بقلم : محمد بن علي البلوشي
يضع خريج الدبلوم العام الجهات المعنية أمام اختبار وامتحان يتمثل في سؤال يتيم تتطلب الإجابة عليه شفافية.. «هذه بضاعتكم فماذا فعلتم بها»..هذه البضاعة هو خريج الدبلوم العام أو ما كان يسمى سابقاً خريج الثانوية العامة حرص على المداومة في المدارس الحكومية 12 عاماً قضاها في زوايا المدرسة يتلقى التربية والتعليم عبر مسارين نظري من العلوم الدينية والوطنية إلى العلوم العملية التي تشكل اللبنة الأولى لمهاراته ومعارفه..أما التشكيل العقلي الحر والمستقل كما تفعل بعض المناهج في الدول المتقدمة فيمكن أن تجيب عليه وزارة التربية لتقول لنا ماذا تصنع بأبنائنا.
أوحى تغيير المسمى من الثانوية العامة إلى الدبلوم العام بتغيير الصورة النمطية عن خريج الثانوية العامة الذي كان الكل يعرف مستوى حامل هذه الشهادة ..في الماضي كانت شهادة ثقيلة وقوية..ومع مرور الوقت بدأت قيمة حاملها تتضاءل مع ضخ مؤسسات التعليم العالي مخرجات جامعية..في النظام المدرسي تغيرت بعض الطرق التدريسية وأضيفت مقررات دراسية كان من المؤمل أنها تضيف شهادة الدبلوم العام لحاملها قيمة حقيقية جديدة تمكنه جزئياً من المنافسة في سوق العمل..وكأنه دبلوم عالٍ أو قريب من السنة الجامعية الأولى. لكن الوقائع تثبت غير ذلك. فهم يفتقرون إلى المهارات الحقيقية اللازمة لدخول جزء كبير منهم للسوق.. أما الجزء الآخر يتجه -مرغماً- إلى التعليم الفني والتقني المتوسط والآخر للجامعي..كل ذلك يظل مشكلة مزمنة مع حاملي الدبلوم العام إلى أن تتدخل الحكومة فيتم استيعابهم في المؤسسات العسكرية أو خضوعهم للتدريب مرة أخرى للعمل في مؤسسات القطاع الخاص.
في الواقع أن مخرجات تعليمنا حتى الآن قد لا تلبي ليس طموحات المختصين والخبراء في النظام التربوي فحسب بل عند العامة فحينما يتحدث الناس عن الطالب الياباني أو الكوري أو السنغافوري فهم يرون فيهم نماذج آسيوية متقدمة في التعليم بحيث أن خريج الدبلوم العام هو أشبه بعبقري. في كل مرة أسأل هذه الأسئلة وأطلب هذه التمنيات أن يمتلك خريجينا قدرة تنافسية مع ذوي العيون الضيقة الذين هم الأقرب قارياً لنا..لكن الفوارق بيننا وبينهم كبيرة جداً بسنوات ضوئية ..لدينا جرعات التعليم في أكثرها نظرية ومثالية لكنها ليست سوقاً رائجة في التعليم في تلك البلدان .. لدينا قدر كبير جداً من المواد كالتربية الإسلامية واللغة العربية والتربية الوطنية أو الإجتماعية التي تأخذ حيزاً أكبر في مقابل قلة الجرعات التي يحتاجها عقل السوق...لدينا خريج الدبلوم العام وكأنه أنهى لربما الإعدادية فقط في مجال قدراته المهنية والعقلية فيقف عاجزاً عن اكتساب المهارات لمواجهة الحياة فلا يجيد العمل أو أساسيات البدء في عبور الطريق في حياته.
قد نعتقد أن أبناء تلك قد يولدون من بطون أمهاتهم والعلم ملتصق بعقولهم ..ليس صحيحاً ما نفكر به .. البيئة والجغرافيا والمناخ والثقافة والتفكير الاجتماعي يشكل دوراً في ذلك مع عدم وجود مقارنة شاملة بيننا وبينهم في نوع العمل وتحدياته وصولاً إلى طريقة ممارسة الحياة وضوابطها.
وإذا كان الحديث تطرق عن الآسيويين وقدرات المتقدمة في التعليم ومخرجاته أورد لكم ما قاله أحد فلاسفة وحكماء العالم ..المفكر العظيم كونفوشيوس فقد تحدث في فلسفته عن التربية والتعليم وهنا أقتبس بعض أقواله المأثورة التي تستحق التأمل فيقول «الناس كلهم متشابهون من حيث الطبيعة لكنهم يتمايزون من خلال التربية» و»التعليم بدون تفكير هدر ضائع» و»التفكير بدون تعلم هراء فارغ».
المسألة مترابطة فالكادر التدريسي أيضاً وكفاءته له علاقة بهذه المخرجات وجودة المناهج تلعب دوراً أكبر وطريقة إيصالها مهمة..في السنوات التي مضت والقريبة تعرضت التربية لضغط مجتمعي لتوظيف مخرجات تربوية من خارج السلطنة..وهنا لا أشكك في جودة التعليم لكن الكثيرون منهم ليسوا بجودة التعليم الداخلي للتدريس..وهذه المرة أيضاً تقوم التربية بأكبر عملية توظيف للمخرجات التدريسية في وظيفة معلم بمختلف مستوياتها مع أن كثيرون منهم قد لايجتازوا امتحانات القبول لكن الضغط الاجتماعي يفرض على الحكومة توظيفهم بدلاً من الاستمرار في التعاقدات الخارجية..ومع ذلك فهذه ليست بمشكلة صعبة ..الوسيلة المثلى للتخلص من هذه التشوهات هي خضوع هذه المخرجات التي ستقوم بالتدريس لعملية تأهيل منهجي سليم وليس فقط الإلمام بالأبجديات.
لا أعلم ماهو آخر تصنيف لنظامنا التربوي وترتيبه -على مستوى المنطقة على أقل تقدير - هل هو مطمئن ويتماشى مع مسار رؤية عمان؟ أم أنه يترنح في مراكز متأخرة وإن كذلك فالسؤال لماذا؟ فالحكومة تصرف أموالاً ضخمة على التربية والتعليم بعد الصحة بالنسبة للوزارات المدنية يذهب معمظمها كميزانية تشغيلية ومصاريف فنية وإدارية وغيرها..والسؤال المفتوح :هل الأموال والمخصصات التي تخصص للتربية غير كافية لرفع كفاءة الجودة التعليمية؟ »أيها التعليم..إلى الأمام سر».