لهيب يحرق الجيوب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠١/أغسطس/٢٠٢١ ٠٨:٣٧ ص
لهيب يحرق الجيوب

بقلم : محمد بن علي البلوشي

بسبب فواتير الكهرباء يمكن وصف حالة الناس هذه الأيام حيث حرقت الصيف مدخرات الجيوب بكل الكلمات عن هذه المشكلة: «تذمر» «شكوى» «انتقاد» «امتعاض» «غليان» «سخط» «استياء» والمزيد من الكلمات ينضح بها القاموس..فاتورة فقط ولدت هذه الأوصاف حينما يتعلق الأمر بجيوب الناس.أتساءل :في الماضي كنا نعيش بلا مكيفات ولا أجهزة تبريد..فقط الاعتماد على «تبليل» البطانيات والنوم فوق «منامة» وكفانا الله شر الفواتير..لم تكن الحرارة كما هي عليه اليوم..لماذا..السيارات قليلة والطرق والحارات ليس بها من ذلك الأسفلت المنتشر ولم تكن الثلاجات تستوطن البيوت.. لم تكن انبعاثات الكربون كما هي عليه اليوم.حتى الاسمنت لم يكن بهذا الجبروت الذي يطغى على كل شيء..لكن لاشيء ايبقى على حاله، كل شيء يتحول وينتقل إلى آلة أخرى يروضها الإنسان..الطين تحول إلى أسمنت و»الخرس» الذي يحفظ الماء باردا أو يبرده تحول إلى ثلاجة..والحمار من وسيلة نقل حلت السيارة مكانه.وكذلك العالم تغير بأكمله حتى المدن التي كانت معتدلة الحرارة صيفاً باتت درجات الحرارة فيها مرتفعة بل ويموتو بعض أهلها..هل نتصور أن كندا التي هي بلاد باردة سترتفع بها درجة الحرارة..بل وتموت انفس بسببها..كل ذلك يمكن توقعه اليوم..فبات الإحتباس الحراري يشتعل في الكوكب والله وحده أعلم بمصير الأرض بعد مائة سنة. إن كانت الحرارة قد لفحت جبين كندا فماذا نقول عن دول الخليج..معظم البلاد في الصيف في المنازل والمكاتب والمصانع والمحلات تعتمد على أجهزة التكييف فهي العمود الفقري لبقائها واستقبال الزبائن وبقاء منتجاتها سليمة.ما من أحد يستطيع اليوم العيش دون أجهزة تكييف وتبريد..يستحيل في أشهر الصيف أن يعيش أحد دون كهرباء..وهنا الكهرباء في الصيف تعني للناس في المنازل أجهزة التكييف والثلاجات التي لاغنى عنها في حياة الإنسان.

كانت شركات الكهرباء ترشدنا وتنصحنا عن ترشيد الطاقة الكهربائية في الصيف فماذا يعني ذلك..هل تضحك علينا أم أنها تكره أموالنا أم حقا لتوفير الطاقة والإستهلاك وتخفيف الضغط على الأحمال الكهربائية.أولا دعونا نقول إن من يبقى في المنزل لابد أن يستخدم الكهرباء»التكييف» في هذه الشهور من العام ولن يستطيع احد البقاء في كتلة أسمنتية دون تبريد ومن يحاول ذلك لعله يقاوم شيئا ما ثم ينهار..ثم تأتي نصائح شركات الكهرباء لتحثنا على التوفير والترشيد..هل يمكن أن يعيش وينام جميع الأفراد في غرفة واحدة علي سبيل المثال أم توقيت التكييف على كل 5 ساعات ثم إطفائه ومن ثم المعاودة على تشغيله حتى تستقر الفاتورة على مبلغ يستطيع المستهلك أن يدفعه..يأست شركات الكهرباء بعد تغييرات التعرفة ..توقفت عن نصحنا بترشيد إستهلاك الطاقة وتوقفت رسائل التوفير التي تنشرها..فأصبحت تربح كثيرا..لكن من المستغرب المطالبة بترشيد الطاقة الكهربائية صيفا والحرارة لاتحتمل..في المنازل أو أماكن العمل وغيرها.

لماذا تلجأ شركات مزودة بقطع الخدمة الكهربائية عن منزل..هنا أقول أن المشتركين والأسر المتضررة من القطع والتي لاحيلة لها هل تلقى بالشارع. لا يجوز ذلك فالعقد الاجتماعي أن الدولة-الحكومة- مسؤولة عن مواطنيها-رعيتها-هل من المقبول أن لايتمكن مواطنون من دفع فواتير الكهرباء وتبقى الجهات الحكومية في الولاية بعيدة عن ذلك..ليس مطلوبا من هذه الجهات توزيع الصدقات لكن ينبغي عليها دراسة الحالات وقدرتها على البقاء والصمود في دفع الكهرباء صيفا بدلا من أن تقع تحت رحمة هذه الشركات التي هي تحت سيطرة الدولة الرقابية والقانونية والتي رغم ذلك ألقت بتوجيهات هيئة الخدمات العامة عرض الحائط وقطعت الكهرباء عن مشتركين ثم عادت وتراجعت عن ذلك ببيانات يتيمة أنها لن تقطع الخدمة ..حسنا ثم ماذا هم فاعلون أمام عدم قدرة بعض المشتركين على السداد.

مافتئ المسؤولون في هذا القطاع عن تذكيرنا كل مرة بأن تسعيرة الكهرباء في البلاد هي الأفضل عالميا.. لست مطلعا على آليات احتساب التكلفة وكم ينبغي للمستهلك أن يدفع إلا أن هناك من يقول أن كل الخسائر وغيرها تحسب على المستهلك..إن الدعم الذي تقدمه الحكومة كذلك هو بسبب الفاقد.ومع إقرار الحكومة لدعم حساب عدادين لكل مواطن..إلا أن التعرفة الجديدة أصابت قدرة الناس المالية-صيفا- في مقتل..الكثيرون لديهم القدرة على الدفع فمداخيلهم تسمح بذلك ..لكن المؤكد أن الكثيرين سيدفعون بالرغم من أن مداخيلهم مقسمة على جوانب أخرى..ومن لم يتمكن من الدفع فهؤلاء تملك الحكومة الإجابة على أسباب عدم قدرتهم على دفعهم. كغيرنا من المجتمعات من حق الناس أن تشتكي؛ فحياتهم تقوم على الخدمات ومنها الكهرباء..هي كالرزق الذي لايمكن قطعه عن أحد..والجهات المختصة ستستمع للناس ولشكاواهم واقعية كانت ام مبالغاً بها..لكن عليها ألا تصمت حينما يبكي الناس.