسقاط الحضانة عن ابنتها ونعلم جيداً أنها وبجميع نواحيها شكليات لحفظ حضانة الأبناء مع الأم.

ومن جانب أخر فإن من حكمة الزواج في ديننا الحنيف هو تنظيم العلاقات بين الرجل والمرأة واستقامة الحال كأمر تقتضيه الفطرة قبل أن تحث عليه الشريعة, فقال تعالى ) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)- الروم 21 , كما قال تعالى (ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية)- الرعد 38 , و (وخلقناكم أزواجاً ) -سورة النبأ , وغيرها من الآيات التي تحث على الزواج ليسكن كل منهما الأخر فهذه طبيعة البشرية، فالزواج ينظم حياة الفرد و يحفظ الحياء و يستقيم به الحال وبالتالي يكون الزواج المشروع تتحقق فيه الحصانة والعفة.  

فالزواج له أهمية كبيرة في مجتمعنا و شريعتنا حيث انه امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر عليها الرسول –صلى الله عليه وسلم- بقوله (من تزوج فقد استكمل نصف الايمان , فليتق الله في النصف الباقي).

فعزوف الزواج من الفتاة الشابة المطلقة وذهاب ريعان شبابها خوفاً من اسقاط الحضانة معتبرين أن زواجهن أسقط هذا الحق وأن الزوج الأجنبي لا يؤتمن عليه على الأبناء! فهذا يعتريه نوع من الإجحاف في حق من حقوقها، ولذلك وجب الحديث عن هذا الموضوع خاصة مع تزايد نسب الطلاق في الفترات الأخيرة وتزايد ما يقال عنه الزواج العرفي والمسيار والعلاقات الغير شرعية وسببها الابتعاد من العقد الشرعي للزواج العلني.

وبالتالي تكون المرأة كأنها المتهمة في دعوى "إسقاط الحضانة" وأنها أجرمت في حق أبنائها ويكون أول سؤال يوجه لها من القاضي هل فعلاً تزوجتي ؟ ومتى؟ وهنا تقف وكأنها فعلت جريمة وتحاول بكل ما بوسعها لإثبات مصلحة أبنائها لأنها هي الفارق والقاطع عما اذا يبقى الأبناء في حضانتها رغم زواجها أو مع أبيهم لأن لديها حاضنة لهم أو تثير الشجار مع زوجها والتطليق منه للحفاظ على أبنائها. وعلى الرغم من أن مصلحة المحضون هي الفارق في أي دعوى حضانة في حال الطلاق سواء تزوجت المرأة مرة أخرى أم لم تتزوج الى أن المادة تركز على زواج المرأة وتجعلها من الأسباب الأساسية والجوهرية والتركيز فيه ليصبح سبب ومحل النزاع لإسقاط الحضانة.

ولكن ينسى الكثير بأن مصلحة المحضون هي الأهم من ذلك وأنه يمكن للقاضي أن يحكم خلاف ذلك لمصلحة المحضون.  

وشهدت محاكمنا العديد من الدعاوى في النزاعات المتعلقة حول حضانة الأبناء بعد زواج الأم، وحين يتعلق الموضوع بقانون الأحوال الشخصية والقوانين المتعلقة بالمرأة وحقوقها، فإنه من رأينا أن تلك القوانين والحقوق التي تهضم حق المرأة في عدة صور، تحتاج الى تعديل يواكب تطور اللوائح الدولية المتعلقة بحقوق المرآة ولكي لا يتم سلب حق من حقوقها كإنسانة "فالحضانة يراعى بها مصلحة المحضون في المقام الأول والأخير".